لقاء ودي ثقافي فني أجراه الفنان شادي قس نصير مع الدكتور والفنان التشكيلي عبد الحكيم الحسيني: أنا معجب برأي لـ دوراكوار الذي يقول أن خط الرسم هو شرف العمل الفني وتحديد خط الغرافيك الأسود هو شيء أساسي بالنسبة للعمل الفني ويقودنا بالتالي إلى فكرة أخرى موجودة هي مشكلة في كل الأرض والتي تقول أي الأعمال أكثر أهمية؟

كان لقاءنا بالدكتور عبد الحكيم الحسيني قبيل استلامه عمادة كلية الفنون الجميلة بحلب مع بداية العام الدراسي 2011 – 2012 . نتمنى للدكتور الحسيني النجاح في مهمته.

 

الدكتور عبد الحكيم الحسيني .. لريشته ملمس شفاف تعطي المتلقي جرعة من الدفء والحنان، انتقل بين المدارس الفنية وكان فيها استاذاً متميزاً شهد له الفنان الكبير نصير شورى وعاه أثناء دراسته للتصوير إلى معرض يشارك فيه أساتذة كلية الفنون الجميلة، إنه الفنان الدكتور عبدالحكيم الحسيني الذي تحدث إلينا عن بدايته قائلاً:

كانت البداية في عامودا تلك المدينة التي ترعرعت فيها ونهلت من ينبوع ثقافي واجتماعي معرفي كبير، في منزلي كانت المكتبة الضخمة مكاني اهتمامي، وضمن هذه البيئة ترعرعت، بدايةً كانت الموسيقى هاجسي بسبب صديق لي في الطفولة أحن إلى لقاءه شاب كيفورك يعزف على الكمنجا في المرحلة الابتدائية ومن ثم اهتمام والدي بالخط العربي"الكالوغرافيا" الأثر الأكبر الذي دفعني للتوجه نحو الأحبار الصينية والرسم، حيث أصبح ذلك تحريضاً نحو اللون فبدأت بالتصوير الزيتي، الأمر الذي اعتبره الآخرين في ذلك الوقت مبكراً على شاب صغير.

انتسبت الى كلية الفنون الجميلة وعلى الرغم من العدد الكبير للمتقدمين كان رقمي السادس في مسابقة القبول وفيما بعد كان أمامي خيارين إما السفر للدراسة في روسيا أو إلى القاهرة، فوقع اختياري على المدرسة الروسية لسمعتها الجميلة في مجال الفنون الجميلة.

 ** الحسكة بداية وثم اللاذقية، ماذا اضاف البحر لتجربتك الفنية ؟

منذ السنة الدراسية الأولى تقصدت الاعتماد على نفسي مادياً فرسمت موتيفات للصحافة وقدمت بعض الكتابات بشكل شبه رسمي في صحف ومجلات متنوعة، هذا العمل جعلني مشغولا ليلاً ونهاراً إضافة للدراسة.

تلك النشاطات الصحفية فسحت لي المجال للسفر إلى بعض المحافظات فبدأت بالمحافظات الشرقية كالحسكة ودير الزور والقامشلي ومن ثم الرقة وحلب حتى حطت بي الرحال في اللاذقية فأحببت هذه المدينة وعندما أصبح الخيار لي أن أكون في إحدى جامعات القطر قررت أن أكون في جامعة تشرين باللاذقية.


**الألوان المائية حالة خاصة عند الفنانين ماذا تحدثنا عن تجربتك بالألوان المائية؟

تميزت في هذا المجال منذ بداية عملي في الفن على الرغم من صعوبة العمل بالألوان المائية واذكر أنني في السنة الثانية بكلية الفنون الجميلة، أُقيم معرض للأعمال المائية ودعيت من قبل الفنان القدير المرحوم نصير شورى وكان هناك أساتذة كلية الفنون الجميلة وكنت الطالب الوحيد المشارك بالإضافة إلى أنه هناك بعض اللوحات التي رسمتها وطبعت في أدلة سياحية على مستوى سورية ووزعت خارج سوريا وعلى غلاف الحياة التشكيلية والمجلات فهذا الموضع أفسح لي وأعطاني بعض الدفع للاهتمام أكثر بهذه التقنية.

وفي التقسيمات العالمية يعتبر الرسم بالمائي من الفنون الغرافيكية وهذا التخصص ليس التخصص الأصيل بالنسبة إلى المدارس الفنية فلا نعرف بيكاسو أو سيزان أو مانييه إلا بتقنيات أخرى كالزيتي والنحت أو الغرافيك عند ماتيس، يعتبر النقاد أن التصوير الزيتي له جذران الجذر الآتي من المائي والجذر الآتي من الخط القوي في الرسم.
ويضيف حول النقاد ومشكلة الأعمال الأكثر أهمية فنياً:
                                                               أنا معجب برأي لـ دوراكوار الذي يقول أن خط الرسم هو شرف العمل الفني وتحديد خط الغرافيك الأسود هو شيء أساسي بالنسبة للعمل الفني ويقودنا بالتالي إلى فكرة أخرى موجودة هي مشكلة في كل الأرض والتي تقول أي الأعمال أكثر أهمية؟ هل هي الأعمال التي تحتوي مواضيع أم الأعمال التجريدية بالمطلق، وحالياً هناك نقاد فرنسيين وبريطانيين يرون أن اللوحة الموضوعية أهم كنوع من التحيز إلى موضوع الخط أو الرسم، أي لا يجوز أن يكون هناك لوحة دون خط ورسم ودون موضوع.


***يقول البعض أن اللون يعطي التشكيل في الرسم وليس الخطوط ما ردك عليهم؟

هذه المشكلة جاءت مع أفكار الحداثيين، ودعيت المدرسة المستقبلية في روسيا واعتبروا أن طرح اللون بالمطلق هو فن حديث، طرح اللون جاء كمشكلة في مدرسة الحداثة، كصنف من أصناف التوجه نحو الحداثة وكلما كانت اللوحة بدءاً من الانطباعية مبهرة وكانت صانعة للإدهاش والغوص في موضوع التشكيل وهنا نبتعد عن المضامين التقليدية التي كانت في عصر النهضة كموضوعات دينية.

في القرن 19 كانت البداية الثورية هي الرومانسية والرومانسية هي الوقوف ضد الأفكار القديمة وطرح أفكار جديدة وبالتالي هؤلاء الفنانين اهتموا بالتراث والقصة الشعبية والأسطورة والحياة والحب والموت وغيرها وخرجوا من الصالونات ومن سيطرة البرجوازيين والأغنياء، خرجوا من سيطرة الفكرة السائدة بأن رسم الملك لا بد أن يكون جميلاً.

***انتقلت للألوان الزيتية، رسمت خلالها الطبيعة التي تميزت بها وأسست لمدرسة جديدة؟

كنت في استوديو فنان كبير في مجال البورترية في روسيا وهو الشهير الوحيد في المدرسة الروسية الحديثة رسمت عنده البورتريه وهو رجل كبير ونشيط جداً، كان يقول لي: أنت غرافيكي كبير كنوع من السخرية اللطيفة أي أنت لست مصوراً.

أما الواقعية فهي مشكلة ليست في سورية ولكن في دول أخرى، هناك واقعية فرنسية وبريطانية، اخترت جانب رومنسي له علاقة باللباس والفلكلور والمرأة الحالمة المرأة في الحقل وشيئاً ابتعدت عن التصميمات وأصبحت مجردة من الملامح الصريحة وأصبح الموضوع يهتم بالمرأة والفكرة.

أول اللوحات التي عرضتها في اللاذقية في عام (1987) كانت عبارة عن أربعة نساء يلبسن ثيابهن الشعبية الملونة تحت بضع أشجار منها كرمة العنب لا يوجد في عمق موضوع اللوحة أي شيء، كانت مساحات لونية فالمشاهد يقف أمام أربعة أجيال وأمامه أربعة فصول وفيها أربعة أحقاب، الطفلة والأكبر والأكبر والأكبر والكبيرة تناول الأصغر وهكذا تتالياً الأشجار موجودة تعبر عن زهر الرمان والرمان الناضج والعنب الحصرم والعنب الكامل نوع من الرمزية والواقعية.

***الانتقال بين الواقعية والتجريدية هل مر عبر مراحل ؟

نعم عبر مراحل ولكن في فترة ما تقصدت أن تكون صادمة إلى درجة تتحدث عن نقيض الشيء، ارسم في الطبيعة لوحة انطباعية وأعود إلى المرسم (الأستوديو) وارسم من الألوان التي على البالييت فمن بقايا الألوان ارسم لوحة من بقايا ألوان الطبيعة وما بقي بذاكرتي منها، اللوحة في البيت تجريدية وفي الطبيعية لوحة واقعية، هي نوع من تفريغ الذاكرة بما تبقى من هذا النهار، هي انطباعية تجريدية أو تجريدية انطباعية ذاكرة اللون فرغت عبر الألوان التي استخدمتها في الطبيعة وكانت تجربة وهذا هو التنوع الكبير في عملي.

***ما الفرق بين الأكادميتين الروسية والأوربية؟

جذر الأكاديمية هو جذر أوربي وليس روسي ونحتار أن نقول أن روسيا هل هي غربية أم شرقية بمعنى أن هناك تنوع بين الثقافة الروسية حيث دمجت الشرقي والغربي ودمجت الانطباعية اليابانية والصينية من كثرة الدراسات مع الفكر الأكاديمي الواقعي (المدرسة).

الأكاديمية هي موجودة قبل انطلاق المدرسة الروسية الواقعي وبالتالي فهم منذ القرن 18 كانوا يوفدون الطلاب إلى إيطاليا في دورات رسم أكاديمية. وتعتبر أكاديمية بطرسبرغ اقدم أكاديمية للفنون في العالم، السبب أن الانتباه إلى تعليم الفن هو انتباه قديم ومدرسة التصوير الروسي تعود إلى فترة تعلم فن الأيقونة الروسية المعروفة منذ 1000 عام أما المدرسة فهي حقيقة موجودة قبل 700 سنة سابقاً وبالتالي الأكاديمية الروسية يجب أن تكون مختلفة. وحسب رأي النقاد الأكاديمية الأقوى هي الموجودة في سان بطرسبرغ.

رغم أنني عشت في لندن فترة قصيرة وزرت أكاديمية أكسفورد وزرت عدة جامعات لتعليم الفنون فلم أرى أكاديميات بينما هي مدارس.

المدرسة الروسية لا تزال محافظة على طابعها وتقاليد التعليم وهي تقاليد قاسية جداً والطلاب يشبهون المساجين في بناء مغلق.

الفنان الروسي الحديث لديه إمكانيات تقنية كبيرة لكن الظروف بسبب الإعلام لا تسمح له بالانطلاق نحو العالم ومشاهير الحداثة في العالم هم روس.

هذه الحالة لو كانت مفتوحة وسمحت للفنانين الانطلاق ولم تسجنهم ألم يكن هناك بلورة ونضج أكبر في العمل الفني.

هذا الكلام صحيح لا يوجد فن بدون حرية في المرحلة السوفييتية تفرض الموضوعات على الفنانين فرضاً وتعرض أعمال لا تمت للواقعية الحقيقية بصلة فاتحاد الفنانين السوفييت كان يفرض موضوع محدد حول فكرة ما ويعطي قرار فمن استطاع من الفنانين التأقلم يشارك في المعرض فاصبح الموت المحتم للنماذج الكلاسيكية وهذه هي مشكلة الفن. الواقعية في فرنسا هي الأقوى بسبب أن الفنان الفرنسي يرسم ما يشاء ويعبر عما يشاء. والفنان الروسي تشريحياً وشكلياً من خلال المنظور أقوى وحتى بعض الأعمال فيها روح حقيقية.

***صدر لك كتاب في جامعة تشرين وأنت اليوم رئيس قسم التصميم المعماري في جامعة تشرين ماذا تحدثنا عن هذا الكتاب الرسم النظري؟

لهذا العام أنجزت "الرسم النظري واحد" ,هو لطلاب السنة الأولى ويحتوي موضوعات أساسية تفيد طلاب العمارة بمختلف السنوات، يحتوي عناوين في مقدمة الكتاب تتحدث بالدرجة الأولى عن تعليم ما يلزم لطالب الهندسة ونحن نعلم أنه لا فارق بين المعماري والفنان والنحات والمصور وفنان الغرافيك من حيث جانب التعليم، عليه أن يتعلم كيف يرسم الرخام والخشب والرمل والعشب والمواد المختلفة وكيف تتحول هذه المواد إلى مادة رملية وهناك موضوع هام مطروح في الكتاب وهو التكوين الفني المعماري والتشكيلي واللوحة التصويرية وكيف أن مؤثرات مفهوم التكوين انتقل من الفن التشكيلي عبر مدارس فنية وكيف أن مدرسة الباتو هاوس في ألمانيا اعتمدت على أفكار الفنان التشكيليين المصورين الروس.

قوانين جمالية صعبة وضعتها في الكتاب بشكل مبسط وطريق عرض الكتاب من خلال الشرح والتحدث عن تقنية الإنجاز وهناك جميع تقنيات الرسم من الرصاص وانتهاء بالألوان والحديث عن المعماري الذي يفكر بالنحت جمالياً واتجاهات العمارة الحديثة أما في الكتاب الثاني هناك تطوير للوصول إلى أن الإنسان هو أساس التصميم المعماري.

حوار أجراه وحرره الفنان شادي قس نصير

 مقتطفات فيديو من الحوار