لقاء مع الدكتورة والكاتبة هيفاء بيطار
- مايو 23, 2012
- 0
الدكتورة والكاتبة هيفاء بيطار لعالم نوح وشادي نصير: في القانون ثمة تميّز للرجل عن المرأة سواء أقوانين مدنية أو عقلية اجتماعية وبرأيي كلها مجحفة بحق المرأة
الدكتورة هيفاء بيطار
دمشق ـ عالم نوح:
لها ملاحظتها ورؤيتها الثاقبة في البحث عن هموم الشارع السوري والعربي بل والمواطن أينما كان، فقلمها استثنائي لا يتردد في رفض الموروثات في مجتمعاتنا الشرقية، إنها الدكتورة هيفاء بيطار التي تعتبر من الكاتبات الاستثنائيات في سورية وقد إلتقاها عالم نوح وشادي نصير وكان معها الحوار التالي:
*يقال انك كاتبة نسوية، كيف ترين التصنيفات في الأدب؟ وماذا تطرحين من قضايا تخص المرأة في نسجك الأدبي؟
**لا يوجد كتابة عن المرأة بشكل مستقل، أي كاتب أو كاتبة حين يكتبون موضوع لابد من وجود رجل وامرأة ضمن كتابتهم، لا يمكن الكتابة عن المرأة بشكل صرف، أنا مثلا أعد كاتبة نسوية وليس عندي أي مانع أن يطلق علي هذا التعبير وليس عندي عقدة من أدب نسوي ولا تعني لي هذه الألقاب وهذه والتعابير ولا أعتبرها انتقاص من قيمة، لا يوجد عندي مشكلة مع التصنيفات، فأنا كاتبة معنية بقضايا المرأة ولكن حين أطرح قضية المرأة أطرحها ضمن منظور مجتمعي وأطرح إشكالات اجتماعية بعلاقات اجتماعية من منظومة فكرية ومنظومة أبوية. أي المنظومة الأبوية التي أفرزت علاقات غير متكافئة بين الرجل والمرأة حيث أعطى صلاحيات للرجل أكثر من المرأة.
وتستطرد الدكتورة بيطار قائلة: في القانون ثمة تميز للرجل عن المرأة سواء قوانين مدنية أو عقلية اجتماعية وبرأيي كلها مجحفة بحق المرأة. إذن حين أطرح قضايا أطرحها قضايا نساء، حتى رواياتي من عناوينها تدل على قضية المرأة مثل.. امرأة من طابقين و امرأة من هذا العصر وعندي عدة قصص قصيرة مثل الساقطة. وتختم: المرأة تعيش بعلاقة مع الرجل ومع الطفل ضمن مؤسسات اجتماعية فلا آخذها ككيان منفصل أو معزول.
* للروايات التي تكتبها "هيفاء بيطار" خصوصية من حيث غلبة السيرة الذاتية، من أين تستمدين رسم أبعاد الشخصيات في رواياتك؟ هل من الواقع أم من الخيال؟ وهل يساهم علم النفس في ذلك؟
**في الواقع كتبت سيرة ذاتية ناقصة في روايتي الأولى "يوميات مطلقة" والتي هي رد فعل على مجتمع ذكوري مجحف بحق المرأة، خاصة المطلقة وكانت رواية ثأر من القوانين الكنسية الظالمة التي تحكم على المرأة التي تطلب الطلاق بسنوات طويلة من الهجر، لكن في أعمالي اللاحقة لم أعتمد أبداً على سيرتي الذاتية إذ كانت قصصي ورواياتي عن نساء وحالات إنسانية كنت شاهدة عليها، وبالفعل أنا مؤمنة أن الكاتب يجب أن يكون عالي الثقافة وأن يقرأ كثيراً بعلم النفس.
ولا أخفيكَ أنني رغبت حين أنهيت دراسة الطب أن أختص بالطب النفسي لكن للأسف تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. وتضيف الدكتورة بيطار، في زمننا هذا لا يمكن لموهبة خام أن تثبت نفسها دون ثقافة، وأنا أعترف أنني قارئة نهمة لكل أنواع العلم والثقافة خاصة كتب علم النفس.
* ما الذي يجعلك تختارين بين كتابة قصة أو رواية؟ وهل اتجاهك نحو الرواية لأنها قادرة على تغيير الأفكار والعادات الاجتماعية وكذلك قوانين الدولة؟
**لم أختر الرواية وحدها فلدي خمس عشرة مجموعة قصصية وأنا أحب فن القصة القصيرة وأجده مهما مثل الرواية، والذي يجعلني أختار بين قصة قصيرة أو رواية هو الموضوع، فالرواية تعطيني مساحة أوسع للتعبير عن الواقع وتجارب الناس أما القصة القصيرة فمجرد لقطة ذكية وإبداعية، إما أن تنجح أو تفشل وأنا في الحقيقة مؤمنة بدور الثقافة والفن بشكل عام في تطوير حياة الناس ودفع البشرية نحو حياة أفضل والتغيرات المتلاحقة ستؤدي حتماً لتغيير قوانين الدولة.
*هل الواقع جدار تستندين عليه أم تستمد كتاباتك في مجملها من الخيال، حدثينا حول ذلك، وهل الأدب قادر على نقل الحقائق إلى الورق المصقول وتقديم ولو جزئياً بعض الحل؟
**إطلاقا أنا كاتبة واقعية وأقول ذلك بشفافية وصدق حيث يوجد نوعية من الكتّاب يعتبرون كلمة أدب واقعي انتقاصا من فنيته وجماليته، وكوني طبيبة هذا يجعلني أكثر موضوعية وعقلانية وأعترف بصراحة كل بطلاتي وكل قصصي القصيرة سواء عن رجال ونساء أو أطفال جميعها مستمدة من الواقع.
صحيح أنه يوجد خيال لكن لا يوجد أفكار تهبط من السماء حتى أعلى درجة من التخيل الروائي يكون لها بذرة واقعية ولها أساس واقعي، أنا أرى أن الأدب أفضل وسيلة للتعبير عن قضايا الناس عن الإنسان آماله وآلامه وأحلامه. وظروفه الاجتماعية لا يوجد مثل الأدب يستطيع أن يعبر عن الواقع البشري.
بالنسبة لي أسخّر قلمي قدر المستطاع للتعبير عن صمت النساء الذي أحب أن أكسره أو أخرقه فالنساء ليس لهن فترة طويلة بدأوا يعبّرون عن أنفسهم. في الخمسين سنة الأخيرة بدأت الضجة حول الأدب النسائي وهي ضجة برأيي طبيعية وواقعية بسبب الصمت الذي كان النساء محكومين به ومخنوقين به حيث كان الرجال يعبرون عنهم.
وتضيف الدكتورة بيطار: أفرح حين أجد كاتبات كما يصفهن النقاد مستفِزّات أو صوتهن عالٍ يصل إلى الصراخ في الكتابة وهذا شيء طبيعي نتيجة سنوات من الصمت والقمع. وبالنسبة لي أنا أعبّر عن أي موضوع .. الأدب هو القادر عن التعبير.. وأطرح مثالاً: ثلاثية نجيب محفوظ التي تعبر عن تحولات المجتمع المصري خلال نصف قرن تعبر عن التحولات .. بما فيها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتوفر عليك قراءة مائتي كتاب في علم الاجتماع.
*هل تؤمنين بالإلهام، وهل للرواية التي تكتبينها مصدر إلهام؟
**لا أومن بالإلهام الهابط من السماء أنا كاتبة واقعية بامتياز، لا أستطيع أن أكتب إلا عن بشر من لحم ودم وعن تجارب أثرّت بي وتفاعلت معها.. لكن، ما يحصل أن عين الكاتب تملك الرؤية وحساسية خاصة لالتقاط الأحداث والمواقف .. مثلا في قصة "يكفي أن يحبك قلب واحد لتعيش" بنيت كل القصة على مجرد لقطة أو موقف كنت شاهدة عليه وهو حين زارتني أم شابة فقيرة تحمل ابنها المعوّق .. كانت تتكلم وعيناها ترشحان بالدمع وتحمل ابنها المعوق كأنه صليب الحب .. يومها فكّرت أن هذا الطفل يعيش بقوة حب قلب واحد هو قلب الأم فكتبت قصة لا علاقة لها أبداً بالحادثة لكن الموقف مع تلك الأم تفاعل في داخلي وخرج قصة، ببساطة الكاتب هو الذي يتمتع بموهبة التقاط حالات إنسانية وتجسيدها في الكتابة، أي استثمار الظروف.
*هل يوجد نقّاد؟ وفي حال وجودهم ما رأيك بالحركة النقدية عربياً؟
**الحركة النقدية مقصّرة جداً، وهناك الكثيرون ممن يدّعون أنهم نقاد، وهم في الواقع مجرد ساردين أو شارحين للعمل، كما لو أن القارئ أبلهاً لا يستطيع أن يفهم الرواية إن لم يعيد الناقد تلخيصها له. أين النقاد من وزن "جبرا إبراهيم جبرا" و"ميلان كونديرا" و"كولن ويلسون" لا أنكر أن هناك نقاداً مبدعين في العالم العربي، لكنهم يعدّون على أصابع اليد الواحدة، وبكل صراحة نادراً ما نقرأ نقداً موضوعياً لعمل أدبي إذ تتدخل العوامل الشخصية كثيراً في النقد فإما أن يرفع الناقد الكاتب إلى سابع سماء من التقريظ والمدح أو يهبط به إلى أسفل السافلين من الذم.
*مَن مِن الروائيين العرب أو العالميين أثروا تجربتك؟
**تأثرت بالكثير من الروائيين العرب والأجانب وما زلت أتأثر.. بلا مبالغة أتأثر بكل ما أقرأ لهم، لكن أدين بعظيم الشكر لدوستويفسكي الذي أعتبره ليس أعظم روائي فقط بل مؤسس علم النفس لأنه أهم من فرويد بنظري، أحب كتابة بلزاك وكونديرا وهنري ميللر وماريو يوسا وغيرهم ومن الكتاب العرب أحب كتابة الطاهر بن جلون وأمين معلوف وصنع الله
*هل ترين أن الكاتبات لهن لغة خاصة بهن في الحراك الأدبي؟
**أرى أن المرأة تقرأ العالم بطريقة مختلفة لقراءة الرجل وليس معنى ذلك أن قراءتها أفضل لكن هناك ثمة خصوصية للجنس فالجنس يعطي الإنسان خصوصية. هُم متساوون في القيمة مختلفون في الجنس. فالرجل مهما كان مبدع وعبقري لا يستطيع أن يعبّر عن مشاعر امرأة حاملاً ومشاعر امرأة في سن اليأس أو أي مشاعر مرتبطة بخصوصية المرأة كما أنني يوجد مشاعر تخص الرجال لا استطيع التعبير عنها، إذا هناك خصوصية للجنس. أنا أرى أن المرأة تبتكر مفرداتها كونها أنثى ولا بد أن تكون عل درجة عالية من القدرة أن تكون مستقلة ومتحررة من الموروث الذكوري، أنا مثلا أرى أجيالا أو تلاميذاً من الشعراء والكاتبات والكتاب تأثروا بشكل كبير بوصف نزار قباني للمرأة، كما أنه في تجاربي القصصية لدي قصة بعنوان الحب في زمن العولمة، لا يستطيع كاتب رجل أن يرصد مشاعر هذه المرأة وبمجموعتي القصصية الساقطة، قصة صرخة كذلك لا يستطيع الرجل كتابتها ليس انتقاصا من قيمة الرجل ولكنه لن يستطيع أن يشعر بمشاعر امرأة عانس اكتشفت أنها حامل بشكل غير شرعي.
إذا ثمة لغة خاصة بالمرأة وبرأيي أن علوية صبح وهدى بركات هن من الكاتبات اللواتي عبرن بشكل كامل لدرجة أنهن خرجن من ثوب الرجل وهذا أمر صعب جداً.
*ألا ترين أن المرأة مشكلتها في معاناتها مع ذاتها كأنثى.. لذلك تكتب عن نفسها وتستثمر حياتها لتكتب، أما الرجل فلا يكتب عن نفسه بل عن أحوال الناس وتهمه قضايا أخرى كالاقتصاد والحروب والسلطة؟ هل هذه حقيقة خلقها واقعنا الاجتماعي فخلق أنثى مكبوتة نفسياً وجسدياً؟
**ربما هذا الكلام ينطبق على بدايات كتابات المرأة وهو صحيح ومنطقي لأن المرأة التي دفنت في الصمت لسنوات والتي لم تملك الجرأة على التعبير عن مشاعرها وأفكارها طوال عقود دخلت عالم الكتابة بحماسة وكانت كتابتها أشبه بالصراخ لتنفيس كبت مديد وفعلا احتلت قضايا المرأة والأنوثة كتابة العديد من الكاتبات لكن السنوات العشر الأخيرة قدمت لنا روايات عظيمة لكاتبات خرجن من منظور الأنوثة الضيق وكتبن روايات تعكس الواقع الاجتماعي وتفوقن على كتابات العديد من الكتاب الرجال، كم من الكاتبات اللبنانيات كتبن عن الحرب الأهلية في لبنان وكم ازدهر الأدب النسائي في السعودية وتجرأ وخرق الخطوط الحمر هناك مثلاً رواية "الآخرون" لصبا الحرز. أما عن نفسي ورغم أنني أتهم دوماً عن تحيزي لقضايا المرأة فقد كتبت أكثر من أربع روايات وعشرات القصص القصيرة تفضح الفساد بكل أشكاله خاصة فساد القضاء وفساد النفوس وتغيير الأخلاق، لم تعد الكاتبة مسكونة بهاجس الأنوثة الضيق وأظن أن أهم ما يتميز به عصرنا هو تألق المرأة في كل المجالات، يكفي أن نتذكر أن ثلاث كاتبات حصلن على نوبل في السنوات الخمس الأخيرة وهن دوريس ليسنغ، والفريدة يلنيك، وهيرتا موللر، أليس هذا أكبر مؤشر أن الألفية الثالثة للنساء؟.
*هل ترين أن الحدث هو محور أساسي في النص الروائي؟
**أعتقد أن الرواية هي أن تغوص في النفس البشرية والحدث هو عنصر مشوق لكن ليس أساسي، أحد الكتاب قال أن القارئ بعد أن يقرأ الرواية لا بد أن تترك أثراً فيه، فلا يمكن أن تقرأ رواية أو تنهيها دون أن تترك شيء فيك، أو تمسك بالعمق وتثير عنده قلق وتساؤلات ودهشة.
والروائي لا بد أن يكون لديه خبرة كبيرة في النفس البشرية (وبعلم النفس) فبعض الروايات تأخذ منحى تقليدي .. تتابع أحداث.. يمكن لأي شخص أن يكتبها فيها ملامسة سطحية للواقع والحدث والنفس البشرية هذا من وجهة نظر والأهم أن الروائي هو غواص ليشعر القارئ بالدهشة لدرجة أن يقول " يا إلهي كيف قدر يكتب هيك".
ثمة روايات يمكن تلخيص أحداثها بسطر أو سطرين لكن كاتبيها يمضون في تحليل شخصياتها بمئات الصفحات هناك فرق بين التشويق البوليسي والتي تعتمد أساسا على الحدث وهناك أنماط من الروايات أي رواية إذا لم تضيء الشخصيات من الداخل فالحدث نفسه لا يستطيع أن يصنع منها رواية.
*تعملين على تحليل الشخصيات في رواياتك، كيف تعملين على التحليل والدمج بين الشخصيات سواء في القصة القصيرة أو الرواية؟
**أعتقد هذا يُغني فنية العمل وأنا أطرح مثال العبقري دوستسوفسكي في الجريمة والعقاب كل أحداثها تتم في أربعة أيام بين ارتكاب الجريمة والعقاب، لقد سبق فرويد بعلم النفس عبقريته وأهميته تأتي من الغوص في النفس البشرية، فكيف يمكن أن تكتب عن شخصية إذا لم تحلل شخصيتها.
*هل ترين أن الكتابة متنفس للكاتب، ولماذا يتجه الكتاب ليعبروا عما تجول به نفسهم على الورق أكثر مما تجول به نفسهم في الواقع؟
**السبب أنني عشت في مجتمع يربينا على الاهتمام بالمظاهر والمجاملات وليس هناك صدق فالكل يكذب على الكل ولا يوجد وضوح هذا يؤلمني وأحس أن عندي مشكلة بالقدرة عن التعبير على أفكاري بوضوح ونحن في مجتمع قمعي يخاف، فالنظام التربوي عندنا يربي الأطفال على عدم الوضوح للتعبير عن المشاعر والأفكار الصادقة. الكتابة وحدها مصدر للتنفيس عن هذا الكبت والقهر كل ذلك اثر فيّ وجعل الكتابة متنفسي.
*لماذا قلة عدد الشخصيات في الروايات التي تكتبينها وهذا ما نشاهده في امرأة من طابقين؟
**لا أعرف أنا بشكل عام شخصياتي قليلة فبرواية امرأة من هذا العصر الشخصية المحورية امرأة مريضة بالسرطان تستحضر بذاكرتها تجاربها مع الرجال‘ وكذلك امرأة من طابقين وأعتقد بأنني لا أخنق شخصياتي أو أحكم القبض عليهم لأنهم يعيشون مصيرهم.
* أحيانا يكون الكاتب بطل إحدى قصصه، هل حدث هذا مع الكاتبة هيفاء بيطار في (يوميات مطلقة) فقط؟ وهل المعاناة التي تخلق من الإنسان أديباً هو ما حدث مع أغلب الروائيين أم أنها المصادفة؟
**فعلا حدث معي أن روايتي الأولى كانت كما ذكرت لك شبه سيرة ذاتية حكيت فيها عن معاناتي مع المحاكم الروحية المسيحية، وأنا أعتقد أن المعاناة تلعب دوراً أساسياً إن لم أقل كلياً في خلق الأدب والإبداع بشكل عام لكن ليس بالضرورة أن يكون كل عمل أدبي وليد معاناة شخصية، لقد كتبت عن كثير من الناس الذين صادفتهم في حياتي وتمثلت معاناتهم وتجولت في تلافيف دماغهم وقرأت أفكارهم لكن تظل الكتابة من رحم الألم الأكثر تأثيراً في القارئ الألم الإنساني واحد والألم يترك وشما وتأثيرا كبيرا في الإنسان أما الفرح فسطحي مقارنة بالألم.
* هل صقلت موهبتك بالدراسة المتخصصة؟
**لم أفهم قصدك تماما لكن أعتبر نفسي محظوظة أنني طبيبة لأن ثمة تزاوجاً ناجحاً جداً بين الطب والكتابة فكلاهما يهتم بالإنسان، والمريض يحكي أسراره للطبيب، لقد كتبت عشرات القصص القصيرة والروايات من وحي عملي كطبيبة عيون في مستشفى الدولة، وفي عيادتي الخاصة وأنا من الكتاب المسكونين بهاجس تطوير الذات وحين تمر أياماً لا أقرأ أو لا أكتب أحس بتأنيب الضمير والخجل.
*أين وصلت الرواية في الوطن العربي وهل قامت بدورها في، معالجة قضايانا المهمة؟
أظن أن الرواية العربية تقوم بدورها في التعبير عن واقعنا العربي المحبط وأن الأدب هو الأكثر شفافية ونقاء في عالمنا العربي وبأنه يجب أن يلعب دور المنقذ والمخلص من مشاكل مستعصية مثل الأفكار السلفية المتخلفة المتكاثرة في مجتمعنا والفساد ونهب المال العام والعنوسة والبطالة الخ.. كل تلك المشاكل يعبر عنها الأدب ومجرد أن يفضحها يكون قد قدم نصف الحل، أنا أعول على الأدب وليس على السياسة في إنقاذ الشعوب من براثن التخلف، هناك روايات عظيمة فعلا في جرأتها وقدرتها على تنوير عقل القارئ مثل "تغريدة البجعة" لمكاوي سعيد و"شارع العطايف" لعبد الله بن بخيت و"أن ترحل" للطاهر بن جلون و"عندما تشيخ الذئاب" لجمال ناجي وغيرهم مثلما ذكرت ليس مجرد كاشف لعلل المجتمع بل يحفز الناس لتلمس الحلول.
*هل قالت "هيفاء بيطار" كل ما تريد أن تقوله أم إن هناك أفكاراً ما زلت لا تجرئين على طرحها؟
**لا لم أقل كل ما أريد قوله وبصراحة أنا مسكونة بالخوف من الرقيب الذي يتمتع بالسلطة المطلقة ليبطش بكل فكر يهدده أو يعتبره معارضاً له، وأحس أن هناك رقيباً صغيراً مزروعاً في خلايا دماغي وهو أشد خطورة من الرقيب الداخلي لكني أنجح إلى حد كبير بالتحايل على الرقيب كأن أكتب عن مدن بلا جغرافيا وشخصيات متنفذة بلا أسماء، الكتابة المواربة هي الحل لكني أحلم بزمن أعتلي فيه خوفي وأسحقه، وأكتب عملاً متعمداً بماء الحرية.
*كيف وجدت تلقي القراء لرواياتك وما هو نوع الإشكالات التي واجهتها مع مجتمعك ككاتبة جريئة؟
**لا تتصور مدى سعادتي بالقبول الكبير لكتاباتي خاصة لدى الشباب الجامعيين، وفي كل مكان أسافر إليه أجدني محاطة بشابات ونساء يقلن لي أنت تعبرين عنا، وتقولين ما نخشى قوله، هذا البوح أو الاعتراف يعطيني زخما عجيباً للكتابة بل وحده يشعرني بأنني كاتبة وهو الذي يجعلني أتابع الحفر في هذا الطريق الصعب والمقلق وهو طريق الكتابة ولم أواجه مشاكل جدية في المجتمع بسبب كتاباتي سوى رفض بعض رجال الدين المسيحيين لروايتي "يوميات مطلقة" وروايتي "امرأة من طابقين" حيث أعلن رجل الدين في موعظة يوم الأحد في الكنيسة بمنعه قراءة هذين العملين.
يرى البعض أنك تشيرين بأصابع الاتهام إلى الرجل باعتباره المسؤول الأول والمباشر عن اضطهاد المرأة، ما تعليقك؟
**الرجل يتحمل المسؤولية الأكبر عن اضطهاد المرأة، لأنه المشرّع ولأنه يسن القوانين وطبعاً يسنها لمصلحته، ولأنه يسخر الدين لمصلحته أيضاً كم من الآيات القرآنية والأحاديث والفتاوى، حورت وفسرت خطأ من أجل مصلحة الرجل، لكن هذا لا يمنع أن عدو المرأة هي المرأة أيضاً وبأن النساء مسؤولات عن جزء كبير من تخلفهن وأعرف العديد من النساء يفضلن أن يكن جواري وأن يصرف الرجل عليهن من أن يسعين ليكون لهن دوراً في المجتمع لكن أنا أؤمن أن تحرر المرأة هو مسؤولية النساء.
*تعتقدين أن المبدع أصبح محظوظاً في عصر تعدد وسائل النشر؟ ولماذا؟
**ليس المبدع وحده محظوظاً بتعدد وسائل النشر بل كل إنسان طامح للمعرفة والاستنارة، الانترنت أحدث ثورة حقيقية في حياة الناس كذلك الفضائيات أية متعة نحسها حين نخرق كل المواقع المشفرة لم يعد هناك رقابة صار بإمكان المواطن وهو جالس في غرفة نومه أن يطلع ويشارك بكل ما يحصل في العالم، وهذا له أهمية خاصة بالنسبة للكاتب الذي يمكنه بوسائط الاتصال الحديثة أن يزيد من ثقافته ومعلوماته وأن يقيم صلات مع غيره من المثقفين والناس.
*هل تطمحين إلى تحويل بعض قصصك إلى مسلسلات تلفزيونية أو أفلام سينمائية؟
**طبعاً أطمح لذلك وبقوة خاصة أن كل كتاباتي واقعية وقد تم شراء روايتي "هوى" من قبل المؤسسة العامة للسينما لتتحول إلى فيلم سينمائي، لكنه حتى الآن لم ير النور.
وفي ختام هذا اللقاء الشيّق مع الدكتورة والكاتبة هيفاء بيطار، لا بد لنا أن نشكرها على وقتها و أجوبتها الصريحة متمنين أن نلتقي بها مجدداً و أن يكون مسلسلها "هوى" قيد العرض.
5 – 2012 دمشق