بالمحبة نلتقي مجددا مع الفنان عصام حسن وهذه المرة لنضيء اضاءة جديدة على عالمه الملىء بالمفاجآت، ونختار جانب الكاريكاتير الذي ميزه عن باقي الرسامين العرب وترك له بصمة خاصة.

 

 

 

 

بالمحبة نلتقي مجددا مع الفنان عصام حسن وهذه المرة لنضيء اضاءة جديدة على عالمه الملىء بالمفاجآت، ونختار جانب الكاريكاتير الذي ميزه عن باقي الرسامين العرب وترك له بصمة خاصة.

الفنان عصام يرصد الواقع بأدق تفاصيلة، ويضيء على حوادث يومية اضاءة ناقدة تترك المتلقي في حالة من البحث المستمر عن الموضوع وحلوله وقد كان معه الحوار التالي:

*كيف كانت بداية الاكتشاف الذي أدخلك عالم الرسم الكاريكاتيري؟

** سنعود بعيداً إلى الوراء، إلى ما قبل البداية! أذكر أني كنت في الصف السابع (عام 1977) عندما كنت أرسم أشكالاً ووجوها غريبة تُضحك رفاقي في الصف وتغيظ أساتذتي! ولم أكن يومها أعرف شيئاً اسمه (فن الكاريكاتير)، كنت أرسم الكاريكاتير دون أن أدري/ طبعاً بمستوى بسيط جداً وبخطوط ساذجة/ وفي الحقيقة لم أكن أشعر بأية أهمية لما أفعله – وفي الحقيقة أيضاً، لم يكن له أية أهمية – كان مجرد لعب وتحوير بالأشكال ولم يخطر في بالي أن هذا اللعب سيصبح هواية وعملاً في يوم من الأيام.

بقي الأمر كذلك إلى أن وقعتْ مصادفة بين يدي جريدة لم أعد أذكر اسمها ورأيت فيها رسماً مرافقاً لمقال يشبه الأشياء التي أرسمها. لفت انتباهي هذا الشيء وجعلني أبحث في كل جريدة عن رسوم مشابهة إلى أن رأيت في جريدة الثورة السورية رسماً يشبه ما أبحث عنه وتبين أنه لوحة كاريكاتير للفنان علي فرزات. وهكذا صرت أشتري يومياً جريدة الثورة وأنا في تلك السنة وأتابع رسوم علي فرزات.

ثم بعد ذلك تعرفت على رسوم ناجي العلي وهكذا بدأت أعي أن هذا فناً مهماً وهناك الكثير من الفنانين يعملون به ويبدعون أعمالاً رائعة تؤثر بالناس وتدفعهم للتفكير أو للضحك أو للاحتجاج.. الخ.

أحببت هذا الفن بعد أن تعرفت إلى آخرين من مبدعيه وصرت أحاول تطوير خطوطي مقلداً في البداية أعمالهم وأسلوبهم في الرسم وبدأت أعبر عن أفكاري البسيطة ببعض الرسوم التي لاقت ترحيباً من قبل المحيطين بي مما شجعني على الاستمرار والبحث والتجريب. وكانت بداية النشر في الصحافة 1985 عندما نشرت ثلاث لوحات كنت قد رسمتها قبل عام أي في العام 1984 أصب جام غضبي فيها على السيارات متأثراً بوفاة أحد معارفي الشباب على أثر حادث سير كنت رس وقدمتها لأهل الشاب ثم قدمت صوراً عنها إلى جريدة الوحدة /اللاذقانية/ وتم نشر الرسوم تباعاً خلال ثلاثة أيام. وطلبوا ثم طلبوا مني تزويدهم برسوم أخرى ففعلت، وهكذا بدأت النشر انطلاقاً من هذه الجريدة.

* ما الأفكار التي تنتقل معها من مرسمك إلى صالة العرض؟

**غالباً يكون هناك شيء من التوجس لأنك ستكون في صالة العرض على احتكاك مباشر مع الناس وستتعرض للكثير من الأسئلة التي قد تكون بسيطة جداً وحتى ساذجة أو قد تكون ذكية ولماحة وتضيف إلى مخزونك المعرفي شيئاً جديداً مفيداً في عملك.

أجد أن كل لوحة معلقة على جدار المعرض هي بمثابة ورقة امتحان يقيمها الجمهور ويضع علامته عليها بشكل مباشر لذا أظنني أذهب إلى هناك كتلميذ يذهب إلى امتحان.

*حصلت عدد من أعمالك على عدة جوائز، ماهو العمل الذي حصل على الجائزة الأهم؟ حدثنا عنه.

**حصلت على عدة جوائز وأهمها بنظري كانت الجائزة التي حصلت عليها في كندا في العام 2005 بمهرجان الصحافة العالمية (حول حرية التعبير والانتخابات)، حيث نلت الجائزة الثانية. وقد سررت بها خاصة أن الجائزتين الأولى والثالثة جاءتا من نصيب فنانين كبيرين الأولى كانت لـلروماني (ميهاي ايكنات) والثالثة للفرنسي (بيرنارد بوتون).

العمل الذي حصل على الجائزة كان يصور أحد الأشخاص يمسك بيده ورقة الاقتراع ويقف على أحد طرفي خشبة (ميزان) متوازناً مع صندوق اقتراع على الطرف الآخر، وقد وضع هذا الميزان فوق قمة عالية، وهو يصور إشكالية إبداء الرأي في الانتخابات وخطورة هذا حتى أنه قد يكلف المرء حياته لو حاول أن يخطو خطوة واحدة باتجاه الصندوق حيث سيختل التوازن ويسقط إلى الهاوية.

*ما هي الآلية التي تختار فيها مواضيعك التي ترسمها؟

**هناك فرق كبير بين أن تكون هاوٍ أو تكون رساماً محترفاً تعمل لصالح جريدة ما أو مجلة، في الحالة الأولى (والتي مررت بها مثل غيري) فإن مزاجية الفنان تحكم أعماله فهو لا يخضع لأية شروط. يرسم ما يحلو له ويعبر بالطريقة التي يجدها مناسبة عما يشعر به. أما في الحالة الثانية فالأمور أكثر تعقيداً فأنت كرسام ملتزم مع جهة محددة لا تستطيع الرسم بمزاجية وأريحية الفنان الهاوي، حيث أنت مطالب من قبل الجريدة بحجم عمل معين وبتقنية معينة وبمواضيع معينة، أي أنك لو عملت مع جريدة سياسية فأنت لن تستطيع أن ترسم مواضيع تخص الرياضة أو الحالات الاجتماعية أو الفلسفية… الخ لأن الجريدة أصلاً من غير المسموح لها أن تنشر إلا المواضيع المتخصصة بها.

طبعاً هناك استثناءات حيث من الممكن أن تعطى مساحة في جريدة ويكون لك الحرية في اختيار الموضوع وقد عملت بهذه الظروف لفترات قصيرة في /جريدة تشرين السورية وقبلها في مجلة تشرين الأسبوعية/ لذلك في الحالة الثانية-الاحترافية- تجد أن أعمالك تتمحور دائماً حول المواضيع التي تختص بها الجريدة التي تعمل فيها.

 

*هل أنت مع تسييس الفن؟

**المشكلة باعتقادي ليست هنا. المشكلة بالفنان وليس بالفن. لأن الفن عموماً هو نتاج هذا الفنان وهو بالتالي أداة بيده يتصرف بها بالشكل الذي يخدمه وبالطريقة التي تناسبه. إذاً، هل أنا مع الفنان المسيّس؟ أعتقد أني مع الفنان المسيّس والذي ليس من الضروري أن يظهر تسيّسه في كل عمل يرسمه. فالوعي السياسي ضروري جداً لفنان الكاريكاتير لأنه يغني تفكيره ويطور نظرته لمحيطه ومشاكله ومن ثم هو حر في استخدام هذا الوعي. هل يخون فكره؟ هل يخلص لمبادئه؟ هذا شأنه وهو سيتحمل تبعات توظيفه لهذا الفن. لذا دائماً أقول حين أسأل ما هو دور الفن؟: أن الفن لا دور له. وأظن أن العبرة بالفنان الإنسان والذي عليه تقع المسؤولية. أمّا إذا كنت تقصد هل أنا مع الفنان المتحزب سياسياً. فأقول: مع احترامي للأحزاب ودورها الجوهري والهام في بناء المجتمع فإن أكثر ما يقتل الفن هو التحزب. لا أنا لست مع تحزب الفنان الذي يجب أن يكون برأيي متحرراً من أي قيد كي يستطيع تأدية دوره في مجتمعه والذي أظنه لا يقل أهمية عن دور أي حزب لو اجتهد وتميز وأبدع في عمله.

*هل تختلف وظيفة الكاريكاتير عن الفنون التشكيلية الأخرى؟

**نعود للإشكالية نفسها! أعتقد أن فنان الكاريكاتير والفنان التشكيلي لهما الدور ذاته في خدمة المجتمع وتطويره ثقافياً وفنياً ورفع مستوى الذائقة الفنية و(الإنسانية) للمتلقي. وكل بأدواته الخاصة التي يجيد التعبير من خلالها. مع ملاحظة أن فنان الكاريكاتير عنده فرصة أكبر للانتشار وللتعبير عن أفكاره بسبب ارتباطه بالصحافة وبباقي وسائل الإعلام.

*عملت في الصحافة. هل يختلف العمل الكاريكاتيري للصحافة عن العمل الفني الخاص بك للمعارض؟

**بالطبع هناك اختلاف كبير. في الصحافة أنت مضطر للتقيد بنوعية الصحيفة التي تعمل فيها (سياسية– اجتماعية.. الخ) ولا بد من مراعاة بعض الضوابط التي تضعها الجريدة حيث لا يوجد صحيفة تعطي حرية كاملة للفنان أو للكاتب وحتى لنفسها. بينما العمل الفني الخاص والذي من الممكن أن يقدمه الفنان في المعارض التي يقيمها فهامش الحرية أكبر سواء باستخدام التقنيات الفنية المختلفة أو من حيث تناوله للأفكار.

*كيف كان التعامل مع الأطفال في غيمة الشعر الوردية؟

**ربما يفيد القارئ أن نذكر أن (غيمة الشعر الوردية) هو عنوان لكتاب أنيق يحوي مجموعة من كتابات الأطفال التي أنجزوها في ورشة عمل أقمتها في العام 2008 بالتعاون مع مكتبة الأطفال العمومية في اللاذقية وهي الجهة التي مولت ورشة العمل وكذلك طباعة الكتاب. وكان عنوان الورشة (شعراء صغار). وأعتبرها من الأعمال الهامة التي قمت بها في السنوات الأخيرة. كان هناك نوع من المغامرة بالنسبة لي وقد اعتبرته تحد لأني حاولت حينها البحث عن تجارب وكتب مشابهة في عالمنا العربي لكني لم أجد ووجدت بعض التجارب لأطفال أوروبيين. فقلت: لم لا أفعل أنا ذلك وأثبت أن أطفالنا عندهم من الموهبة والخيال والذكاء ما يضاهي أي من أطفال العالم. وكان خياري أن أتعامل مع أطفال لا على التعيين أي لم أبحث عن أطفال موهوبين في كتابة الشعر بل اخترت أول ثلاثين طفل تقدموا للتسجيل. في البداية اصطدمت بطريقة تفكيرهم المدرسية التي تكبت خيالهم وتمنعهم من التعبير بطريقتهم الخاصة ويكون جل اهتمامهم نيل العلامة بالدرجة الأولى. لذا عملت لعدة جلسات على تحريرهم (ما أمكن) من هيمنة المدرسة والعلامات لذا اخترت أماكن مختلفة لجلسات الورشة مثل (حديقة البانوراما – بهو المركز الثقافي – المكتبة العمومية) كذلك حرصت على إعطائهم فكرة عن كيفية صناعة الكتاب فأخذتهم إلى المطبعة وجعلتهم يلتقون العاملين هناك ويقيموا معهم بعض الحوارات ويراقبوا على أرض الواقع عملية الطباعة والقص وكل المراحل التي يمر بها العمل الفني أو الأدبي ليصبح كتاباً. ثم كانت جلسات الكتابة التي كنت أختار عناوينها بنفسي وأحياناً أترك لهم حرية اختيار الموضوع الذي سنتكلم عنه. هكذا شيئاً فشيئاً بدأت ألمس التحول الكبير والمدهش والذي راهنت عليه في كتاباتهم التي كانت محل دهشة كل من اطلع عليها في الكتاب فيما بعد. أخيراً أقول لطالما وثقت بالأجيال الجديدة الشابة وبالطفولة وبعض تجاربي مع الأطفال وغيمة الشعر بالذات عززت عندي هذه الثقة وقوتها.

*هل الكاريكاتير ينقل الواقع بمصداقية أم أنه يضطر للتغيير في بعض التفاصيل "اجتماعياً"؟

**من حيث المبدأ ليس المطلوب أصلاً من أي فنان أن ينقل بأعماله الواقع بحذافيره. أما بالنسبة لفنان الكاريكاتير فقد يصطدم  بالممنوعات "الاجتماعية" – وما أكثرها – ويضطر فعلاً للتحايل والترميز واللف والدوران كي يوصل فكرته. أعتقد أن المهم أن يكون الفنان صادقاً  في فنه ويعبر عما يدور حوله بذكاء وله حرية اختيار الطريقة.

*تكتب المقالات. حدثنا حول الرؤية العامة التي تنتهجها في اختيارك للمقلات؟

**أولاً أحب أن أذكر أني لست كاتباً – وهذا ما أكرره دائماً – ولا أدعي أني خبير في الأدب وفن المقالة. ما أفعله هو نوع من البوح على الورق بشكل شخصي ثم من خلال الانترنيت بشكل عام. ويمكن وصف ما أقوم به بأنه تجارب في الكتابة غير خاضعة لأي شرط. لذلك لا أتقيد بطريقة معينة أو بأسلوب محدد وأكتب ما أحب أنا أقرؤه حين أقرأ. هناك أفكار تجول برأسي أضعها بكل بساطة أمام الناس ومن الجيد أنه تصادف وجود مجموعة لا بأس بها من الأصدقاء  يهمهم هذا فكان هناك تواصل وحوار جميل بيني وبينهم تطور حتى بت أشعر أني أعرفهم شخصياً واشتاق إلى تعليقاتهم وملاحظاتهم التي كانت الدافع الأهم لي للتفكير بنشر بعض هذه النصوص في كتاب أعمل حالياً على إصداره.

*هل يختلف عمل رسام الكاريكاتير العربي عن نظيره في أي بلد آخر؟

**أعتقد أن لكل بلد ظروف خاصة به تتحكم بعمل الرسام. في بلداننا العربية يعمل رسام الكاريكاتير كمن يسير في حقل ألغام. لا يعلم متى ينفجر فيه لغم /السياسة أو الدين.. الخ/ كذلك هناك اختلاف الهموم والمشاكل التي تشغل الفنان. عندنا مثلاً رسم عن القضية الفلسطينية والاحتلال أكثر من أي شيء آخر باعتبارهما الشغل الشاغل لنا سياسياً كذلك مشاكلنا الاجتماعية تفرض نفسها على الفنان.. وهكذا بينما في أي بلد أوروبي مثلاً تجد الفنان تشغله سياسياً الأحداث العالمية بشكل خاص واجتماعياً هناك اختلاف كبير بين ما يشغلنا وما يشغلهم فقد يكون نظام الضرائب أو التأمين الصحي موضوعاً يجتاح الصحف لعدة أسابيع أو البيئة أو حتى الكاريكاتير الفكاهي الترفيهي الذي نفتقد له في عالمنا العربي والذي لا نشاهده إلا عند قلة من الرسامين. هناك أيضاً (كاريكاتير الفكرة) الذي قد يتناول بعض المفاهيم الفلسفية أو الفكرية أو الأدبية. إذاً اختلاف الهموم والمشاكل يرخي بثقله على الفنان ويطبع أعماله بطابعها إلّا في بعض التجارب والتي كان لي منها نصيب.

 

نشر الفنان عصام حسن أعماله في عدد من المجلات كمجلة الحرية ومجلة ألف في قبرص ومجلة الناقد في لندن ومجلة تشرين الأسبوعي ومجلة الشبكات وجريدة تشرين السورية ومجلة الصدى الإماراتية وجريدة الوحدة واقام عدد من المعارض منها معرض في المركز الثقافي السوري باللاذقية والمركز الثقافي الفرنسي بدمشق والمركز الثقافي السوري في أبو رمانة بعنوان تحية إلى بو علي ياسين وفي المركز الثقافي العربي السوريفي فرنسا بباريس وضمن فعاليات مهرجان جبلة الثاني وفي صالة عالبال في دمشق اضافة الى معرض مشترك في بيروت – الضاحية الجنوبية – تحية للمقاومة وفي صالة السرداب – مبنى اتحاد الكتاب العرب في اللاذقية. وحصل على الجائزة الخاصة في معرض سوريا الدولي الأول للكاريكاتير2005 والجائزة الثانية في مهرجان الصحافة العالمي في كندا 2005 وجائزة شرف بالدورة 15 لمهرجان ديجون الدولي في مدينة " ديكاكو " في كوريا الجنوبية 2006.

وشارك عن طريق المهرجانات العالمية في العديد من المعارض المشتركة في 
الإسكندرية، الرباط، كندا، البرتغال، إيران، تركيا … الخ ونشر كتابين الأول بعنوان ما قل ودل عام 1997 وقدم له الكاتب والباحث المرحوم بوعلي ياسين والثاني بعنوان هيك وهيك عام 2004 وقدم له الكاتب و الصحفي حسن م. يوسف.

هذا وكان عضو لجنة التحكيم في مسابقة سوريا الدولية الثانية للكاريكاتير 2006 وعضو لجنة التحكيم في مسابقة سوريا الدولية الثالثة للكاريكاتير 2007 وعضو لجنة تحكيم جائزة الصحافة العربية لفئة الكاريكاتير بدبي 2009 وعضو لجنة تحكيم جائزة ( براءة تحت الظلام ) 2010 غزة – فلسطين.

 

 

 

 

 

شادي نصير_ عالم نوح