قوة الإرادة جعلتها تكون رائدة في إدارة رياض الأطفال… وهذه الإرادة ساعدتها أيضاً في التغلب على مرضها المفاجئ … لقاء مع الأستاذة عفاف ملقي

الأستاذة عفاف ملقي  

حاصلة على الشهادة الثانوية عام 1965
خريجة دار المعلمات
ومن أجل إثبات الذات أيضاً التحقت بنفس الوقت بالجامعة ولكنها لم تكمل سنوات الدراسة بسبب العمل والتنقل ما بين الجزائر والسعودية.

تحدّثنا أستاذة ملقي عن بدايات العمل:

في السعودية؛ مدينة الخبر، عملت كمدرّسة ومن ثم مساعدة المديرة لشؤون الابتدائي، وبقيت هناك اثنا عشر عاماً في المدرسة الفيصلية للأميرة هيفاء بنت الملك فيصل وهي من كبريات المدارس في السعودية حيث تضم من مرحلة الروضة حتى البكلوريا. هذه المدرسة كانت فخراً لنا كسوريين، حيث أن أغلب المدرسات؛ أي حولي 90%، كن سوريات.

وتتابع: سافر زوجي محمد؛ الأستاذ محمد قجة، في عام 1980 ومن ثم التحقت به 1981 وكان يعمل في الإعلام الصحي؛ وللمفارقة أيضاً، كان مدير الصحة سوري ولكنه حاصل على الجنسية السعودية.

عدنا مع الأستاذة عفاف ملقي إلى ما قبل سفرها إلى السعودية، حيث أقامت في الجزائر لعدة سنوات: سوريا كانت مساهمة فعالة في حركة التعريب، لهذا لم تبخل بأساتذتها و معلّميها على الدول العربية التي تحررت من الاستعمار وهي مفرنسة … أو مغرّبة… والحقيقة أن الجزائريين يحبوننا كثيراً ويحترموننا, كما كانوا ينادون لرجل العلم "الشيخ" وليس لرجل الدين فكانوا ينادونني بـ الشيخة عفاف، أي العالمة أو الأستاذة عفاف, وبهذه المناسبة أوجه لهم تحية كبيرة من كل قلبي.

وكان سؤالي:

أنت من ضمن الشخصيات الفكرية والاجتماعية في مدينة حلب وهذا لم يأتي من فراغ وهذه القائمة التي أطّلعُ عليها يوجد فيها شيوخ الأدب وشيوخ الفكر في مدينة حلب حدثينا عن هذه القائمة وعن دورك أيضاً؟

صدرت هذه القائمة منذ قرابة العام للمحافظ الحالي المهندس ((أحمد علي منصورة)) وسجل أسمي كوني من الرائدات في مجال رياض الأطفال ولأني أتبعت النموذج الحديث بعد سفري إلى أميركا والسعودية وإطّلاعي على طرق التدريس هناك. وحقيقة فوجئت باسمي وهو في القائمة من ضمن أسماء كبيرة أعرفها, حينها انتابني شعور بالذهول واعتبر نفسي دخيلة عليهم؛ وليس نوع من التواضع، لأنهم حقاً مبدعين والحمد لله أنا نفسي لم أكن أتصور هذا النجاح كله في مجال عملي كصاحبة ومديرة لمدرسة المنارة.. والحمد لله بأن هذا الجهد والنجاح قد لاقى التقدير من التلاميذ والأهالي والمسؤولين …  بلدنا بحاجة إلى هذا التطور والخلق في المناهج وطرق توصيل المعلومة إلى الأطفال… الطفل لم يعد يرتدي ملابس أخاه.

أستاذة ملقي خلال المسؤوليات والنتاج التربوي مررت بأزمة صحية … ممكن أن تحدثينا عنها؟

الحقيقة الأزمة المرضية التي مررت فيها متعبة جداً … تستغرق ثوانٍ للتأمل و تستطرد .. أنا لم أكن أعاني من أي ألم وكنت أتناول حبوب لتنظيم الضغط خفيفة جداً, وفجأة ارتفع ضغطي بشكل كبير.. بدون أي زعل.. بل على العكس.. كنت قد رجعت من قطر قبل يوم واحد، حيث الاحتفال بـ ((عاصمة الثقافة العربية)) وكانت رحلة "سبع نجوم" … ولكن بشكل مفاجئ أصبت بنزيف في المخيخ وآلام لا توصف وبقيت عشرين يوماً فاقدة الوعي في المستشفى؛ تستغرق ثانية في تأملها ثم تستطرد:
بقيت في غرفة العناية المشددة أسبوعاً ثم أسبوعا أخر.. ثم .. بدأت بالتحسن.. حيث قال الطبيب لابنتي إن إرادة أمك قوية لأنها قفزت قفزات لم نعتد عليها في نزيف المخيخ .. إنه هو المسؤول عن التوازن، والآن أنا أفضل بكثير وخلال ستة أشهر سأعود إلى طبيعتي بإذن الله.


سبب هذه الأزمة؟ … تفكر قليلاً:

ربما كان هناك نوع من التراكم.. تراكم الضغط و الإرهاق النفسي .. لأنني من النوع الذين يخفون حزنهم و بالتالي أدى هذا الكبت إلى حالتي هذه أي إلى النزيف في المخيف أو كما يسمى "جلطة على الدماغ".

أستاذة عفاف برأيك من أين تأتي الإرادة القوية؟

إنها شيء في الفطرة .. أي عندما يخلق الله الإنسان يخلق معه هذه الميزة، بالإضافة إلى دور الأهل في تنميتها .. فإما أن يساعدوه على تقوية شخصيته أو يحطمون هذه الشخصية, وللمدرسة دور أيضاً .. وهو أكثر شمولاً من دور الأهل حيث أنها بناء مصغّر لقاعدة الحياة …. علماً أنه أيضاً هناك بعض الأهل الذين يُطبِقون على أولادهم فلا يسمحون لهم بالاختلاط خارج المدرسة فلا يكوّنون شخصية مستقلة وذلك بحجة الحرص عليهم. وهنا أنصح هؤلاء الأهل بالسماح لأطفالهم بارتياد النوادي الرياضية أو المعاهد الموسيقية أو الحفلات … مع الإشراف عليهم ولكن عن بعد. وتضيف الأستاذة ملقي: وحتى وسائل الإعلام لها تأثير كبير على الطفل, خاصة بعض أفلام الكرتون التي تنمي إدراك الأطفال للمفاهيم التربوية والأخلاقية، وتقوّي لغتهم العربية الفصحى وذلك لأن الأطفال يقلّدون ويردّدون حوارات أبطال هذه الأفلام…

أستاذة عفاف ملقي لا تنسى دورها الإنساني والريادي في إدارة المدرسة وتوجيه الأطفال حتى وهي تجاوب على سؤال يخصها شخصياً.

ثم تلمع عيناها: وأنا أحب الحياة كثيراً فحياتي مليئة بالعمل والأصدقاء والمنزل والأحفاد…

خلال محنتك ما هي الدروس الصحية والنفسية التي اكتسبتها والتي ممكن أن يستفيد منها الآخرون؟
يجب على أي أحد منّا أن يعطي هامشاً لصحته، وخاصة بعد عمر الخمسين.. يجب أن يذهب إلى الطبيب بشكل دوري ليجري الفحوصات اللازمة والشاملة وأن لا ينسى نفسه في خضم مشاغله العملية واليومية.. أنا دائماً أهمل نفسي ولا أفكر في صحتي إلا في وقت متأخر.. لم أتوقع أنني سأمر بهذه المحنة المرضية… وفي الحقيقة لا أحد منّا يتوقّع ما سيحدث له صحياً.. لهذا أخذتها عبرة بأنني يجب أن أهتم بصحتي أولاً. وأودّ أن أضيف أن هذه المحنة جعلتني أكتشف محبة الناس لي، فقد حدثتني ابنتي عن الأشخاص الذين قاموا بزيارتي بأنهم كثيرون جداً وهم يعرفون بأن الزيارة داخل الغرفة كانت ممنوعة عليهم..

أنا أنصح جميع الأصدقاء وجميع من يقرؤنا بأن يقوموا بالفحوصات اللازمة كل ستة أشهر أولاً، وثانياً وهذا شيء مهم … القيلولة، القيلولة ضرورية جداً لإعادة توازن الجسم واسترجاع قوته… وأنصحهم أن يهتموا بغذائهم وأن يكثروا من تناول – الفواكه – الخضار – وأن يمارسوا الرياضة.

ولنخرج من جو المرض أسألها عن الكتب التي تقرؤها:

أقرأ المجلات والجرائد الدورية لأنها تبقى مفصّلة أكثر من التلفاز، ومن بعدها أقرأ الروايات لأبقى على صلة مع الواقع.., أنصح بقراءة الرواية العربية من ثم الروايات المترجمة, فالرواية المترجمة منها المغرض ومنها المقبول, ملاحظة هنا يجب على وزارة الثقافة أن تنتبه إلى الكتب التي تمس العرب أو "نظرة الدون" التي ينظر بها الغرب إلينا… يجب أن لا تترجم هكذا كتب إلى العربية.

أخر رواية قرأتها هي "الأرض الطيبة" وهي رواية مترجمة للكاتبة الروائية الأمريكية «بيرل باك» التي حازت على جائزة نوبل للآداب سنة 1938.

من خلال متابعتك للحركة الثقافية ما هو رأيك في الجيل الجديد؟

زوجي محمد قجة، رئيس جمعية العاديات وبالتالي عندي علم مسبق بالمحاضرات التي تقدم كل يوم أربعاء، وأحرص على الإلمام بها، إما بالحضور أو بقراءتها بعد إلقاءها، للأسف لا أرى شبابا كثراً، بل أرى رجال كباراً في العمر… أين الشباب.. لا أعرف..!؟

تتابع الأستاذة ملقي: لدي شابين؛ الأول الدكتور حسن قجة، نسخة طبق الأصل عن والده يقرأ و يحب كتابة الشعر والأخر؛ زيد قجة، يهتم بالحياة العملية أكثر … وأعتقد أن لا هذا على خطأ و لا الآخر على خطأ …. إن كان هناك توازن في حياتهم… ابني حسن الشاعر هو أيضاً طبيب أسنان ويدير مركزاً للموارد البشرية.


كلمة أخيرة أريد أن أوصي الأهل بأن يستمعوا لأطفالهم حتى لا يتحدثوا مع أشخاص آخرين عن ما بداخل المنزل هذا أولاً, وثانياً أن لا يعنّفوا الطفل بل يعوّدونه على الحوار لأنهم بهذه الطريقة يصلون إلى نتيجة, ونادراً جداً يُضرب الطفل وهذا لا يزيد عن مرة أو مرتين في العام الواحد وبطريقة تربية لا يتأذى منها أبداً. هناك أهالٍ يعتقدون بأنهم بالضرب يصلون إلى نتيجة.. وهذا خطأ كبير لأن العنف الجسدي يترك عند الطفل رواسب نفسية سيئة و سلبية عندما يكبر.

وأحب أن أنصح كل شخص بأنه يجب أن يهتم بصحته ويطوّر نفسه إن كان بالقراءة أو عبر وسائل الإعلام … فمهما كبر الشخص يجب أن لا يقف عند حدود معينة من المعرفة والاكتشاف وتطوير الذات.


لقاء: نوح عمار حمامي
تحرير: رنا ماردينلي