سمير عطية من الشخصيات التي توحدت مع الشعر إلى حد لم يستطع الشعر الابتعاد عنه، ينتقل في قصائده من اليأس والسوداوية إلى ذروة الأمل الذي يعيش لأجله، وعلى الرغم من تجواله في معظم الوطن العربي إلا أننا لا نرى في قصائده سوى نفس شاعر واحد استطاع جمعها كلها في….القصيدة، للتعرف عليه وعلى خفايا قصائده أكثر كان لعالم نوح معه هذا الحوار:

لقاء مع الشاعر سمير عطية





سمير عطية من الشخصيات التي توحدت مع الشعر إلى حد لم يستطع الشعر الابتعاد عنه، ينتقل في قصائده من اليأس والسوداوية إلى ذروة الأمل الذي يعيش لأجله، وعلى الرغم من تجواله في معظم الوطن العربي إلا أننا لا نرى في قصائده سوى نفس شاعر واحد استطاع جمعها كلها في….القصيدة، للتعرف عليه وعلى خفايا قصائده أكثر كان لعالم نوح معه هذا الحوار:

 

 أستاذ سمير، نرى في نصوصك الكثير من الحطام والجروح والدمار والظلام، ما سبب كل هذه السوداوية؟
قصائدي ولدت في الشتات القسري عن وطني، ومحطات زمنية فرقتني بمن أحب، هذه التجارب القاسية انعكست بمفرداتها وأحاسيسها لتشكل صور الشعر، ومشاهد الحروف والحتوف، غير أن قصائدي رغم الجراح آمنت بالصباح، وبرغم الأنين لم يفارقها الحنين، فكانت تحمل مشاعل الأمل، ووهج الانتصار القادم.

مسقط رأسك قرية "سيلة الظهر" في فلسطين، وأنت مواليد "الكويت" وخريج جامعة "صنعاء"، ومقيم في سورية وتحمل الجنسية الأردنية، إن أردنا السؤال، كيف يجمع الشاعر سمير عطية بين كل هذه البلدان، وأين تجد نفسك أكثر، ماذا تقول؟
 
يستطيع قلب الشاعر أن يحتفظ لكل هذه الأمكنة بالحب والوفاء، في كل مرة كان يحط أجنحة الحكاية في مكان جديد كان قادراً أن ينهل من ينابيعها، ليكون من محبيها في كل لحظة من لحظاتها، وزقاق من أزقتها .
لم يكن الفراق اختيارياً، كما أنّ اللقاء لم يكن كذلك في أحايين أخرى، غير أنّ التأثر والتأثير هي من سمات هذه الرحلة ومن جمالياتها، بل إنّ الدروس التي أثْرت تجربتي وأثّرت بها كانت قاسية في عدد منها .
في الكويت عشقت قصائدي البحر ولا تزال، ودروبها عرفتني طفلاً وشاباً، وفي اليمن هويت دروبها العتيقة وقناديلها التي أضاءت حياتي الجامعية، أما الأردن فكانت محطة غنية بالدروس التي كانت مفيدة لمحطات أخرى، أما فلسطين الوطن الغائب عنه قسراً بسبب الاحتلال الصهيوني، فإنّه ظلّ النبض الذي تخفق القصائد من أجله، ويمد المحابر بدفقاته، فمنه عاشت الأشعار كبرياءها، وعرفت صمودها، رغم تشققات الألم الذي يصيب مراياها .

إن تم تقييم النتاج الثقافي لهذه البلدان، كيف تصنفها، وما الدولة التي وجدتها أكثر غزارة ثقافياً؟
هذا سؤال صار يلاحقني وألاحقه بعد هذه السنوات، فكل بلد كان لها عطاؤها، ولها بيئتها الثقافية وحراكها الأدبي الخاص، الإجابة يجب أن تكون موضوعية وشاملة وعميقة، لأن السؤال لا يتعلق بتأثري بل بتصنيفي بعد هذه السنوات في العمل الثقافي أيضاً، لذا فالإجابة تتعلق بالمؤسسات الثقافية فيها، وطبيعة العطاء،وغزارته، وديمومته، وطبيعة البيئة الثقافية ومكوناتها، والسقوف التي تعطى لها، ومدى إفراد مساحات لأكبر شريحة ممكنة من المبدعين .

 يقال أن شعر المقاومة والشعر القومي يخلّد أكثر، ما رأيك، وهل يكتب الشاعر سمير عطية ليخلّد؟
شعرُ المقاومة في أدب الشعوب، يمثل مرحلة مهمة في توثيق ذاكرتها، وإبراز هويتها، في الأدب العالمي المعاصر يعد أنموذجاً لصمودها ثقافياً وحضارياً أمام أعدائهاً، في هذا السياق يأتي شعر المقاومة في فلسطين منسجماً مع النبض الأدبي العالمي، إنسانياً وأدبياً ومعرفيًّاً، فالشاعر الذي ينحاز على الحق والحرية والعدالة يصدق مع قصيده ومع نفسه وجمهوره أيضاً.
أجد نفسي في هذا الشعر لأنه يمثلني، لأنه يشبهني، وينسجم مع حلمي ووجعي أيضاً، أجد نفسي مقاوماً في قصائدي لأنّ الشاعر الذي يقع وطنه تحت براثن الاحتلال لا يمكن له إلا أن يكون مقاوماً، ولا يجوز له إلا أن يكون مقاوماً، أما إن خلدني هذا الشعر أم لا فحسبي أنني أريد أن أسيج دياري بأشعاري، وأحمي أوطاني بعظامي .

 عموماً، برأيك كيف يمكن استنهاض الواقع الثقافي في الوطن العربي ليصبح متداولاً كما نتداول الثقافة الغربية؟
الأمة حين تنتكس وتتراجع يحدث هذا التراجع في جميع مجالاتها، انظر إلى حالنا الرياضي والصناعي، لن يكون أفضل حالاً من واقعنا الثقافي، فحركة صناعة النشر وطباعة الكتاب في الوطن العربي كلِّه، لا يرقى إلى دولة أوروبية مثل إسبانيا !!
استنهاض الثقافة لا يبتعد عن استنهاض الطموح بريادة ثقافية عالمية، واستكشاف مواهب وصقلها تنشأ على هذا الحلم، وتوفر بيئة ثقافية تتوفر فيها خصائص التقدم وآليات النجاح، وكل هذا ينسجم مع تقدم للأمة ونهضة علمية ثقافية لها تسير بها نحو الأمام .


هل برأيك الفعاليات الثقافية والمهرجانات تلبي حاجة المثقف الفلسطيني، كيف يمكن العمل على هذا الجانب أكثر؟

الفعاليات والمهرجانات هي وسائل لتفعيل الحراك الثقافي، ومن آليات التعبئة المعرفية للجمهور، وتقديم الجديد من المبدعين في حالة إبداعية متجددة، لكنها لا تكفي لوحدها في الآليات والوسائل، فهي بحاجة إلى وسائل أخرى معها متنوعة ومتواصلة ومدروسة، تلبي الجغرافيا المتعددة، والظروف المختلفة، والعوائق التي يعيشها المجتمع الثقافي الفلسطيني في الوطن والشتات، وربما من أهم هذه الحلول إيجاد مرجعية ثقافية فلسطينية عليا للداخل والخارج .

برأيك هل من الممكن أن يكون الأديب وبالأخص الشاعر صادقاً فيما يكتبه إن لم يعش التجربة، وكيف هو الأمر بالنسبة لتعلقك بشعر المقاومة على الرغم من عدم وجود التجربة الفعلية لك فيها؟
الشاعر يمتاز عن غيره من المبدعين بخياله الواسع، وأحاسيسه المرهفة، وقدرته الوصفية الإبداعية في النص الأدبي الشعري، هذه العوامل تجعله يقترب كثيراً من تفاصيل صغيرة لا يعرفها الآخرون، أو ربما مروا عليها سريعاً، أو لم يقدروا على تقديمها بالشكل المناسب .
الشاعر بما معه من أدوات معرفية وملكات إبداعية يعبر بصدقه عن التجربة التي يكتب عنها وفق رؤيته التي تتأثر بتجارب الآخرين والمحيط الذي يعيش فيه .
أما عن شعر المقاومة فالتمسك بالوطن في الشتات مقاومة، وتعريف الأجيال به من خلال الشعر هو بحد ذاته مقاومة .
أن تولد بعيداً عن وطنك وتُمنع من دخوله بسبب الاحتلال، وتكرس تجربتك الثقافية من أجل هذا الوطن فلا شك أنك مقاوم، بثبات الرؤية والبوصلة، وتسييج الأمل وحمايته للأجيال والأمة، هو شعر مقاومة، وهذا ما فعله عشرات الشعراء الفلسطينيون خلال العقود الماضية من خلال وجودهم خارج الوطن وداخله .


هل برأيك أن الإعلام العربي أعطى المثقّف العربي حقه من الانتشار والتعريف به وخاصة في موجة الفضائيات والإنترنت التي نشهدها حالياً؟

لا شك أنّ العالم يشهد حالة من التقدم المعرفي الهائل، والإعلام العربي تأثر بشكل مختلف بهذا التقدم بشكل إيجابي وكذلك بشكل سلبي .
الفضائيات والانترنت قدّما للمثقف خدمات جليلة كانت محجوبة عنه سابقاً، سهلت النشر وخففت من قيود الإبداع والرقابة، لكن في الوقت ذاته أصبح المعيار النقدي ضعيفاً مرتبكاً مما أتاح لحالات كثيرة أن تقدم نفسها في العمل الثقافي العربي دون أن يكون لها رصيد حقيقي من الإبداع والعطاء .
نحن نعيش مرحلة جديدة ومهمة ونوعية في هذا الزمن، والثقافة جزء مهم من هذه المرحلة الجديدة تتأثر وتؤثر بأشكال مختلفة .

أغيد شيخو_ عالم نوح