لقاء مع الكاتب محمد أبو معتوق حول روايته “ثلاث تفاحات” كما يمكن للزوار الكرام تحميل قراءة لفقرة من هذه الرواية من إلقاء الكاتب محمد أبو معتوق.

ثلاث تفاحات حوار مع الكاتب محمد أبو معتوق

* من خلال عنوانه، تتناول رواية ثلاث تفاحات مفهوم الخطيئة، لكن بوصف الخطيئة التي ارتكبت كخطيئة أولى بين أدم وحواء خطيئة عظيمة قامت دون قصد بإفشاء سر الحياة ولولاها لما حصل هذا الانتشار الواسع للبشر والكائنات حسب مفهوم الأسطورة. أنا أخلص هذه الخطيئة من "خطيئتها" وأتعامل معها بوصفها ضرورة. ومن هنا تتبدى لي خيارات البشر.. وخيارات النساء في المجتمعات المشرقية ليست أخطاءً أنما هي محاولة بحث يقوم بها الكائن ليشير إلى وجوده وبأنه كائن حي كامل الصفات وله الحرية في أن يختار، خاصة وأن الحصار قد أستكمل شروطه عليه وعزله خلف الأبواب والجدران، وبهذا المعنى تبدو الخطيئة بوصفها عمل مجيد تنجزها الضرورة وليست تنتجها الدوافع الغريزية البحتة القائمة على متع زائلة. ومن هنا تبدو ثلاث تفاحات والتي هي ثلاث أخوات داخل هذه الرواية، ومن ثم تلي ذلك أحداث كما قال الأستاذ عزت عمر (الكاتب والناقد) تنفتح عليها حكايات أخرى وأنت لاحظت أني أضع في مقدمة الرواية حوارا بين شهرزاد وشهريار وخطة ألف ليلة وليلة، إنها عبارة عن حكايات تنفتح على مجموعة حكايات من خلال الليالي الألف والليلة، بهذا المعنى أتلمس خطة شهرزاد في كتاباتها للرواية ولكن ضمن المقاييس المعاصرة، مقاييس تخص زمانها… ولذلك عندما تدخل الأم وتكتشف خطيئة ابنتها تنتابها المخاوف الكبرى من أن يقوم أخوتها بعمل شرير للإساءة إليها وقتلها وتخترع لها جريمة ملفقة لتسجنها ومن خلال هذا السجن يقوم هذا السجن بحماية هذه الفتاة من أخوتها الراغبين بالتخلص منها لأنها ارتكبت خطيئتها … ملاذ المكان… رغم قسوة السجن وكراهية الناس له، يظل الموت أو القتل أكثر ظلماً وأكثر عسفاً من كل السجون… بهذا المعنى تقول الأم … الابنة الخاطئة أحب وإلى الله والي من ابنة ميتة … بمعنى ابنة مقتولة … وبهذا المعنى تقدم الرواية دفاعاً مجيداً عن الحياة وعن فرصة الكائن كي يعيش ضمن الشروط التي تعزز حضوره ومكانه وإنسانية….

ـ مشاهد السجن المتسلسلة كحركة مسرحية:

* إنني كوني مسرحياً أولاً يشغلني المسرح بشكل مستمر وبالتالي أردت أن أقوم من خلال السجينات أن أدفعهن لممارسة مجموعة الطقوس التي لها بنية احتجاجية أحيانا والتي لها بنية ابتهاليه ولها بنية احتفالية أحياناً أخرى … مجيء مولود له مشاغل واستعدادات … ويتم ترداد بعض الصيغ عن طريق الجوقة المسرحية، تتم حركات راقصة على هذا الطريق لكي يدخل النص..السجن والزنزانة ضمن الفعالية الملحمية لمفهوم المسرح الملحمي ولمفهوم المكان الملحمي والذي تحضر فيها وفي الوقت ذاته الولادات والموت في آن واحد .. الولادة والقتل في آن واحد.

ـ ألاحظ أن الأفعال التي ترتكبها الأنثى سببها الرجل في الرواية .

* لا شك أنها رواية من الأصل مشغولة بالأنثى وبمكانتها وحضورها في الحياة وأنا من الناس المؤمنين أن الأنثى هي الأصل وأنها هي التي تصنع الحياة وأن الرجل المحيط الذي يدور حول المركز… وبهذا المعنى الأخطاء التي ارتكبتها الأنثى هي جزء … إذا أدُخل فيها المعنى الكبير للأشياء البعيد والعميق، نراها حتى لو كانت أخطاء ساذجة أو سخيفة وفيها نزاهتها إلا إنها هي أخطاءٌ مرتبطة بالدفاع عن حياتها …

* عالمنا هو عالم القوة والضعف والقوة بالأصل يمثلها الرجل، وهذا بالمجتمعات الإنسانية عموماً، والمجتمعات التي تدّعي إنها مجتمعات حضارية ليست خارجة من دائرة العنف التي يحاول فيها الرجل أن يكون متسلطاً بشكل أو بآخر، فإذا البنية القانونية والأخلاقية والحقوقية للمجتمعات الغربية مرتبطة بنموذج إنساني راق ، فإن القاع مملوء بالشرور وبشكل خاص فيما يتصل بالمرأة بوصفها سلعة أحياناً وبوصفها "قوة عمل" بل أنه في حال فقدت جمالها أو فُقدت إثارتها تحولت مباشرة إلى كيان تالف، ليست لها قيمة. وهذا المنطق سائد في العالم كله وليس في "المسألة الشرقية" فقط .. رغم أن الأم في المجتمعات الشرقية لها مكانة عظيمة مقدسة لا تضارعها أي مكانة في العالم، والأم بعد أن تنجب الأولاد تصبح الأقوى والأكثر هيمنة والأكثر قدرة على إملاء الشروط … ذلك لأنها تحوّلت إلى مؤسسة بذاتها وأبنائها ومن خلا ل عناصر القوة التي اكتسبتها.

ـ إن جميع السجينات في الرواية أحسوا بالذنب؛ وليس بفضل المكان الذي يجبر الكائنات على مراجعة الذات، وإنما بفضل النفس والضمير.

* في عدة حالات كما تلاحظ في الرواية، الكائنات عندي لا ترتكب الأخطاء حباً بالأخطاء، وإنما ترتكبها مرغمة على ارتكابها، وبهذا المعنى تلعب مجموعة عناصر في دفعها ارتكابها. لذلك، عندما تنفرد هذه الكائنات النبيلة الرائعة بذواتها فيما بعد، تشعر بالرغبة في التطهير والرغبة في البحث عن نمط سوي والتكفير عن الذات والغلط بشكل أو بآخر، وهي لا تقوم بهذا الأمر من حالة ضاغطة وإنما ضمن سياق تلقائي يعبر عن نفسه عفوياً أو بشكل عابر ولكنه قوي.

* لدي اعتقاد أحياناً أن الموت والولادة حدثان كونيان وليسا حدثان فرديان وبالتالي العالم كله يقوم بعملية تضخيم لهذا الحدث. هذا الإحساس بالألم والصرخة لدرجة يمكن إيصالها من قارة إلى قارة .. من مكان إلى مكان… هذا العالم حواسنا، استجابتنا، مشكّل بطريقة بالغة التركيب والغموض..أحياناً يكون شخصاً ما في آخر الأرض ينتابه شعور أن أحد من أقربائه قد مات مثلا فيكون حدسه صحيحاً.

* في اعتقاد السجينات أن المجتمع لن يسامحهن، لذلك انشق جدار السجن عن فتحة .. الأمر مرتبط بالدفاع عن النفس أو الهرب إلى عالم ثانٍ أقل قسوة من عالمهن الحالي ولولا هذا العالم الخيالي و..التلاشي .. لكن تلاشين في عالمهم الأرضي … ألمهم أن لا يستسلمن إلى هذا العالم القاسي الذي أدانهن بطريقة قاسية. المجتمع كله أدانهن وليس فقط أخوتهن .. إنها ليست إدانة فردية… بل إدانة جماعية…

* أقدم الحركة الداخلية للكائنات في المجتمع.. أريد أن أستعرض حالة فنية جميلة، له علاقة بمشكلة ما، هذه المشكلة مرتبطة بخَيارات … هؤلاء البشر يمكن أن يخطئوا أحياناً، وأحياناً أخطاؤهم باختيارهم وليس لأنهم أُرغموا على ارتكابها .. ومهما كان، ما هي هذه الأخطاء الكبيرة ليدفعوا عنها أثماناً باهظةً.. لأنه الناس لم ترحهم.

* عملياً لا أستطيع التعامل مع كائنات قاسية وعنيفة، وأحس تماماً أن العنف والقسوة أفعالاً ليست أصلية في الروح الإنسانية وإنما طارئة لها علاقة بظروف أقسى منها هي التي أنبتتها وأنجبتها. لذلك لدي دائماً روح الغفران. إن قسوة البشر داخل العمل تتحول في الناس إلى عاطفة جياشة تكون في أجمل البشر.. ولذلك تلاحظ أن الأخوة يبكون عوض قتل أختهم .. يقعون على الأرض ويخوضون في البكاء … " هل يمكن أن نقتل أختنا العظيمة الجميلة الرائعة.

ـ المرأة تفتدي أخواتها أو زوجها أو أبناءها بكل ما تملك!

* المرأة عندها استعداد دائما للتضحية أكثر من الرجل…هي أنبل منه دائماً… هذا الجزء من الطبع يأتي مع الحليب ولا يأتي مع التعليم أو الخبرة..
ـ أنا عشت حياة مع أم وأب عظيمين، وقد أورثوني هذا الشعور بالعفو الإنسانية…. لن أقول أن طبيعتي رائعة لأني كائن مليء بالأخطاء ومليء رغبة بارتكاب أشياءً ليست سويّة .. ولكنها بسيطة… في القصة أو الرواية… شيء آخر .. تكتب عن كائنات أخرى ..

الجديد: مؤخراً (2009) صدر لي أربع روايات، روايتان عن "الريس" رشحت لجائزة (البوكر) في القائمة الطويلة، ورواية أخرى كذلك عن دار الريس بعنوان "بلغني أيها الملك الحزين" وروايتان صدرت عن وزارة الثقافة بعنوان " شهرزاد رجلاً" والثانية "الطيور الورقية" خلال أيام سوف تصدر لي مجموعة مسرحية "عشر مسرحيات مائلة" عن وزارة الثقافة.

لقاء نوح

تحرير عبد الرحمن حاجي مصطفى ونوح

 

للاستماع للكلمة اضغط هنا