أنا رسمت ذوي الاحتياجات الخاصة وأثر فيني على أبعد الحدود طفلة مكسور حوضها وتدب على الأرض كالقطة، هذا المشهد جعلني أستصغر نفسي أمام مشاكلي…

وأثر فيني بشكل كبير تأثيرا لن أنساه حين ذهبنا إلى الجبهة للرسم وإقامة الورشات الفنية، وكان الثلج يتساقط بغزارة كثيفة و هناك التقيت بجندي مغربي مع أقرانه … يقف على الحراسة وبيده بندقيته .. خاطبته فلم يردّ علي بأي كلمة .. ألححت عليه: لماذا لا تتكلم معي وأنا أخاطبك وأسألك .. فجاوبني: أنا أبقى ثابتاً فقط، ولو أنني سأتجمد من البرد لن أتحرك لأن هدفي هو الأهم. وفوجئت في اليوم التالي أن جميع هؤلاء الحراس ومن جملتهم ذاك المغربي قد طمروا في الثلج وماتوا.


هذه دروسا إنسانية لن أنساها طوال العمر … ومنها مشهد الصائم الذي يفطر على كسرة الخبز وبالمقابل منه تماماً شخص خارج من الملهى ويقدم كيلو من اللحم لإطعام كلبه. . هذه الطبقية أبكتني وجعلتني أفكر بالقاع وبالحياة ..

الموهبة، اطلاعي، قراءاتي، ثقافتي، موهبتي هي ما كونت شخصيتي.
الفرح لا يعني لي الكثير، لأنه حقا من حقوق الإنسان، ومن حق الطفل أن يلعب ومن حق الإنسان أن يفرح ومن حقه أن يتزوج ويمارس الفرح بجميع جوانبه، ولكن شخصياً… أنا لا أبحث عن الفرح، وهذا سبب إصابتي بالإنتكاسات الصحية الدائمة؛ بقدر ما أسعى لتقديم الفرح للأشخاص.. و بشكل عام الحزن هو ما يهزني.. والمأساة هي من صنعتني فنانة..

ليلى نصير امرأة المهنة والإرادة:
الفنان يجب عليه أن لا يتوقف وأن يستزيد من المعرفة والتجربة، وأنا عانيت من أمراض المهنة كثيراً، عانيت من ديسك في الرقبة بسبب الرسم بقلم الرصاص، والتدريس بالجامعات، عانيت بالتسمم من الرصاص، ومن الألوان الزيتية التي رسمت بها، وأصبت بالتكلس بالرئتين من الطباعة بالباستيل، أمراض المهنة وإرادتي وتصميمي على عدم الانقطاع عن وتيرة الأدب والفن هو ما كان ينقلني من مادة وأخرى.
أول تجربة كانت الزيتي، ثاني تجربة كانت الطباعة بالباستيل، وعندما أصبت بمرض بالعامود الفقري وساقني إلى عمل جراحي بعد أن جعلني شبيهة بالعاجزة أن أصعّد هذه الآلام والتجربة بالفن… فالتجأت إلى الطباعة بالباستيل، ثم اتجهت إلى قلم الرصاص، الذي حولني إلى أمراض أخرى وهكذا.. هكذا المرض كان ينقلني من تجربة إلى تجربة والإرادة هي من كانت تصنع الفن من كل محنة.. ومن المراحل الأخيرة الأكريليك ومن ثم الفلوماستر، فالفنان يحتاج إلى تطوير ذاته وتغيير مادته الأولى..

ليلى نصير ومعارضها:
أغلب معارضي كان يرتادها الفنانين والمثقفين والمخرجين وأغلب قطاعات الفن، أما باقي طبقات المجتمع فلم تكن متواجدة فيها.
هذه الظاهرة … ظاهرة عدم حضور الطبقة الشعبية للمعارض لم تجعلني أتقاعس عن إقامتها، فقدمت معارضي في دمشق ومعرضين في حلب، وفي اللاذقية عدة معارض، والرقة وحماه وحمص وأنا ما زلت قادرة أن أعطي ولن أموت إلا وأنا واقفة، والجلطات المتناوبة علي حالياً لن تمنعني من تقديم الفن لحظة واحدة.

الأستاذة ليلى نصير، بعد أن تبحرتِ في الفن والأدب، ذهبتِ إلى الجامعات أمْ الجامعات ذهبتْ إليها كيف تغرف منها، ماذا قدمتِ وماذا اكتسبتْ ليلى نصير من منابر العلم والفن في الجامعة؟
في الحقيقة، كنتُ المحركة الأولى في إصدار مجلة في كلية الفنون الجميلة، وهي الوحيدة التي أُصدرت في تلك الفترة.
وطلابي بالجامعة أنا فخورة بهم وبأعمالهم وخاصة من قدم منهم معارض في الفن والرسم. أنا أستطيع أن أطلق عليهم أبنائي باعتبار أنني غير متزوجة. بالإضافة لذلك أنا أرى كل من في الكون هم أبنائي فكيف من دربتهم وعلمتهم؟
أنا من النساء اللواتي تقدم أكثر مما تأخذ، ولا أبحث عن الأخذ بقدر ما أبحث عن العطاء.
ما قدمته من فن كان عبر احتكاكي بذوي الاحتياجات الخاصة وماسحي الأحذية وبائعي اليانصيب وتجسد على الأخص عندما ذهبت لجنوب لبنان وصورت معاناة الاستقلال والحرية بعدة لوحات عن الأشخاص والجنود والمقاتلين.

هل تشعر ليلى نصير أنها وصلت إلى ما تنشده في الفن أو الأدب أو الحياة؟ أم مازال هناك المزيد من العمل والعطاء والتقديم؟
بالنسبة ليلى نصير، لا يوجد نهاية إلا بالموت. ففي فني سأبحث وفي حياتي العامة سأعطي، وعندما أتوقف عن العطاء أعتبر نفسي قد انتهيت.

ليلى نصير تحمل الضدين، الرقة المتناهية، والصلابة المتناهية، فهي امرأة جدية بالمجمل حكّمت عقلها منذ طفولتها، وأثناء لقائنا معها كررت الكثير من كلمة (أبكتني). الصلابة أتت كونها امرأة عاشت في مجتمع مغلق، والطفل الذي في أعماقها قد تأطر بهالة العقل.
من على منبر العقل تتدحرج الدموع ومن على مراسم الفن هناك العفاريت الشعرية تخرج من روحها لتزهو الوان وخطوط …انها الفنانة التشكيلية القديرة ليلى نصير

تم عرض الصور اثناء اللقاء الصحفي الذي أجراه معها ثائر مسلاتي  وحررها نوح وثائر
والصور التي تم عرضها من أجل تعابير اليد عند ليلى نصير وسكونها … 

اعداد تحريرثائر مسلاتي وتصوير نوح حمامي علما انه أثناء نشر المقالة في ُأطر اعلامية أخرى يرجى ذكر اسم المحرروالمصور والمورد