الدكتورة شهلا العجيلي في حوار مع الدكتور جمال طحان، حديث الذكريات والأدب والكتابة.

الأدب النسوي ليس مضاداً..

جمال الشعر يفجّر الرغبة بالبكاء

د. محمد جمال طحان

يظهر تأثر"شهلا العجيلي" بطفولتها التي قضتها في مدينة "الرقة" الطفلة الغافية على ضفاف الفرات بحديثها عن التصوّف مستفيدة من حلقات الذكر التي كانت تقام في منزلها، وهنا تكمن خصوصيتها عن سواها فتستفيض بالحديث عن طقوس حلقات الذكر التي تتناولها بالتفصيل في أحداث رواية‏ "عين الهرة" وترد على مقولة المتصوفة الشهيرة:

"من ذاق عرف ومن عرف اغترف وأنا أقول اغترف وشقي" ومن خلال سردها للتصوف تظهر الأبعاد الثقافية التي تتوخى الكاتبة الحرص على أن يكون العمل روائي مصدرا تثقيفياً يغني عقل القارئ ويمتعه بنفس الوقت مؤكدةً بما لا يترك مجالا للشك العقلية الابداعية التي تمتلكها.‏كان لأبيها وعمها تأثير كبير في حياتها. تقول "شهلا العجيلي": «إنّ وجود هذين النموذجين (عمّي وأبي) رسم لي أفق قراءاتي في الأدب والفنّ والتراث، فكنت منذ سنّ مبكّرة أقرأ معظم ما يصل إلى عمّي "عبد السلام" من كتب مهداة، أو مجلاّت كان قد اشترك أو كتب فيها، لأنني غالباً ما كنت أذهب لأفتح صندوق بريدنا المشترك. ثمّ إنّ ضيوفنا كانوا من كبار أعلام الفكر والأدب». في مكتبها بجامعة "حلب " التقيناها وكان لنا معها هذا الحوار:

* ما الذي تذكره الطفلة شهلا عن نشأتها، وعن المحيط الذي درجت فيه، وما دور الأم في ذلك كلّه؟

** درست في "الرقّة" وتركتها في عمر السابعة عشرة لأتمّ دراستي الجامعيّة في "حلب"، بعدها غادرت إلى بيروت وعملت في إعداد المعاجم وتحقيق الكتب، ثمّ عدت إلى "حلب" لمتابعة دراساتي العليا. عملت أمّي رحمها الله على تعليمي الشعر القديم، فحفظت عيونه من معلّقات وقصائد كلاسيكيّة نموذجيّة، كما حفظت ما يقارب نصف القرآن الكريم، وذلك منذ الصفّ الثالث الابتدائيّ، ثمّ جاءت معارفي وقراءاتي الخاصّة ودراستي الأدبيّة والنقديّة، لتنقلني إلى ما يسمّى التطوّر الدلالي في اللغة، وطالما رحت أجترح مفردات وصوراً جديدة. تطوّعي في الهلال الأحمر السوريّ جعلني أتنقّل بين أماكن كثيرة، وبين طبقات متعدّدة من حياة البشر، ومشاركاتي في المؤتمرات الأكاديميّة والثقافيّة العربيّة والدوليّة، جعلتني حاضرة في حقلي الثقافة والإعلام. وزواجي من شخصيّة ثقافيّة أردنيّة الدكتور "مصلح النجّار" كان نقلة كبيرة في حياتي مكاناً وأداء.

* كيف تقيّمين الأدب النسوي في سورية؟
** يحاول الأدب النسويّ في سورية أن يتقدّم، فما طلعت به الكتابات الجديدة يفارق كتابات المرحلة الماضية، وهذا لا يعني أنه أفضل أو أسوأ بل هو مختلف، يتوافق مع شروط الحداثة، إلا أنني لست مع فكرة أن أدب المرأة يخص أدب المرأة، فالكتابة النسوية كما أعتقد هي كتابة عن العالم من وجهة نظر المرأة، لذا هي كتابة مختلفة، وليست مضادة. أنا لست نسوية، وإنما أؤمن بالخصوصيّة الثقافية النسوية، وأفترض أنّ علينا إعادة مساءلة المسلّمات قبل التفريق بين كتابة نسوية وأخرى (ذكورية). أنا شخصياً أؤمن بالاختلاف ولا أؤمن بالتضاد، ومن هنا أعتقد أنه، وبسبب اختلاف التجارب البيولوجية والشروط الاجتماعية، فإن الأحكام على الأشياء تأتي مختلفة، من دون أن يعني هذا أنّ الأحكام الذكورية هي بالضرورة صحيحة، وإنما هي متأتية من منطق مختلف، وليس من منطق مضاد.‏

* ما المنهج النقدي الذي يغلب في كتاباتك النقدية؟
** أؤمن بالمناهج التواصلية، التي لا تفصل النص عن بنيته (الثقافية– الاجتماعية)، مثل علم اجتماع الأدب والبنيوية التكوينية والدراسات الثقافية، وهذا ما أعمل في ضوئه على دراساتي النقدية كلها. أرى أننا نعيش في عصر نقاد انطباعيين، وما نزال نعيش في الأدب على آراء مثقفي السبعينيّات، وهم نقاد ينحون باتجاه علاقة الأدب بكلّ من الفكر وعلم الجمال، ولم يستطع أحد من الجيل الجديد أن يخلفهم في المكانة والابتكار. لقد تحكّمت بنا الأيديولوجيات حتى بتنا لا نفكر سوى بطريقة واحدة (مع أو ضد)، وهذا ما لا تعترف به الثقافة، الثقافة تقوم على أنني موجود وأفكّر، كما أنّ الآخر موجود ويفكّر أيضاً.‏

* ما هاجس "شهلا" هذه الأيام؟


** هاجسي الدائم هو الحرية في علاقتها مع الهوية، والقدرة الجبارة التي يملكها الأدب في أن يعبر عن هوية المنتج من غير أن يتقصد الأخير ذلك. أما هاجسي الحالي فهو إتمام نصي الروائي الجديد "سجاد عجمي" الذي تؤرقني أحلام شخصياته في تواصلها من القرن الثاني الهجري إلى اليوم.

* كيف يمكن أن يوزع الأديب نفسه بين النقد والإبداع؟
** أن يكون المرء مبدعاً وناقداً، تماماً مثل أن يكون فارساً على جوادين، لكل جواد شكل ومزاج وطريقة في المشي والطراد والإقبال على الحاجز ثم القفز، وعلى الفارس أن يكون متيقظاً لحركات جواده المباغتة. وحينما يكون على صهوة أحدهما سيعطيه كله، مشاعره وإيقاعات نفسه وجسده، وهكذا هي الحال مع الإبداع والنقد.

* كيف ترين العلاقة بين النقد والإبداع، من يسبق من؟ وهل هما على درجة واحدة من التراجع أو الازدهار؟ وهل يؤثر الناقد في المبدع- الناقد؟

** نعم يؤثر، فالمبدع- الناقد لا يمتلك العالم كله، وإن حصّل الحساسيتين النقدية والإبداعية فلا شك أن العمل الإبداعي والعمل النقدي هما تعاونيان بين المبدع والناقد والمتلقي.

* ما السبب في بعد الأستاذ الجامعي عن الحركة الثقافية؟
** العمل الأكاديمي يستهلك جهد المرء وطاقته في التعاون مع الطلبة، وملاحقة التطورات البحثية والإبداعية، فضلاً عن متطلبات الترقية الأكاديمية والوظيفية، لذلك فإن عمل الأستاذ الجامعي لا ينتهي بعودته إلى البيت، بل لعله يبدأ. وعلى الرغم من ذلك كله فإننا نحاول أن نكون حاضرين دائماً لنرأب أي صدع محتمل بين الجامعة والمجتمع.

* بين "حلب" والرقة والأردن، أين تحط "شهلا" الرحال لكي ترتاح؟
** الأماكن بالنسبة إلي واحدة، لأنني منذ أن خرجت من الرقة تغير مفهوم المكان بالنسبة إلي. أقرب مكان إلى نفسي هو ذلك الذي يمنحني فرصة لأكتب وأعبر عن هواجسي ومخاوفي بحرية، ويكون معي فيه أحبة وأصدقاء يجدون الحوار رؤية في الحياة.

* ما الذي يجعلك تبكين؟
** جمال الشعر هو الذي يفجر فيّ الرغبة الغريزية في البكاء.

* أديبة تزوجت شاعراً، ما مدى تأثير الأسرة الأدبية على الأولاد؟
** إذا ما وعت الأسرة الأدبية دورها الاجتماعي- الإنساني فإنها غالباً ستنتج فرداً واعياً، ومثقفاً، وناضجاً. القراءة الأسرية ضرورة كي تصبح عند الطفل عادة مكتسبة، توسع آفاقه وتحميه من الهشاشة النفسية، ومن الهلامية الثقافية. أحياناً ألتقي بأبناء أساتذتي وأصدقائي المثقفين ممن هم في سن الشباب، فأجدهم نسقاً مختلفاً عن السائد، إن اهتماماته المختلفة وأعرافه وطقوسه تدعو إلى الاعتزاز والفرح.

نذكر أن الدكتورة "شهلا العجيلي" مدرّسة في كلية الآداب بجامعة "حلب" أنجزت أطروحتين أكاديميّتين في نظريّة الرواية، والنقد الثقافيّ، كما أصدرت مجموعة قصصيّة بعنوان "المشربيّة" عن دار كلمات في "حلب" 2005، ورواية بعنوان "عين الهرّ" عن المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر في بيروت 2006، كما شاركت في تأليف ثلاثة كتب أكاديميّة في الفكر والنقد، "السرد وإشكالّية الهويّة"، و"التجديد في العلوم العربيّة والإسلاميّة" و"النصّ الروائيّ والمثاقفة الحضاريّة". لها كتاب مجموعة مقالات "مرآة الغريبةمقالات في نقد الثقافة" الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وبدعم من وزارة الثقافة الأردنية. نالت العديد من الجوائز الأدبية فازت بجائزة "الدولة الأردنية في الآداب للعام 2009" عن روايتها "عين الهر"، وهي أعلى جائزة تمنحها المملكة الأردنية.