للمآسي التي يمر بها الفنان دور في توجيه فنه، هذا ما قاله لعالم نوح الفنان حسين صقور و لشادي نصير. و ايضاً: المقياس في الفن لا يصلح.. ففيه الصح والخطأ

 

 

 

 

 

حسين صقور

للمآسي التي يمر بها الفنان دور في توجيه فنه

 

عالم نوح ـ شادي نصير

 

أقام الفنان حسين صقورعدد من المعارض الفرديّة كمعرض "أنشودة حب" و"أغاني التراب" و"دموع آدم" و"احتواء" و"أيام الفنّ التشكيلي" بالإضافة إلى معارض جماعية كملتقى "الشجرة" وملتقى "إهدن" وملتقى "المحبة " للتصوير الزيتي  ومهرجان "المحبة" ومهرجان "البحر" بالإضافة إلى مشاركاته في معارض الربيع والمعارض السنوية لفناني القطر وهو من مواليد اللاذقية "1971" وهو عضو اتحاد الفنانين التشكيليين وكان لعالم نوح هذا الحوار معه:

*هل تلعب تجربة الفنان الحياتية دوراً في العمل التشكيلي الذي يقدمه؟

 

 

 

**إن تجربة الفنان الحياتية وللمآسي التي يمر بها دوراً في توجيه فنه باتجاهات معينة، شاءتها الظروف والأقدار، أما أن تخلق الماسي فنان فالأصح أن نقول أن الفنان الحقيقي رغم كل المصاعب التي تعترضه ويستطيع أن يحول عذاباته إلى لوحات استثنائية كما فعلت الفنانة فريدا غالو التي بقيت عاشقة للفن ورسامة رغم المرض الذي فتك بجسدها، والذي جعلها طريحة الفراش، فرسمت أجمل أعمالها على فراش المرض وكان وجهها هو الموضوع الوحيد المتاح لها رسمه فأبدعت أجمل الصور الذاتية وفان غوغ الذي أبدع أجمل الأعمال التعبيرية التي تعكس مع كل ضربة فرشاة حرارة الألم وعذابات الروح، وحب لا حدود له فالإنسان هو كتلة من المشاعر والأحاسيس صقلته قسوة الحياة.

ولكن هل يمكن أن نقول انه ما كان لفان غوغ أن يرسم لولا ما مر به أو لو اختلفت ظروف حياته، فهو فنان بطبعه فنان قبل أن يرسم لوحته الأولى بعد الثلاثين من عمره وهو الذي ختم حياته بنفسه واستطاع أن يوصل رسالته للعالم ليس من خلال لوحته فحسب بل من خلال رسائله، وتصرفاته، وحركاته وكل عمل قام به في حياته ((الهدية الغالية التي أهداها لحبيبته)).

وكلما تحدثت عنه ابكي وابكي بحرارة تشبه حرارة لوحاته وأشعر بأنه أجمل إنسان في الوجود، انه فنان رغم كل لظروف وإن اختلفت ظروف حياته قد يختلف شكل الفن عنده ولكن أبدا لن يكون إلا فنان.

*كيف كانت بدايات دخولك إلى عالم اللون؟

 

 

**إن الإنسان ليس وليد اللحظة، وإن راودته تخيلات أو قرارات في أن يولد من جديد ويعيد تأسيس وبناء علاقاته الفنية والاجتماعية (تجديد الذات)، حتى المولود الجديد له أساسات وموروث اجتماعي من تاريخ الآباء والأجداد.

فأي عمل أو انجاز نقوم به الآن مؤسس له منذ لحظة الولادة، أو ربما من قبل، عشت حياة سعيدة نوعاً ما، شعرت فيها بالتميز ومراهقة صعبة جداً، فجرت بداخلي طموح لا حدود له، وشكل من أشكال العزلة والانطواء، فيه ابتعاد عن الواقع نحو أحلام اليقظة التي كان يمكن لها أن تتحول إلى مرض لولا إصراري على تحقيق ذاتي، فكان الرسم ملجأ ودواء.

أعيش مع الرسم لحظات منسية من الزمن، ولا أعرف تماماً إن كان الرسم قد ساهم في إبعادي عن المحيط، والانتقاء الحذر للأصدقاء أو أن أفكاري الخاصة المتحررة جعلتني غريباً غير مفهوم فآثرت الصمت (لعل الناس يريدون منك أن تكون كما هم يريدون، لا كما أنت).

في سن المراهقة، وجدت ضالتي التي كنت ابحث عنها، اللوحة والرسم فكانت خير صديق، وكنت كثيراً ما أسهر بحثاً عن خلوتي وصفاء روحي في منزل أهلي الذي كان يعاني تضخماً بشرياً، أنهيت دراستي الثانوية، واختصرت الطريق على نفسي لرغبة ملحة بداخلي في الاستقلالية، فدرست معهد الأعمال اليدوية بدمشق، والذي شهد قصة حبي الأولى ثم عُينت مدرساً في المناطق الشرقية، وهناك رسمت لوحتي الأولى وهي تمثل مدينة القامشلي وشاركت بها لاحقاً في مهرجان المحبة عام "1955" ومن ثم توالت المشاركات التي أسست لحبي وتعلقي بالألوان الترابية لاحقاً وغلب على أعمالي الاتجاه الواقعي حتى عام "1998" وبعد أن تزوجت، توقفت عن الرسم والمشاركة في المعارض لمدة سنتين، إلى أن أقمت معرضي الفردي الأول "أنشودة حب" في المتحف الوطني باللاذقية عام "2002" وكان للفنان والصديق عيسى بعجانو (هيشون) الفضل في تشجيعي وتوجيهي لإقامة هذا المعرض الذي سيطرت عليه الألوان الترابية ومشتقاتها، والتكوينات المزدحمة بالعنصر البشري والمدنية في محاولة لعكس واقع معاش بأسلوب واقعي تعبيري، وبعدها توالت المعارض برؤى متتابعة تعكس اتجاه التجربة من أيام الفن التشكيلي إلى "أغاني التراب" و"دموع آدم" و"احتواء" ومشاركات بمهرجانات وملتقيات والمعارض السنوية للخريف والربيع.

*كيف تقيم العمل الفني التجريدي، وهل ترى أن التجريد هو مطب يستسهله بعض الفنانين؟

**أن المدارس الفنية لمعروفة في تاريخ الفن بدأت بالكلاسيكية في عصر النهضة والركوكو والباروك ومنذ ذلك الحين أصبح هناك فنانون متمردون يحاولون إثبات الذات عبر المختلف في محاولة لفهم الفن وماهيته والغاية منه، وجاء الفنانون الانطباعيون ومن ثم التعبيريون ليحدثوا ثورة في عالم الفن في حينها، وظل الفنان يجرب، يأخذه اللون أو الشكل فأما ملوناً استقى من الانطباعيين وغيرهم جمالية اللون والعلاقات اللونية واثر الضوء أو شكلاً استلهم من إيقاع التكوينات كما فعل بيكاسو في رحلته الفنية التي لعب فيها على الشكل كثيراً والتي بدأت بتسميات لونية زرقاء و وردية فالتكعيبية وثورة أخرى.

وضمت في تيارها كثير من الفنانين بحيث لم يعد بمقدور الفنان معالجة الشكل إلا من خلال منظور التكعيبية التي تدين لسيزان وأعماله وخطوطه التي قد تكون ألهمت بيكاسو وبراك.

 وهكذا توالت المدارس والحركات الفنية مستفيدة من سابقاتها ومن بعضها وصولا إلى التجريد الذي ولد وتبلور على يد كاندنسكي لينتقل لاحقاً إلينا ويتنوع بتعدد الفنانين التجريديين واختلاف بيئاتهم ومصادرهم وتجاربهم (تجريدي و تعبيري أو شخصي أو غنائي .. وغيرها)

المهم أن التأثيرات الفنية حالة موجودة وضرورية لتطور الفن وان كان هناك تقصير في المتابعة النقدية والدعم للتجارب الفنية العربية فتبدو دائماً تابعة للتيار الفني وحركة التجديد في الغرب والحالة التجريدية هي حالة بحث عن الفن المحض الغير قابل للمساومة بعيداً عما يمثله في الواقع.

التجريد اكسب العمل الفني مزيدا من الحيوية، من خلال الطرح التلقائي والعفوي للموضوع وفتح نافذة واسعة أمام الفنان والمتلقي، لتتنوع وتختلف الأعمال التجريدية باختلاف الفنانين وتختلف قراءة العمل الفني الواحد باختلاف المتلقي والظروف النفسية والبيئية المحيطة به وبالعمل وأنا أرى وأتابع جميع الأعمال الفنية من منظور تجريدي علاقات تشكيلية ولونية، خصوصية المعالجة وما تعكسه من فهم للخامة وتوظيفها والاستفادة من خصائصها بما يخدم الفنان وعمله.

المقياس في الفن لا يصلح.. ففيه الصح والخطأ والقياس على نسب الواقع، فالعمل الإبداعي يقودك للحديث والجدل حوله بطريقة مختلفة لا بل قد تقودك خصوصية الفنان وإبداعه لخلق مصطلحات جديدة في حديثك عن عمله، فتتوالى الاكتشافات في هذا العمل يوماً بعد يوم وتتجلى مالية وسحر الإيقاع وترابط مكونات العمل ونسبها فيما بينها (اللون والخط والحركة، ونسيج العمل) وأكثر من ذلك.

إن إشكالية العمل والمعالجة لأي موضوع هي أكثر وضوحاً في اتجاهات فنية عدا التجريد، فالتجريد مفتوح لرؤى مختلفة وتنوعات أكثر وهذا ما يجعله نوعاً من الفن السهل الممتنع وليست المسالة في قرار خوض تجربة عمل فني تجريدي، المسالة في أن تكون أنت تشبه عملك ويشبهك تبحث من خلاله عن شيء تكتشف وبالتالي يمكنني أن أقول لك هو أن ترسم شيء لا معنى له بالمتعارف عليه هو أصعب بكثير مما تتخيل لان الناس تعودوا دائماً أن يقيسوا عملهم بالنسبة إلي وبالمقارنة بـ (…..) وهذا المقياس عند الفنان التجريدي موجود بداخله، باختصار أقول أن التجريد هو من يجب أن يطلبك لا أنت، والتجريد المحض حالة قلما تراها في التجارب الفنية أما التجارب والتخبطات التي لا يعرف ما يراد منها والى أين ستصل فلا يفترض أن نطلق عليها تجريداً.

*ماذا يسيطر على تجربتك الفنية الحالية؟

 

 

 

**تجربني الفنية الحالية تسيطر عليها الألوان الحارة، وأجد فيها امتداد لتجارب سابقة وإن بدت أكثر تجديداً، ومن جهة أخرى هي امتداد أكثر بعداً للموروث الفني والروحي لأجدادنا الفينيقيين وتأكيدي على امتداد يعني أنني لا أسعى في اتجاه تسجيلي فيه عودة للتراث والآثار ورسم واقعي حرفي لتلك المفردات بل أقدم عمل يحمل خصوصية المكان ويضيف لذلك الموروث الفني لوحات فنية من روحه تحاكي ولا تشابه وتستطيع أن تجد لها مكاناً في هذا الزمن وهذا أمر طبيعي فأنا ابن أوغاريت وعجينتي وتركيب معقد من البساطة الممزوجة بعنفوان البحر وهدوءه في آن.

*إلى ماذا يرتكز بناء اللوحة الفنية؟

**يرتكز بناء اللوحة الفنية على ثلاث محاور: الخط، الشكل واللون وفي بعض الأعمال الحديثة وغالباً ذات الاتجاه التجريدي تجد الاهتمام منصب على سطح العمل وتقديم لنسج خاص وملمس ضمن إيقاع يتناسب مع روح الفنان وبالتالي يمكن اعتبار ذلك محوراً رابعاً.

وقد يغلب أحد هذه المحاور على الآخر في عمل فني واحد أو في تجربة فنية، أما وجودها مع بعضها البعض فيفرض توافقية معينة، فشكل السطح يفرض أسلوب المعالجة لمساحات اللون وللأشكال والخطوط.

*هل دخلت تجربتك في هذا التقسيم الثلاثي لبناء اللوحة؟

**تنقلت تجربتي بين تلك المحاور الثلاث، وكان يطغى احدها على الآخر، ففي مرحلة كان يثيرني الاهتمام بسطح العمل وتقديم نسيج خاص بمواد مختلفة وفي مرحلة أخرى كان الاهتمام منصباً على الخط وحركاته المتوافقة مع نفس تعبيري داخلي على حساب اللون. أما الآن فأنا أقدم توافقية بين الشكل واللون فيتراجع الاهتمام بالسطوح لتحل تأثيرات اللون لتبعث على الإيهام بغنى وتنوع السطوح، وتسيطر الرموز الأنثوية عبر الخط المنحني فتبدو اللوحة تشكيلات تضج بالأنوثة فيها تحوير ومبالغة توحي بالرغبة والحب والاحتواء.

*كيف تقيم المهرجانات الفنية التشكيلية" الملتقيات" وهل تساهم في دعم الحركة التشكيلية؟

 

 **المهرجانات الفنية والملتقيات على قلتها ضرورية لتواصل الفنان مع التجارب الفنية الأخرى من ناحية ومع المتلقى للفن الذي هو بحاجة أكثر ليتعرف على الفن ويتذوقه ويفهم مراحل عمل الفنان والمخاض الذي يعيشه مع العمل قبل ولادته "أي العمل"

والواقع أن هناك بعد وجفاء بين الفنان وجمهور الفن والذين من المفروض أن يزيد عددهم مع تطور الفن ولكن يبدو أن هذا التطور السريع للحركة التشكيلية زاد الهوة بين المتلقي والعمل الفني.

لهذا يفترض أن تترافق المهرجانات مع ندوات فنية موجهة لأكبر شريحة من المهتمين بالفن في محاولة لزيادة جمهور النخبة.

أنا صرحت في إحدى المرات بان الحدائق العامة في المدينة يفترض أن تتحول أو تستغل لنشر الفن بين الناس من خلال إقامة المهرجانات والملتقيات الدائمة فيها ودعمها بصالات عرض تعتني بأعمال فنية ونصب نحتية.

 

إن مشروعاً كهذا سيكون مردود ايجابي مادي ومعنوي على الفنان والدولة (إذا استثمر بشكل صحيح) وسيعكس وجه حضاري وسياحي مشرق للبلد.

أنا أسعى لدعم الحركة التشكيلية بطرحي لمثل هذه المشاريع وإظهار الجوانب الايجابية لها من جهة وبتواصلي مع عملي الفني من جهة أخرى.

علماً أني اعتقد انه يكفي الفنان أن يوفر جهده للتواصل مع عمله وتجربته أما غير ذلك من أمور العرض والملتقيات والمهرجانات والندوات الفنية فهي مهمة المؤسسات الثقافية والنقابات الفنية تقيمها وتتواصل مع الفنان بدعوته للمشاركة فيها.

*كيف تقيم عمل الحركة التشكيلية السورية، وهل ترى أي جديد أضافته كحركة إلى التشكيل العربي والعالمي؟

 

 

 

 

**يتجه التشكيل العالمي نحو البساطة والتجريد اللوني والتكوينات الصادمة وبحوث تشكيلية عقلانية محضة وكل شيء جائز في عملية التنفيذ (طباعة ولصق وإدخال عناصر غريبة على العمل الفني أو لتشكيل من مواد مختلفة وتقديمه شكل مختلف غير مألوف للعمل واللوحة القماشية.

الفن السوري رغم تبعيته لحركة التشكيل العالمي والذي اعتقد أن لقلة الدراسات النقدية والشاملة حوله ولصعوبة الاحتراف دور في ذلك، إلا انه أضاف للفن العالمي تلك الروح التعبيرية الخاصة التي ميزت الفنان العربي والسوري تحديداً وان عملية الخلق الفني هي تجديد مستمر يتجاوز الفنان فيه نفسه ويتعلم من غيره يتأثر ويؤثر وبذلك يتحقق شكل من أشكال الحوار الثقافي والتواصل الثقافي،أما التبعية فهي تقليد أعمى لا روح فيه لأنها غير مبنية على تجربة لها ماض ومؤسس لها.

العالمية تعني غنى وتنوع التجارب من كافة أصقاع الأرض والتأثيرات واردة للوصول إلى الجديد والمختلف لشرط إن لا تتحول إلى تبعية ولا يحي الفنان منها إلا تمثيله لذاته والبحث في الجذور الفنية المحلية والتراثية ليتمكن من تقديم رؤية جديد تضيف إلى الفن العالمي وتغنيه.

 *ما هي آخر المشاريع الفنية؟

إن العرض، وتقديم الأعمال وأرشفتها ضرورة حتمية بين الفترة والأخرى، وبعد اكتمال التجربة وذلك للبدء من جديد إضافة إلى مكان وزمان العرض المهمين كي لا يظلم الفنان نفسه، وعمله الفني وإن الأوضاع الغير مستقرة التي مرت بها بلدنا دعتني لتأجيل معرض كان مقرر عرضه في الشهر الرابع بعنوان "الفينيق الأحمر"، ولن يطول هذا التأجيل وسأعرضه قريباً، أما المشاركات فهي موجودة ولم تنقطع في النقابة والمعارض السنوية، إضافة إلى أنني أشرفت على ملتقى الفنانين الشباب وتحديداً في مجال التصوير "الرسم" الذي أقامه فرع الشبيبة في اللاذقية في المتحف الوطني باللاذقية خلال الفترة الماضية.