في ضوء عروض مسرحية كاسك يا وكن وما لها من أهمية على الصعيد الثقافي العربي ككل التقينا بمخرج العمل الأستاذ مضر رمضان الذي تحدث لنا عن العمل وعن رؤيته الإخراجية والصعوبات التي كانت من الممكن أن توقفه لإتمام هذا العمل

في ضوء عروض مسرحية كاسك يا وطن وما لها من أهمية على الصعيد الثقافي العربي ككل التقينا بمخرج العمل الأستاذ مضر رمضان الذي تحدث لنا عن العمل وعن رؤيته الإخراجية والصعوبات التي كانت من الممكن أن توقفه لإتمام هذا العمل حيث حدثنا عن هذه الأمور وأكثر من خلال القاء التالي :

بداية هلاّ حدثتنا عن بدايات هذه الفكرة ؟


انطلقت الفكرة من الأستاذ عمر حجو و هو إقامة مسرح دائم للهواة بحيث يتقدّم في كل يوم عمل مسرحي لنعيد الألق إلى المسرح وخصوصاً في حلب حيث أنه يعاني من كثير من الأمور التي قد يطول ذكرها الآن ، ولنخلق حالة من التواصل بين المسرح والجمهور ارتأينا أن تكون النصوص المقدّمة تحمل طابعاً من الكوميديا وهي ليست الكوميديا المبتذلة وإنما الكوميديا التي تمرّ كالنسمة وتترك بسمة ، فكان الاقتراح منه أن نعتمد على الذاكرة السورية وتاريخ المسرح السوري المشهود له عالمياً، فتم الاعتماد على نصوص من مسرح الشوك حيث كان الأستاذ عمر حجو أحد مؤسسيه وأحد أعضائه الفعالين ، ومن جملة الاقتراحات تم ترشيح اسمي للعمل وبالفعل تم التنسيق بيننا واخترنا عدداً من النصوص التي من الممكن العمل عليها كمسرحية ضيعة تشرين ومسرحية غربة ومسرحية مسرح الشوك بالإضافة إلى مسرحية كاسك يا وطن ، ومن ضمن جملة هذه المقترحات ارتأيت أن مسرحية كاسك يا وطن هو أكثر عمل مسرحي بعيد عن القصة السردية أما كاسك يا وطن فهو يعتمد على الأنتركتات التي أعطتني مساحة من الحرية لأمحور هذا النص وأستطيع الموازنة بين ما كان يحدث في سبعينيات القرن الماضي وما يحدث اليوم وهذا احتاج إلى إلمام بالأوضاع الاقتصادية و السياسية في المنطقة حالياً لأننا إن قدمنا العمل كما تم تقديمه في سبعينيات القرن السالف فإنه لا يلامس من قضايانا شيئاً ، وما قيمة الفن إن كان لا يحاكي الواقع ويلامسه ؟.


في العمل الأساسي كانت هنالك كوميديا سوداء ولكنها لم تكن بهذه الكثافة التي رأيناها اليوم ، فهل تعتقد أن الواقع أصبح أسوء من ذي قبل حتى تم طرح المسرحية بهذه الرؤية ؟


ليس بالضرورة أن يكون الواقع أسوء وإنما نحن هنا نخلق مفارقة فإذا لاحظنا الملابس والديكور وحتى الماكياج فنحن متدرجون فيها من الأسود إلى الأبيض وهي كرسالة أردت تقديمها أي أننا سنبقى نقول " كاسك يا وطن " إلى أن نصل إلى البياض الذي نرتئيه وبناءً على ذلك كان هذا العمل دعوة إلى الضحك وإلى الحلم فحتى لو لاحظت في بداية العمل نقول بالحلم ونطلبه فهي إذا دعوة إلى الحلم الجميل فهذا العمل هو حلم نحيكه نحن ويعيشه الجمهور لذلك فلنصنع حلماً جميلاً وباسماً يستمتع به الحضور، ونحن لا ننكر أن لدينا مشاكل جمّة حالياً ولدينا سواد في حياتنا ودموع كثيرة ولكن هذه دعوة إلى الحلم الجميل ولنرى سوريا بأبهى وأجمل صورة ، وصحيح أننا صبغنا كثيراً باللون الأسود ولكننا ندعو إلى البياض فيه .

هل عصرنة الأعمال المسرحية من الممكن أن تطغى على العمل الأساسي وأن ترسّخه في الذهن أكثر ؟


إن عمل كاسك يا وطن للأستاذ دريد لحام تجرّد وأصبح أكبر من أن يكون عملاً فنياً لأنه دخل في الذاكرة السورية وأصبح من ضمن ذاكرة المسرح السوري وأنا إن لامست هذا العمل فأنا ألامس الذاكرة السورية، وإن إعادة عرض هذه المسرحية بوجهة نظر أخرى يؤكد على خلود هذا العمل أولاً ونضوج الذاكرة السورية وعلى أن هذا هو الأساس السوري بغض النظر عن الأساس الفني ، فكثيراً ما نرى أعمالاً عظيمة تخلّد بتكرارها وأيضاً نجد أعمالاً عظيمة لم تقتحم الذاكرة وغُيّبت وهي رغم ذلك أعمال عظيمة وخالدة ولكن لا يعرفها سوى المسرحيون المطلعون جداً وأتذكر هنا السيدة أم كلثوم فقد خلّد لها الأغاني التي تم تكرارها والتي حاولت بعض الطاقات الشبابية أن تقدمها ، وأقول أنه من الممكن أن تكن هناك أعمال قد قدّمت في السبعينات وهي أهم من كاسك يا وطن ولكنها لم تقتحم الذاكرة السورية فكانت بعيدة عنا ، وبناءً على ذلك كنت مصرّاً على أن أقدّم اللوحة الأخيرة من المسرحية كما جسدها الأستاذ دريد تماماً وذلك تأكيداً على خلود هذا العمل واستمراريته وأنه مطبوع في الذاكرة السورية .


هل كان عملك هذا بإشراف أو بتنسيق مع أحد من الممثلين الذين عملوا في المسرحية الأساسية ؟


طبعاً ، فالأستاذ عمر حجو كان مشرفاً فنياً على هذا العمل كما هو مشرف على المهرجان كاملاً ، وقد كان يتابع عملية تطويرنا و تحديثنا وعصرنة هذا العمل فبض الأمور كانت من اقتراحاته وبعضها الآخر من اقتراحنا فكنا متعاونين إلى أن وصلنا إلى الصورة النهائية، و أقول بلمسة من المودّة للأستاذ القدير عمر حجو أنه أثناء البروفات كان لديه حنين إلى الذاكرة وأنا كان لدي اندفاع ، فحنينه إلى كاسك يا وطن واندفاعي إلى انجاز هذا العمل أدى إلى قليل من التضارب الفني في وجهات النظر إلى أن وصلنا إلى رسالة وهي إلى أي حد نستطيع أن نخلق موازنة مابين الجيل السبعيني الفني والجيل الحالي وما بين كاسك يا وطن في عهد السبعينات وما بين المشاكل المعاصرة ، وأيضاً كان هناك تنسيق مع الأستاذ دريد لحام ولكن كون استقراره في دمشق وانشغاله في بعض الأمور فإننا لم نستطع أن نتواصل معه بشكل مطلق .

إذا افترضنا أن الأستاذ دريد لحام و محمد الماغوط والممثلون كانوا حاضرين أثناء هذا العرض ، ماذا تتوقع أن يقولوا ؟

أنا أراهن على حنينهم وإلى حبهم لهذا الوطن لسبب، فصحيح أننا غيرنا أشياء في العمل ومحورنا أشياء كثيرة ولكن لم نمحو من هذا العمل العشق الوطني وعشق سوريا فمهما غيرت فيه فإنك لن تستطيع أن تغيّر أو تمحو منه عشق سوريا والوطن ، وأعتقد أنهم إن حضروا العمل فستسيل دموعهم بكل تأكيد وسيعشقون هذا العمل لأن هذا العمل يعشق الوطن لذلك أنا أراهن على حبهم للوطن ولحنينهم لما كانوا يفعلونه في سبعينيات القرن السالف، وحتى الأستاذ عمر حجو كان يبكي فيكل بروفا نقوم بها وحتى في العرض فقد سالت منه دموع غزيرة ، وكان من بين الحضور الأستاذ وليد إخلاصي وحقيقةً فقد قال لي كلمات دفعتني إلى الأمام كثيراً فقد قال أنني لأول مرّة أرى كاسك يا وطن تلمع ولم أتوقع صراحةً أن نشاهد كاسك يا وطن يعود إلى ألقه ولمعانه من جديد كما رأيناه اليوم .

هل من الممكن أن نرى مضر رمضان كمخرج في أعمال قادمة يستقطب أعمال الذاكرة السورية ويعرضها برؤية جديدة ؟


صراحة ليست كل الأعمال القديمة من الممكن تجديدها فهناك أعمال تستفّز الشخص ليعمل عليها و كاسك يا وطن واحد من هذه الأعمال التي تشكل لك حافزاً كمخرج لتعيد صياغتها وتقديمها ، وصراحة لست مطّلعاً بشكل كبير جداً على أعمال الذاكرة السورية والمسرح السوري القديم إنما في حال وجود عمل محفّز فأنا من الممكن أن أكون موجوداً مخرج أو ممثل أو كأي عنصر في العمل، وصراحة إن إعادة تقديم مثل هذه الأعمال يتطلب حزراً كبيراً لأنه ليس بالأمر السهل أن تلامس ذاكرة سوريا وهو أمر خطير حتّى أن بعض الأشخاص بما فيهم عائلتي كانوا في حالة شك من كان مضر رمضان يستطيع أن ينجح في كاسك يا وطن كما نجح دريد لحّام ، والحمد لله نحنا فتحنا هذا الباب وأصبح من الممكن جداً تقديم هذه الأعمال بحرية تاما وإن لم يحفّزني عمل كهذا في المستقبل فمن الممكن أن يحفّز شخصاً آخر فيعمل عليه وهذا أمر جيد جداً في إمكانية استقطاب مسرحيات خالدة وعرضها برؤية أخرى .


كيف تم التنسيق لاختيار فريق العمل وعلى أي أساس كان ؟


بتوجيه من الأستاذ عمر حجو اتفقنا أننا بحاجة إلى وجوه جديدة وطبعاً هذا لا يعني بالتأكيد أن الوجوه الفنية الموجودة هي سيئة فهناك أشخاص نحن نفتخر بهم كالأستاذ حسم حمود ومروان غريواتي والأستاذ أسامة السيد يوسف ووجوه أخرى عديدة وهي وجوه فنية جيدة جداً ، ولكن بتوجيه من الأستاذ عمر حجو إن هذا المشروع ليس مشروعاً مادياً وإنما هو لتدريب كوادر فنية تصعد إلى المسرح وتقول ما تحب ضمن ظرف سليم فهناك الكثير من الطاقات في المسرح الجامعي ولكنها تموت لأنها تبقى ضمن نطاق جامعي وأحياناً أصغر من جامعي فأردنا من هذه الطاقات بغض النظر إن كانوا أعضاء في نقابة الفنانين أم لا وحتى إن كانوا محترفين أم لا فهؤلاء الطاقات أردنا لها أن يتم تخديمها أكثر ضمن ظروف سليمة، وبناءً على هذا تمّ اختيار هذه الوجوه بعيداً عن الوجوه المحترفة مع كامل الاحترام لهم .

ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتها أثناء التحضير للعمل والتي كانت من الممكن أن تثنيك عن إتمام هذا المشروع ؟


صراحةً أثناء البروفات واجهتنا صعوبات جمّة وسأتحدّث عن أصعبها ، إذا لا بدّ أثناء القيام بأي عمل أن يواجه المخرج مشكلة التواصل مع الممثلين وإيصالهم الفكرة التي يرغب بها و طبعاً مثل هذه الصعوبات عاديّة ويمرّ بها أي عمل، وحقيقةً الصعوبات التي سبّبت لي الإرباك أحياناً وجعلتني أعيد التفكير في الخطوة التي اتخذتها هو موضوع ملامسة الذاكرة السورية كما ذكرت سابقاً، فأحد الأشياء أنني حين آتي إلى البروفات أجد أن الممثلين حافظون للحوار قبل أن أوزّع عليهم النصوص فالبعض لم يكن لديه الثقة في أننا نستطيع أن نحاكي الذاكرة السورية ولم يكن لديه الإيمان الكامل بالعمل وأننا نستطيع إعادته والنجاح فيه، فأثناء البروفة الأولى ومن خلال النص الذي قرأته لمدة أربعة أشهر كنت بحاجة إلى تسع شخصيات للعمل إلا أنّي جمعت حوالي ثلاثين ممثلاً وممثلة لأنني كنت أعلم أن بعضهم سينسحب لعدم ثقته بنفسه من جهة وعدم الثقة بأمور أخرى وبالفعل فقد انسحب من انسحب وأنا أعذرهم صراحةً فيبدو أنهم كانوا خائفين من الفشل وهذا من حقّهم طبعاً، و هذا ما سبب لي الإرباك صراحة ولكن من قوّاني ودفعني إلى الأمام حتّى أنّني كنت في إحدى اللحظات سأعتذر عن العرض هما الأستاذ عمر حجو و الأستاذ غسان مكانسي وحتى الأستاذ غالب برهودي فقد خدمنا بطريقة جيدة على المنحى المعنوي المادي وأيضاً الأستاذ أسامة السيد يوسف لا ننكر الجهد الكبير الذي بذله لأجلنا، وصراحة لقد شعرت أن هذا العمل قد جذب أقطاب حلب الأمر الذي أنسانا الصعب الذي واجهناه.

ماذا ننتظر من مضر رمضان بعد كاسك يا وطن ؟


هناك أكثر من مشروع مسرحي لمهرجان مسرح حلب الدائم ولكن الأمور ليست واضحة تماماً، وفي المرحلة القادمة إنشاء الله سأحاول العمل على بعض النصوص السوريّة العالميّة كنصوص سعد الله ونّوس ووليد إخلاصي لندخل ولو قليلاً إلى المسرح الجاد أكثر، ومن ضمن الاقتراحات التي من الممكن أن نقدّمها مسرحيّة بروفه جنرال والخروج دخولاً لعبد الحميد الصائح ومغامرات رأس المملوك جابر بالإضافة إلى مسرحية مقام إبراهيم وصفيّة للأستاذ وليد إخلاصي وملحمة الأيّام الفلسطينيّة للأستاذ محمّد أبو معتوق،وأعود لأقول أنّ كلّ هذه المسرحيّات هي في مرحلة القراءة ولم يتم اعتمادها بعد .
أيضاً من الممكن أن نصوّر بعض المسرحيات الخالدة على شكل أفلام وهذا المشروع هو ضمن المقترح وإن شاء الله سيرى النّور في حال وصلنا إلى صورة نهائية تضمن سلامة هذا المشروع .

ماذا تودّ أن تضيف ختاماً ؟

أقول إنّ ما دفعني أكثر للعمل في مسرحيّة كاسك يا وطن هو أنّنا بحق نحب سوريا ولا نفضّل أي شيء آخر عليها ونريد فقط أن نحافظ على الصورة الجميلة لها بأي طريقة كانت وكلّي أمل بالشباب السوري وزملائي في الجامعة والمسرح ورفاقي الإعلاميين وإن شاء الله سنسعى بأقصى ما لدينا لنبقيها جنّة كما هي دائماً .

أغيد شيخو _ عالم نوح