الأديب “السيد نجم” قلب ينبض حبّاً للأرض والسلام والطفولة، وفكرٌ لا مكان لتوقف الإبداع فيه، كان لعالم نوح شرف استضافته في هذا الحوار الذي أجريناه معه عبر الإنترنت:

لقاء مع الأديب المصري السيد نجم

الأديب "السيد نجم" قلب ينبض حبّاً  للأرض والسلام والطفولة، وفكرٌ لا مكان لتوقف الإبداع فيه، كان لعالم نوح شرف استضافته في هذا الحوار الذي أجريناه معه:

هل ترى أن المرأة في الرواية العربية بعيدة جداً عن المرأة في المجتمع العربي؟

نسبيا أوافق على هذا الرأي، ولكن ليس بمبرر التعمد والقصدية، أو لأي سبب اجتماعي أو سياسي بل بسبب قلة عدد الكاتبات فيما سبق (على الأقل قبل عقدين أو ثلاثة)، وأرى أن المرأة تواجدت بشكل أساسي فى أعمال عدد غير قليل من الروايات، حتى أن بعض الروائيين (مثل إحسان عبد القدوس) تعتبر المرأة هي محور أعمالهم.

مع رواج حقيقي فى عدد الكاتبات، حتى أن السعودية (على حداثة كتابة الرواية بها) يبدو عددهن مناسب جداً، بل ولافتاً، أما ميزة توافر الرواية النسائية، هي وبطبيعة الأمور تطرح من الأفكار والآراء والأحاسيس والرؤى ما يعد منجزاً لافتاً الآن فى الرواية العربية.

وأظن أن صورة ما طرح فى الرواية العربية من قبل، بما يعبر عن واقع الحال، وهو ما تجسد فى بعض روايات "نجيب محفوظ" و"حنا منا"، ثم كانت المرأة المتمردة فى أعمال "ليلى العثمان" و"لطيفة الزيات" و"سكينة فؤاد"، ثم المرأة المقاومة عند "غسان كنفاني"، أما المرأة الحبيبة فحدث ولا حرج.

تلك الصور المتنوعة حول المرأة العربية شكلت صورة واقع حال المرأة العربية، أو لنقل أغلبها، حتى الجزء المسكوت عنه، ذلك الذي يتضمن أغوار النفس الأنثوية وكذلك وجهة نظرها التي قد لا يلتفت إليها الروائي الذكرى، وكذلك ذلك العبء الاجتماعي الذي يكون الراوي الذكرى متغافل عنها أو لا يعيها.

أوردت تلك الأمثلة ليس للحصر، بل لبيان أن المرأة فى الرواية العربية لم تكن كما يشاع، ويبدو أننا استسلمنا لتلك المقولة (أن المرأة أهملت فى الرواية العربية) والحقيقة أن دخول المرأة الكاتبة وظهورها على الساحة الأدبية، هو ما صنع هذه المفارقة لأنها أضافت إلى صور المرأة وقضاياها.   

– إن كان أدب الرجال لم يظهر المرأة على حقيقتها في كتاباته، فكيف الأمر بالنسبة للأدب النسائي في الوطن العربي؟

إذا قبلنا السؤال بهذه الصياغة، واستشعر البعض إهمال المرأة، أعيد وأشيد بأعمال الكاتبات فى لبنان والسعودية والجزائر والكويت ومصر، وأظن أن تلك البلدان أكثر الأقطار العربية إنتاجا للرواية النسائية، هناك أسباب مختلفة لعدم رواج الروايات النسائية فى بقية الأقطار العربية تعود فى أغلبها إلى أسباب اجتماعية وثقافية مع ضرورة الالتفات إلى أن سوريا والعراق والإمارات تضم من الشاعرات الكثير، ويعرضن قضايا المرأة بشكل آخر من الإبداع.

هل برأيك أن الرواية العربية قد حاكت الواقع العربي أم أنها كانت تقليداً لنمط سابق أو داخلاً فيما يتمناه الكاتب من هذا الواقع أكثر؟

بداية لابد أن نتفق على أن محاكاة الواقع، هو فى الأصل يعد استشرافاً للمستقبل، بمعنى أن سرد الواقع المؤلم فى فئة أو شريحة ما من أفراد المجتمع، هو دعوة فنية تصرخ من أجل رفع هذا الألم ومطلب من مطالب المقاومة، ولكن بشكل فني ومقبول من الجميع، الفن الجيد هو ما يثير الأسئلة، لا أن يجيب عليها.

ومع ذلك فالرواية العربية ليست واحدة، لا فى الشكل ولا المضمون، وفيها من التنوع ما يدعونا إلى الفرح، والمتابع يلمح هذا التنوع فى الشكل (الرسائل- المذكرات- التشيؤ – التشظى- التكثيف- القصر فى الطول (نوفيلا)- بالإضافة إلى تلك الأعمال التي حاكت التراث فى شكل المقامة أو السرد العربي القديم- استخدام لغات أخرى غير العربية فى النص العربي وغير ذلك مما يطول الحديث حوله) ولسنا بصدد إصدار أحكام نقدية الآن.

أما عن الموضوع فى الرواية العربية، يمكن الإشارة إلى أن الرواية مرت بمراحل منها المرحلة الذهنية والرومانسية والواقعية، ولعل الرواية المعاصرة باتت أكثر التصاقا بذات الكاتب الروائي، وبالجسد بمعنى ما، كما تبدو أكثر التصاقا بالبيئة والمكان فضلاً عن تلك الملامح، تناولت موضوعات الخيال العلمي والجاسوسية وأدب الحرب والمقاومة.

وعودة إلى السؤال، أظن أن ما أنتج من رواية هو الممكن والمعبر عن واقع الحال، حتى تلك الروايات التي قيل أن صدام حسين أو معمر القذاف أو حتى عبد الناصر وفتحي سرور بمصر، كتبوها، فتلك الأعمال الروائية لها دلالاتها، بصرف النظر عن القيمة الفنية والإبداعية..

أخيرا فان كان السؤال يبحث فيما إذا كانت الرواية العربية عبرت عما نتمناه، هذا موضوع آخر.. لكن الأكيد أن الرواية العربية عبرت عن واقعنا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي، وان بدت فى بعضها غير موفق فنيا.

هل برأيك أن النقد "إن وجد" قد ساهم في تطوّر الأدب أم إلى تراجعه، أم أن كل فن مستقل عن الآخر عربياً؟

يمكن القول بأن النقد فى العالم العربي "ذاتي".. ما أعنيه أن الناقد الأكاديمي يتناول الأعمال الإبداعية من زاوية ما تحصل من معلومات أثناء بحثه، وهو ما جعل هناك عدة مناهج نقدية لنظريات نقدية غربية متنوعة، أما الناقد المستفز، وهي سمة بعض النقاد فكثيراً ما يصدر أحكام القيمة واعتبار هذا العمل جيداً أو سيئاً، فهو نمط مدرسي، وهناك شريحة الناقد المبدع، وهم هؤلاء الذين مارسوا الكتابة الإبداعية والنقد معاً، وأظن أنهم أكثر النقاد التصاقاً بالنص والبحث فيه، دون التعلق برؤى خارج النص ودون أحكام القيمة، وأظن أن الناقد الذي يولد رؤيته من النص، دون أحكام مسبقة أو حتى محددات جامدة هو أفضلهم، فالنقد تالي للإبداع دوماً، وعلى الناقد أن يولد أحكامه من خلال النص وليس الأحكام المسبقة، وهو يعطى للإبداع على الإطلاق فرصة الاستزادة والطموح.

وربما بعض النقد ارتبط بالأيدولوجى (بما فيها الأيدولوجى الاجتماعي وليس السياسي فقط) فيغلب عليه رؤية واحدة للعمل الابداعى، وان كان من مسئولي النشر فى هيئة رسمية، يرفض العمل! وهذا الناقد أسوأ أنماط النقاد.

كما تبدو أحيانا "الشللية" أو التجمعات الصغيرة من جماعة إبداعية ما، سبباً فى إصدار أحكام وراء التقييم النقدي، سواء بالمدح أو القدح، وهى سمة قبلية غير نقدية علمياً وفنياً.

ما السبب في تخصصك في أدب المقاومة بالتحديد في مجال الدراسات دون سواه؟

بداية مفهوم المقاومة، هو ملمح وهدف غير مفتعل عندي، سواء فى الإبداع (فى أغلب الأعمال، حتى فى مجال أدب الطفل)، أما فى الدراسات فأدب المقاومة ومن خلال مفاهيمه أكتبها.

الحقيقة أنني لا أعتبر نفسي ناقداً، بل مهتم بأدب المقاومة وأكتب دراسات حوله، بل لي كتابات إبداعية فى الرواية والقصة القصيرة وفى أدب الطفل، كلها تتضمن مفهوم المقاومة. مع ملاحظة أن "المقاومة" كما كتبت فى أكثر من كتاب لي فى تنظير أدب المقاومة، أنها ليست الحروب ومقاومة المحتل فقط بل هذا المعنى الشائع يخضع لمصطلح "أدب الحرب" وعندي "أدب الحرب" جزء من "أدب المقاومة" الأعم ولأشمل، فأدب المقاومة هو ذلك العمل الأدبي الذي يتناول معارك الفرد والجماعة، من الحروب دفاعاً عن الوطن إلى الحروب اليومية التي يمارسها الفرد فى حياته اليومية لمواجهة الفساد والاضطهاد وغيره.

أدب المقاومة عندي هو: "أدب الجماعة المعبر عن هويتها، الساعية إلى حريتها، فى مواجهة الآخر المعتدى، من أجل الخلاص الجمعي"

وقد بدأت التنظير لأدب المقاومة بعد أن شاركت فى معارك 1973م، وانتهيت إلى نشر كتاب "الحرب: الفكرة- التجربة- الإبداع".. ثم "المقاومة والأدب".. ثم "المقاومة والحرب فى الرواية العربية.. ثم "المقاومة والقص فى الأدب الفلسطيني.. الانتفاضة نموذجا".. وأخيرا "الطفل والحرب فى الأدب العبري".. وقد تلاحظ أن كتابي الأخير يدرس الآخر المعتدى.

فأدب المقاومة هو دراسة الذات لمعرفة عناصر القوة لتعضيدها وعناصر الضعف لتلاشيها، وفى المقابل دراسة الآخر المعتدى لدراسة عناصر القوة فيه لمواجهتها، وعناصر الضعف كي نأخذه بها. وأشير هنا إلى أن الجامعات الإسرائيلية تدرس الأدب العربي من هذا الجانب، وتوجد بها أقسام متخصصة.. بينما مازلنا فى العالم العربي نتساءل: هل من المقبول نترجم الأدب العبري؟!

إن أغلب أعمالي فى مجال أدب الطفل (لي 11كتاباً) حول مفهوم الهوية والانتماء وتعضيد الذات دون افتعال مع تغليب الجانب الفني دوماً، أما فى الرواية والقصة القصيرة، فقد أشار الكثير من النقاد إلى ملامح المقاومة فى تلك الأعمال (بمعنى أن المقاومة ليست الحرب وحدها بل هي الانتماء وروح الجماعة، (يتم الآن إعداد ملف عن أعمالي بمجلة الثقافة الجديدة بالقاهرة، فيه شروح لرؤية المقاومة فى مجمل أعمالي الإبداعية)

سؤال يطرح نفسه، لماذا نرى من خلال حواراتك ذكر لأدب الحرب والحرب أكثر من السلام كمفاهيم وكأدب؟

الأصل فى الوجود الانسانى هو "السلام" وهو الهدف المرتجى، والحرب هي الحالة الطارئة التي هي تجربة فردية وجماعية معاً.. تجربة غير تقليدية.. حتى تجارب الجنود فى الحرب مختلفة، التجربة الحربية جد شائكة ومعقدة وغير تقليدية، وقد لا يمارسها البعض طيلة حياته، لذا ممارسة التجربة الحربية للأفراد والشعوب مثيرة للمبدع.. هذا جانب.

أما الجانب الآخر عن "السلام" يفترض أنه الأصل، ولا يعد (فنيا) تجربة خاصة أو عامة.. ومع ذلك يلزم القول أنني لا أؤيد الحروب وأرفض السلام.. بل بشاعة الحروب تدعونا لتجنبها (لكن ماذا نقول وتاريخ البشرية منذ أن عاش الإنسان فى الكهوف حتى يومنا هذا، لم يعش العالم فى سلام إلا 75سنة من تاريخه!!)

كما أن الحرب مشروعة فى حالة الاعتداء على الأرض والنفس والشرف، وكل الشرائع والقوانين والقيم تزكي هذا المفهوم.. وماذا عن قدرنا نحن العرب أن نعيش حروباً فرضت علينا.. لك أن تحصر تلك الحروب خلال الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى الآن وقد فرضت علينا.

أعود واكرر إن مفهوم أدب المقاومة أعم وأشمل وهو ما أتبناه، وأرى فيه رفعة الإنسان وحقه فى الحياة الكريمة.

أخيرا أشير إلى أن تجربة المشاركة فى حرب 73 هي تجربتي الحياتية الأساسية التي عايشتها مع بدايات فترة الشباب، وهى تجربة جيلي، خلال فترة حتى الآن شهدت فيها المنطقة العربية حروباً عليك أن تحصرها وتأسف.

من الذي تعتبره رائداً في مجال أدب الطفل سواء أكانت بلداناً أو كتاباً؟

تشير الدراسات الأكاديمية أن مصر رائدة فى مجال أدب الطفل، منذ إصدار مجلة "روضة المدارس" التي عنيت بنشر السرديات التي تتسم بالوعظ والإرشاد، وإن ظهر خلال تلك الفترة (أوائل القرن العشرين الماضي) ظهرت أقلام هامة مثل "محمد سعيد العريان ومحمود حقي" وغيرهما.. كما أن للشاعر "أحمد شوقي" فى "شوقياته" مالا يقل عن أربعين قصيدة للطفل، كتبها بعد عودة من المنفى فى فرنسا. 

كما أن العراق وسوريا اهتمت بأدب الطفل التعليمي بالمدارس مبكرا، لكن دعني أقول لك انه حتى عام 1975 حيث أول مؤتمر عربي لأدب الطفل، وقد انعقد فى الجزائر، لم يكن مصطلح أدب الطفل مطروحاً، بل تردد "أدب الصغار"- "أدب الشبيبة"- "أدب الفتيان".. وهكذا 

ما النوع الأدبي الذي تجد نفسك فيه وتشعر أن مساحة الإبداع متوافرة فيه أكثر؟

ما اكتبه من إبداع أو دراسات، يتوقف على الحالة المزاجية، ولا ادعى اننى أميل لإبداع لون ما أفضل من الأخر. وأترك للقارئ والناقد إصدار مثل تلك الأحكام، أكتب لنفسي ولقناعاتي أولا، ولك أن تصدر حكمك كيفما ترى.

هل الإعلام العربي ودور النشر ساهما في نشر الأدب أم أن الموضوع كان محدوداً ودون المطلوب؟

الإعلام العربي بالعموم مدان تجاه الثقافة عموماً، والأدب خاصة، ولولا الدراما فى السينما والتليفزيون، لواجه الأدب مأزقاً حقيقياً، وخصوصاً فى مجال السرد.

لكن لم أر إشارة فى كل الأسئلة حول الإعلام الجديد أو الإعلام البديل الذي ولد مع جهاز الكمبيوتر وشبكة الانترنت، لم تشر إلى التقنية الرقمية فى كل أسئلتك، وحتى سؤال الإعلام.. بينما أرى أن الثقافة الرقمية ومعطيات التقنية الرقمية جديرة بالاهتمام، فهي القادرة على تجاوز كل السلبيات التي نعانى منها الآن، بداية من الكتابة الجديدة إلى النشر والنقد.

ما أكثر ما تفتخر أنك كتبته؟

كل ما كتبته هو "السيد نجم" هو تجربة عشتها وفكرة اقتنعت بها، هو حصاد 40سنة من الكتابة والعمل يا صديقي! فقط وبلا أية نرجسية أشير إلى اننى كتبت حول مفهوم "المقاومة" فى الدراسات خمس كتب تنظيرية وتطبيقية، وفى الإبداع الروائي والقصصي بالمعنى الذي أشرت إليه، وليس بمعنى أن المقاومة هي الحرب وحسب.

كما أشير إلى أنني من المتحمسين للثقافة الرقمية، وشاركت فى تأسيس أول اتحاد كتاب له، وهو المؤسسة الوحيدة الموثقة ومسجلة فى عالم الواقع، بعد استثناء خاص من رئيس وزراء الأردن فى ذلك الوقت (2005م).. كما أننى نشرت كتابين حول الثقافة الرقمية، وفى انتظار نشر كتابين أخريين.

ما جديدك والذي هو قيد الطبع؟

رهن النشر أكثر من كتاب، وفى الإبداع والدراسات: مجموعة قصص (شكل القصص القصيرة جدا) وكتاب "س وج فى الثقافة الرقمية" – وكتاب "النشر الالكتروني، التعريف والوظيفة"- وكتاب "التقنية وإبداع القصة للطفل"- وأكثر من "مجموعة قصص أطفال"، كما أعمل فى رواية لم تنته منذ سنوات!

أغيد شيخو_ عالم نوح

Ab_negm@yahoo.com