الشاعر التونسي سامي الذيبي لشادي نصير عالم نوح : أؤمن أن الشعر وكل ما نكتب اليوم ليس منفصلا عمّا سبقه من شعر في كل ديوان العرب وصولا إلى المدارس الحديثة في الشعر

الشاعر التونسي سامي الذيبي….
تونس ـ عالم نوح ـ شادي نصير


وإنّما تحتاج الروّح لبعض الرّقص في سُبحتهِ
ولستُ أهيم بخمرتكم
خمري أقطفه عنبًا مغروسًا في الغيب

في الإبداع يرسم شاعرنا قصائده المشبعة بالفكر النير، وبالإضاءات الإبداعية التي يقل نظيرها… وترسم لوناً ورؤيةً مختلفة.

هو اسم برز في ساحة الشعر العربي، حجز له مكانة بين صفوف الشعراء الرائدين في بلورة وتجديد الشعر العربي، فهو يرسم بأفكاره الكلمات، ويزيدها نوراً من ثقافته العميقة، ويعتبر من قلائل جيله الذين كونوا قاعدة جماهيرية مميزة.

سامي الذيبي يحضر اليوم إلى عالم نوح ويقدم رؤيته الشعرية بحوار مميز وبالمحبة كان اللقاء:


ـ أبدأ معك من الإصدار "كأنني أرمم هذا الخلود" الرواية الشعرية، المصطلح الذي لا يكتشف سره إلا قلائل ولا يجيدون صياغته إلا ما ندر من شعراء العرب لبعدهم عن هذا النوع المتجدد، والفريد في الشعر.

ففي روايتك الشعرية تبحر مع الأنبياء، تتحدث بلغتك وبأفكارك وتضمنهم ما تريد ليقولوه، كيف راودتك فكرة الرواية الشعرية، والجرأة في اقتحام عالم الأنبياء المحرم حتى ولو بالتقديس في مجتمع الشرق؟
"كأنّي أرمّم هذا الخلود" محاكمة وجوديّة إطارها الزماني مطلق ومكانها الأرض مفتوحة الأبواب،يَمْثل الشّاعر فيها مُتّهمًا باسم جيل كامل وباسم الإنسان في محكمة قاضيها غيبي مطلق وبما أن كل محكمة منصوبة تتطلب في محاكماتها شهودا إمّا شهوداً على المتهم أو معه. فلم أجد شهوداً أثق بهم وأسمّيهم شهادة براءتي وحجّتي في المحكمة، فتّشت في كل خزائن روحي والدّنيا لم أجد غيرهم، وقلت سلالات آدم عليه السلام من الأنبياء والرسل هم الأقدر على تحمّل بلائي في الأرض وتفهّم ما أعاني..الأنبياء هيكل العالم الفوقي وسرّة الأرض، وهم النّهر الذي يربط بين خالق ومخلوق، بين سماء وأرض. هم الكشّافة لعالم الغيب والملكوت.. لذلك لم أجد صعوبة في تحميلهم تعب النص الشعري من خلال ما اعترضهم من ابتلاءات ومعاناة في زمانهم وبين أهليهم، وحاولت أن أدمج قصصهم بواقعنا المعاصر وجعلهم طرفًا في المحاكمة.. في الحقيقة ثمة دلال "جوّاني" عليهم.
تدلّلت في استدعائهم كما يتدلل الطفل على أحبابه، من هنا تشكّل نوع النص، نص شعري يعيد الرّوح للأنبياء والرسل وفق تسلسل زمان بعثهم، ونص فيه رسائل مشفّرة من خلال تصوير الواقع الذّي نعيشه..أنا أحاكمهم وأنا المحكوم وأنا الشاعر الذي يصوغ كل رحلته في رحاب المحاكمة، إنّ رائحة الرّواية تفوح إذا من هذا النص الشعري. لكنّها ليست رواية إنّها رواية شعرية تتدعي الرواية لتقيم داخل الشعر وهي رواية شعرية تستدعي المقدّس ومن خلاله تعرّي العالم.
حضور المقدّس بالذات لم نكن نروم به إضفاء هالة القداسة على الرواية الشعرية ولم نكن نبغي به تذويب المقدّس في اليومي والإطاحة بقداسته. بل إنّه التحام بشري بماء هذا النّهر المتدفّق من باطن الأرض إلى عيون السّماء.. هي المحبّة الصادقة ودلال الأطفال كما سبق وسميته. ثمّ هذه المحكمة قاضيها فوق كل شيء فكيف يكون شهودها مجرّد أناس عاديين سيستنزفونني لأصوغ قصصاً بدلاً عنهم ويطغى على الكتابة التركيب والتركيب الذي قد يقتل الروح المعنوية التي نروم أن تلامسها كل الأرواح القارئة لنا.


ـ الرواية الشعرية نسج أدبي مختلف، تكون القصيدة كتلة واحدة، تعيش حالات وتناقضات تختص بالروح الشعرية للشاعر، كيف استطعت الحفاظ على انسيابية الشعر في الرواية، وإلام تعزي وجود انتقالات ضمن النص بأكثر من نوع شعري بين النثر وفي بعض الأوقات أو بعض السطور الشعرية نحو التفعيلة؟ ومن من الشعراء الذين كتبوا في هذا النسج يستهويك؟
كان الحفاظ على انسيابية الشعر في الرّواية مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بسلسلة الأنبياء ومدى تفاعلهم في قصصهم المتباعدة والمختلفة في كل شيء إلا في مصدر الوحي أو الرسالة. وبما أن المصدر واحد فمن الطبيعي أن يكون الحفاظ على الجو العالم للكتابة جاهزاً ومسيطراً على كل تفرعات القصيدة الشعرية. إنّه الوعي الذّاتي بنقطة البداية ونقطة النهاية في الكتابة. هو الإعلان الضمني عن ترابط كل النص الشعري بكل مكوّناته وتلازمية الأحداث رغم اختلافها كان دور الشاعر في الإطاحة بالانسيابيّة التي قد تظهر لكل من يطأ عالم النص ولكنّها انسيابية محكومة بشهادات الأنبياء الشهود في المحاكمة ومحكومة بالرسالة التي نروم إيصالها تعبيراً عن الواقع.
في الحقيقة نسق السّردية العالية في النص جعلتك تسقط في الفخ وتعتقد أن الرواية الشعرية نص نثري مشوب ببعض المقاطع الخاضعة للتفعيلة. في حين أن الرواية من أولها حتى أخرها موزونة وفق بحور الخليل، وهذا ما كنت خططت له. أن يكون الكتاب طيّعا للقراءة. فإذا ما قراء الكتاب قراء مهوس بالتفعيلة سيجده خاضعا لتفعيلة بشكل محكم وإذا قرأه أنصار النّثر لن يكتشفوا فيه عير الإيقاع الدّاخلي الذي هو أحد مقومات النص النثري.
بالنسبة للقصيدة الملحمية أو القصيدة الكتاب أستطيع أن أقول أنني اطلعت على عملين إثنين هما القصيدة لمعين بسيسو والجدارية لمحمود درويش. واطلعت كذلك على الملاحم الهوميريّة. وفي الحقيقة لا أعرف الكثير ممن كتبوا في هذا النسج والسبب ربّما قصور في الاطلاع أنا مسئول عنه.

ـ من يتابع تجربتك، يرى أنك تعيش طقس التفعيلة النسج الذي ابتعد عنه الأدباء الشباب وكذا تدخل عالم قصيدة النثر بقوة ومتانة، إلى أي عالم من هذان العالمان ترى نفسك تجيش بصدق أكبر؟
أنا لا أؤمن بالأشكال.. لذلك كتبت في كلها. أنا أؤمن بالشعر الخالص. أينما يوجد الشعر الخالص والصادق أمكن لي ساعتها ترويضه ومداعبته بالكتابة على أي شكل شعري يحضر لحظتها.


ـ سنبقى ضمن قصيدة النثر، والتي ترسم من خلال قصائدك القليلة في عالمها عالمك الخاص، ترسم بعض اللقطات التي لها لونها ورؤيتها المتجدد، ألا ترى أن هذا النوع من الشعر لم يأخذ حقه في عالم الشعر العربي لاستسهال الكتاب هذا النوع واقتحامه دون دراية، أريد رأيك الصريح بقصيدة النثر وبموضوع اقتحام قصيدة النثر؟
صحيح نصوصي النثريّة قليلة جدّاً بالمقارنة مع التفعيلة ولكنها تحمل نفس الصدق والحساسية المرهفة التي أكتب بها عوالمي الخاصة فاتحاً أجنحتي على جميع أبواب الإنسان الموصدة.
الشعر عموماً في الوطن العربي لم يأخذ حقّه بل ظلّ ومل يزال راكناً في الغبار كأّنه تماثيل قديمة تقول "نحن أحفاد الشعراء".. الشعراء كاللقطاء في هذا العالم.. هم يبكون الإنسان ويفتحون له أبوابهم وهم لا يبكي أحد عليهم.. هذه حقيقة الشعر والشعراء في بلداننا. فمن الطبيعي إذا أن لا تأخذ قصيدة النثر حقها بالرغم من أنّها لقت استحسان عدد كبير من القرّاء في كامل أنحاء المعمورة.
وأنا صراحة أعتبر المجادلة في شعرية قصيدة النثر من عدميتها ضرباً من المهاترة ومضيعة الوقت إذ أنني كما سبق انتمي لكل إبداع خالص بغض الظرف عن شكله.. لا بدّ ان نتجاوز الأشكال.
أما فيما يخص اقتحام "الحابل والنّابل" لعوالم هذه القصيدة واستسهالها سيزيد من تطوّر قراءاتها النقدية حسب رأيي. لأنه ببساطة ودائماً ما تظهر فقاقيع في الساحة الشعرية والإبداعية سرعان ما تخبو وتنطفئ لأنها ليست أصحاب مشاريع ورؤى فنيّة.. تعج بلداننا بالحابل والنّابل الذي يكتب وفق الطلب ويجمع حوله زُمرة من المناشدين واللصوص الذين يغطون عورته بعوراتهم وهم كلهم عُراة. الزّمن والوعي هما الكفيلان بتعرية هؤلاء.


ـ أما لقصيدة التفعيلة طقسها الخاص عند شاعرنا سامي الذيبي، لك ميزانك الذي ترسم من خلاله بدقة القصيدة وتزينها بجواهر خاصة لك مفاتيحها، حدثنا عن عشقك لقصيدة التفعيلة خلافاً عن باقي جيلك من شعراء العرب؟
أؤمن أن الشعر وكل ما نكتب اليوم ليس منفصلا عمّا سبقه من شعر في كل ديوان العرب وصولا إلى المدارس الحديثة في الشعر، وككل شاعر عربي بدأت أكتب القصيدة العمودية فترة من الزمن لم تطل كثيرًا وسرعان ما وضعت خيامي في ساحة قصيدة التفعيلة إيمانا منّي أنّ الشعر لا ينفك يقطع نهائيا مع السّلف وإلا عُدَّ هجْنًا .مع ذلك كانت رغبتي في المكوث في هذا الشكل الشعري فترة طويلة على أساس أنّ الذّائقة العربية لم تتنصّل من الإنشاد والطابع الغنائي في القصائد العموديّة. وأنا اعتقد أن هذه المراحل مهمّة جدّا لضمان القارئ ومزيد تعميق الرّؤية في الكتابة. تعلّمت في كتاتيب قرءا نية على الحفظ والغنائية في الترتيل لذلك بقيت مشدودا لطابع الإنشاد في القصيدة.

ـ شاركت في ملتقى الشعر العربي الأهم "أمير الشعراء"، حدثنا عن خوض تجربة كبيرة مثل هذه التجربة وهل يستطيع الشاعر أن يرتقي بنوعية الشعر وأن يرسم أفقاً جديداً من خلال رؤيته لأنواع وطرق وأساليب ومشاهد شعرية تختلف برؤيتها عن منطقته أو بلده؟
لم تكن مشاركتي في مسابقة أمير الشعراء إلا تجربة تخضع فيها لقوانين المسابقة. شاركت بإرسال قصيدة شعرية عن طريق بريد المؤسسة. وبعد فترة أعلموني هاتفيا بضرورة إرسال صورة عن جواز سفري لإكمال وثائق السفر المعروفة. سافرت هناك التقيت ثلاث مائة شاعر من مختلف الوطن العربي هم من بين أكثر من عشرة ألاف شاعر شارك في المسابقة. وبدأت المرحلة الأولى بمقابلة لجنة التحكيم المتكونة من صلاح فضل وعلي بن تميم وعبد الملك مرتاض وقرأت على مسامعهم مقطعا حسب برنامج المسابقة وهناك تمّت إجازتي وتأهيلي بالإجماع. وبعد ذلك بقيت قائمة فيها خمسين شاعر مشارك فقط من بين ثلاث مائة شاعر الذين قدموا إلى أبو ظبي. وكنتُ من بين الخمسين شاعرا المتأهلين للدور الثاني من المسابقة التأهيلية وبدأت أطوار المسابقة حيث يدخل الشاعر أمام اللجنة ويقوم أحد أعضاء اللجنة بسحب ورقة بالقرعة يكون فيها موضوع يجب على الشاعر أن يرتجل فيه ثلاث أبيات شعرية في ثلاث دقائق. ومرّت بسلام في انتظار آخر قائمة العشرين الذي سيكونون على الهواء في المسابقة الرسمية للتنافس على لقب أمير الشعراء، وما لم أجد له مبرّرا إلى الآن هو إقصائي من المسابقة أنا وشاعر من ليبيا الشقيقة. حيث لم يمثّل تونس وليبيا أي شاعر في هذه الدّورة. وأترك الإجابة للجنة المسابقة.
هذه المسابقة حسب اعتقادي لن تطوّر في مدى الشعرية ولا طرق الكتابة لدى الشعراء بقدر ما هي وسيلة للظهور وخطف الأضواء لا أكثر ولا أقل وهي في النهاية بادرة طيّبة أعادت للشعر العربي جوّا جميلا وساهمت في بروز أسماء شعرية على الرّغم من ّأنني مستاء من شعراء يدخلون المسابقة ويتزلفون وينافقون..

ـ في حوارنا قلت أن الشعر يجب أن يبتعد عن الأحداث اليومية وأن يبقى ضمن النهج الوجداني، كيف تستطيع أن تحافظ في سياق هذا الهرج المجتمعي وانخفاض المثقفين الحقيقيين في أن تبقي على النهج الوجداني لرفع ذائقة الإنسان في الشعر؟

ربّما وقع خلط ما في الفهم بيننا.. اليومي قاتل وقاتم والوجدان ينتفي في عدم وجود يومي كهذا.. اليومي هو مفتاح الوجداني والوجداني هو بوابة التعبير عن اليومي فمثلا ما هو سياسي يقتل الإبداع فأن تجد شاعراً يتحدث عن حزب سياسي مثلا أو صورة أو حدثا في المجتمع فليس بالضرورة أن يتدخّل الشاعر ويكتب نصّا إلا إذا كانت زاوية الالتقاط مختلفة وذكيّة.وإلا فكثير من الشعراء تحوّلوا دون قصد إلى ونشرات أخبار أو صحف. وهذا ما أختلف فيه مع هؤلاء الذين يتمرغون في اليومي معتقدين أنّه العين التي فيها ماء الشعر.. لا أنكر أنني مأخوذ بشعرية التفاصيل أيّ مأخذ ولكن أن يكون الالتقاط فنيّا وشاعرّيا.. القارئ ليس وجدانا فقط وكذلك الشاعر ليس وجدانا فقط ،لذلك واجب ترك المساحة للمنطق والعقل لأنه مفتاح العملية الإبداعية. إذا الشعراء الذين يحسنون الكتابة ولهم تقنيات دقيقة وذكية هم الأقدر على امتلاك قارئ وفيّ في زمن العزوف الثقافي بامتياز..ولا انس هنا أن أشير إلى أن المستشعرين الممتلئين في كل جحور وقصور وبارات وصحف وتلفازات الوطن العربي، الذين هم أحد الأسباب الأساسية في عزوف القرّاء وتقزيمهم للإبداع العربي.


ـ في حالة النقد الأدبي سواء للشعر أو للرواية أو للقصة العربية نرى اضمحلال في قراءة حقيقية كيف ترى حال النقد العربي من وجهة نظرك، كشاعر ومن وجهة نظرك في كونك تقدم عمل روائي شعري وهو الأصعب والأقل في العالم العربي؟
كتبت مقالا سنة 2008 أذكر أنني جئت فيه على أسباب تدنّي مستوى القارئ والقراءة للشعر العربي وأذكر أن النقد كان أحد هذه الأسباب الرئيسية وما عنيته كان تحديدًا النقد "الإخواني" وهو النقد الممزوج بعاطفة مسبقة أو خفية مع المبدع وتكون هذه الأنواع من الدراسات في تونس مثلا مفادها وجود إطار مكاني واحد أو مجموعة أو عصابة أو ما أسمّيه ميليشيات أدبية يكون النقد ليس على أساس قيمة الإبداع أو مدى إبداعية صاحبه وإنمّا يكون إمّا نقدا انتهازيّا يدفع فيه "الكاتب" زجاجات خمرية للناقد كي يستعطفه لقراءته نقديّا أو تكون وفق ميليشيا أو عصابة ترغب في السيطرة على فضاء أو إدارة أو اتحاد أو للوصول إلى سلطة أو لكسب الشهرة.. وتتعدد الأسباب النفسية في ذلك.. كل هذه أسباب بسيطة تستحق الدّرس الأعمق لتصفع هؤلاء الذين ساهموا في تأخّير النقد العربي وساهمت في ضياع إبداعات هامة في مقابل طغيان السطح باللا إبداع.
أنا مثلا لم يقدّم لي النقد العربي أيّ شيء لتجرتي الشعرية ونحن نعرف أن النقد الحقيقي من شانه أن يضيء النص ويجعل الكاتب يكتشف تفاصيل شعرية مهمة وينتبه إليها إما محافظة عليها التخلص منها فيما سيكتب.. عدى بعض الحوارات القليلة لم يساهم النقد العربي في تطوير تجربتي لذلك سيحتاج كل مبدع أن يتحوّل من المبدع إلى الناقد إلى المنظّر إلى السوق الإعلامية… كل الجهود تتضافر لقتل الشاعر في بلداننا.

ـ هل تؤمن بوجود شعراء شباب أو شعراء كهول، وهل يصنف الأدب حسب العمر الزمني البيولوجي للشخص، أم أن الإبداع إبداع لا عمر له؟
أعود للإجابة عن هذا السؤال إلى مقالي "شعراء شباب كبار في الكتابة" المنشور في عدد من الصحف الورقية والالكترونية: أليس الإبداع متجاوزا للسّن العمري ومتجاوزاً لصفة شباب في الكتابة؟ هل تصبح صفة الشّعراء الشّبان تعني قصوراً على مستوى النّضج الإبداعي؟ ألم ينتهي أبو القاسم الشّابي إلى شاعر كبير وهو في ريعان الشباب؟ ألم يُنهي مكسيم غوركي مشروعه الإبداعي وهو في السابعة عشرة من السن ثّم أنهى حياته بالإنتحار؟ ألم يكتمل مشروع أرتير رانمبو الشعري في سن الثانية والعشرين؟؟
شاعر شاب صفة يجب أن تزول من على سطح عقولنا وأفكارنا ويجب علينا أن نخجل من تطويع الإبداع وربطه في وثاق عمري سببه تقزيم للشّعراء فلا شبان ولا كهول ولا شيوخ في ساحة الإبداع الشّعري فإمّا أن يكون الإنسان شاعرا وإمّا أن يترك المجال ويبحث عن موهبة أخرى قد يستطيع من خلالها الإضافة لأمّته وللإنسانيّة جمعاء وأن لا يشارك في تكبيل الشّعر العربي بالأغلال التّي لا طائل منها ما يحدث اليوم من فجوة بين الشّعر والقرّاء وما يظهر من تدني القيمة وانعدام الأهمّيّة بالشّعر والشّعراء.
كفانا من التّصنيفات فلا شعراء ثمانينات ولا شعراء تسعينات ولا شعر شكل من أشكال القصيدة الشّعرية ولا سن في الإبداع عموما ولا شباب ولا كهولة فقط نحن ننتصر للإبداع الحقيقي الذّي يكون فخرا لنا وللأجيال السّابقة واللاّحقة….


ـ يمتاز أغلب شعراء العرب بالرمزية، وهذا الذي لم نراه بقوة أو وضوح ضمن قصيدتك سواء النثرية أو التفعيلية، لماذا الابتعاد عن الرمزية مع أنك في بعض استخداماتها الخجولة تجعل القراء وأنا منهم يعيشون حالات ربما بعيدة عن حالتك ولكن تتقاطع بالرمزية الخاصة؟

في نظري استعمال الرموز تجاوزه الزّمن بتعلة أنّ الرموز تم استهلاكها حتى الرمق الأخير،ويمكن أن أعتبر أن من حق هذا الجيل أن يخلق ويصنع رموزه الخاصّة القريبة منه والمترعرعة في واقعه الذي يعيشه، فالرمز الذي يخلقه الشاعر حتما سيكون له ضرب من الذّاتية الممزوجة بشغف اكتساح الذوات الأخرى.. كما أنني أؤمن أنّ الرموز المشفّرة والصعبة على الفهم ونحن نعرف أن القارئ ليس على قدر عالي من الإطّلاع حتى يتمكن من تفسير شفرات الرمز في القصيدة,ربما هذا أحد الأسباب التي تدعوني إلى صنع عالم خاص قريب من بيئة المتلقي.

ـ شاعرنا سامي يرسم الحلم العام من خلال حلمه الخاص في القصيدة، هل ترى أن ذلك يحدد خطواته ويجعله ضمن حيز مختلف وعدد قليل من الشعراء، وهل يساهم ذلك في زيادة القراء؟
الشعر ليس هالة مقدسة "نتشعبط" كي نصل إليها أو نقف لها على أصابع أقدامنا، إنما هو كنه يعيش في دواخلنا وفي محيطنا القريب منّا وفي الموجودات والفواعل والشخوص، ومن هذا المنطلق تكون قصيدتي في بدايتها تحكي عمقا ذاتيّا من خلاله أحاول ملامسة الذوات الأخرى .وأنا أعتقد أن هذه الطريقة تثبّت خطواتي في بيئتها وتجعلني أكثر إحساسا بالعالم وبالإنسان. لا احمل هاجس زيادة عدد القرّاء بالقدر الذي أركّز فيه على مدى الصدق في نقل الإحساس من أبعاده الذاتية إلى العلن ليعانق الآخرين..بقدر ما تكون صادقا وإنسانا كامل الإنسانية بقدر ما يصل عملك الإبداعي إلى الجميع ويستطيع بذلك أن يأسر قرّاءه.

ـ يعيش العالم العربي ركوداً في القراءة، أو البحث الأدبي، هل ترضى نفسك بالقراء العرب أم تطمح للعالمية من خلال ترجمة ما تجيش به نفسك باللغة العربية إلى لغات العالم الحية؟
حالة المشهد الثقافي العربي أشبّهها بالمومياء التي مهما كانت جميلة لكنها ستظل ميتة في النهاية بلا روح. وهكذا يعيش المشهد الثقافي ركودا وركونا وإقصاء وتهميشا محزنًا جدّا، الكل متّهم في رداءة المشهد الثقافي العربي،والكل له دور في ذلك من قريب أو من بعيد سواء الأنظمة السياسية أو المؤسسات الإعلامية أو البرامج التعليمية،والخلاصة الكل متورّط في ذلك..وأمام هذا الانغلاق القاتم والقاتل أحلم حقيقة بترجمتي إلى لغات عالمية عسى تفتح الشهية للقراء العرب بعد ذلك لعلمي المسبق أن العرب لا يعترفون بالطاقات الإبداعية أو الفكرية أو العلمية إلا إذا اعترف بهم الغرب، للأسف هذه الحقيقة…


ـ ما جديد شاعرنا سامي الذيبي؟
بعض الأمسيات الشعرية المتفرقة بين المدن التونسية.. وانتهيت من عمل شعري جديد عنونته بــ: "من دروس في الفشل" في انتظار عقد اتفاق مع دار للطباعة والنشر تتكفل بطباعته.