استقبلتنا الفنانة التشكيلية ليلى نصير، وكان الحوار الذي أجراه الزميل ثائر مسلاتي وتصوير فيديو محمود مولوي وطبعا بحضور الفنان شادي نصير. كان لقاء ممتعا شمل أغلب نواحي حياتها الفنية والثقافية، ونقدم هذا الصباح بعض صور اللقاء وصور عن لوحاتها، على أن نستكمل إنشاء الله تحميل الصور ونص اللقاء في نفس الصفحة، هذا المساء. دمتم في رعاية الله.

استقبلتنا الفنانة التشكيلية ليلى نصير، وكان الحوار الذي أجراه الزميل ثائر مسلاتي وتصوير فيديو محمود مولوي وطبعا بحضور الفنان شادي نصير. كان لقاء ممتعا شمل أغلب نواحي حياتها الفنية والثقافية، ونقدم هذا الصباح بعض صور اللقاء وصور عن لوحاتها، على أن نستكمل إنشاء الله تحميل الصور ونص اللقاء في نفس الصفحة، هذا المساء. دمتم في رعاية الله.

وها نحن عند وعدنا ونقدم هذا المساء الجزء الأول من  الحوار

ليلى نصير
الرسم هو موهبة، وكان يجب على أحد الأساتذة أن يكتشف موهبة الرسم لدي، عمري على السبعين، وأفنيت حياتي في الفن والرسم، من الصعب أن تتلمس المرأة خطواتها وآمالها ورغباتها، بل يجب على هذه الآمال أن تحقق. أنا عشت في بيئة مشجعة من الأهل، والدي كان متفتح الذهن، والدتي كانت تهوى الأدب الغربي والعربي، فأخذت منها الكثير، عودتني أمي أن أقرأ .. وعندما مات برنارد شو لبست أمي الأسود ثلاثة أيام كتعبير لعشقها للأدب. عشت في الريف السوري وكانت وظيفة والدي قائم مقام، فكنا نتنقل في الريف بكل قضاءاته. أقمت في "راجو" البلد الذي يغلب عليها القحط، والفقر، وكانت مدرستي تبعد مسافات طويلة عن منزلنا وكنا نمشيها بالرغم من الثلج والبرد الغالب على هذا القضاء. وجود الأطفال الجياع والفقراء حولي جعلني أتأمل هذا القطاع الكبير حولي وأحاول أن أتفهم الواقع. العقل هو الذي بدأ يحركني. منذ طفولتي أنا إنسانة جدية أحاول أن أحلل الأشياء وأبحث عن الأسباب والجوهر.
أثناء الوحدة ما بين سورية ومصر جاءت منح مصرية للفن، فقدمت لبعثة وتم قبولي في كلية الفنون الجميلة في مصر، وكان عمري آنذاك 17عاماً.
كيف استطاعت الأستاذة ليلى نصير أن تدخل إلى عالم والفن والثقافة المغلق أمام المرأة وتتعايش مع هذا المجتمع؟
أنا لمّا كنت أعيش في جو الريف، الذي كان لا يخلو من الفقر والتعاسة، أوقد بداخلي المشاعر والأحاسسيس: بكيت كثيرا لمشاهد الأطفال والجوع واندمجت مع واقع هؤلاء الأشخاص في فقرهم وفي جوعهم وحتى في فرحهم وتعاستهم. تعاطفي مع هذه البيئة كان نوعاً من الحوار، واستطعت من خلاله أن أبقى في هذه المشاعر حتى الآن. هذه البيئة ولدت لدي شعورا بالمسؤولية اتجاه هؤلاء الأشخاص وكان هذا يعتبر السبب الأول في تفجير موهبة التعبير لدي. وثاني الأسباب كان عندما عشت في مصر.

ذهبت إلى القاهرة وكنت صغيرة السن ولكني التقيت مع طبقة مثقفة في مصر وعاشرتهم وكان الكثير منهم أساتذة لي من فنانين كبار وأدباء. لم يدفعي إلى الأدب حزن أمي على برنارد شو فقط، بقدر ما شجعني عبد الله عبد الكاتب السوري المشهور.
ليلى نصير وبعض الأساتذة الذين تتلمذت على يدهم في مصر:
مصر غنية جداً بالأدباء والفنانين منذ القدم، وعندما كنت أشاهد حضارتهم أبكي لعظمتها وجلالتها. وكان كبار الأساتذة هم أصدقاء لي، وكنت أزورهم في بيتهم وكنا كأبناء لهم. والمعاملة الجيدة من هؤلاء الأساتذة كانت محركة لي كي أغوص في مجال الفن أكثر، كمحمود مختار النحات والرسام، ومحمود سعيد أستاذ التصوير في جامعة القاهرة، وأمثالهم الذين جمعوا الحداثة والأصالة في الفن.، كل هذه الأمور ساعدت في صقل موهبتي وجعلتني أعود إلى بلدي وأنا أبحث عن أسلوب جديد يمتد بصيغة ما إلى اوغاريت وماري وآثارها القديمة، واستطعت أن أزاوج ما بين المعاصرة وتأثير الفنون القديمة لدينا.
ليلى نصير: عندما عدت إلى سوريا وجدت نفسي أسكب ما رأته عيني في مصر وما شهدته بقلبي وفني برؤية وتحليل الحضارات القديمة في سوريا.
أنا لم أحاكي هذه الحضارة بل تأثري بها كان استيعابا لها ومزجا للفن الذي هو مخاضا داخليا أبعاده تقنية.
أنا ما زلت أبحث عن المزيد من الإضافات لأن الفنان الحقيقي لا يتوقف. وعندما يتوقف عن بحث معين برأيي يكون قد انتهى، الفنان يجب أن يستمر بإضافة شيء إلى تجربته ويجب عليه أن يعيش العصر، ومن هذا المنطلق أنا أستمر في التجديد والمزج بين القديم والحديث، ما بين البيئة والحضارة والمفاهيم الفكرية والفنية.

 
         صقل الفن ما بين التجربة الذاتية والأكاديمية عن ليلى نصير:

لا شك أن الدراسة تعطي الفنان الكثير من الأدوات بدلاً أن يبحث من نفسه، الدراسة تحاول أن توصل الشخص إلى نتيجة أسرع …و ليس بالضروري كل شيء…
أفكار الإنسان، تأثره بالمحيط، بحثه، معرفته، التجربة هي تأثيرات في شخصية الفنان…… أنا فرضت احترامي كوني جدية في تعاملاتي مع الأشخاص حتى مع الفنانين والمسؤولين … أنا أعتبر نفسي أول من ساهم في التطور … وأنا أول من لبس البنطلون في سوريا كون أن موضوع البنطلون للمرأة يرفضه المجتمع … وأنا أولى من يرتاد المقاهي ودليلا على ذلك ارتيادي الدائم لمقهى البستان في اللاذقية منذ صغر سني وإلى الآن ما زلت أرتادها للكتابة .. … وما زالت طاولتي في مقهى البستان محفوظة حتى الآن.
. وكان من مسببات ارتيادي للمقاهي هو أني لم أر في منزلي جواً يساعدني على الكتابة فكنت أذهب إلى هذه المقاهي التي كانت توفر لي الراحة النفسية كنوع من الترويح عن النفس … وكنت متحررة أهرب إليها وإلى منتديات الرجال الذين لم تنزل سيرتي من ألسنتهم … ومع ذلك بقيت بينهم وأثبت نفسي عليهم.

ليلى نصير والكتاب:


تزامنت الكتابة ضمن محطات معينة، فكنت أكتب الأدب والشعر والقصة القصيرة في الوقت الذي لم أكن أملك فيه مرسماً …. ولما أصبح لدي مرسما وحيّزا للرسم تركت الكتابة … ثم ما لبثت أن عدت لها في الأوقات التي طغى بها علي مرضي .. كون أن الكتابة لا تستهلك جهدا مثل الرسم.
هناك تقارب كبير بين أسلوبي بالكتابة وأسلوبي بالرسم، فقد غلب على الكتابة أسلوب الأبيض والأسود وحتى في لباسي فقد كنت أعشق التضاد ..وهو يلائم … عواطفي سكبتها في الشعر، فكان للشعر علاقات بالحب والإحباط وأمور ذاتية أكثر .. ولكن بالنسبة للرسم وكوني فنانة أكاديمية علمني الرسم أن لا أرسم بلحظة … فأدخلني إلى العقل كي أخرج إلى اللوحة بفترات تطول لأيام … الشعر هو خلاصة مطالعة وثقافة وتجربة … والقصة القصيرة اختلف منظورها .. فقد اشتغلت بالأسلوب الواقعي المبسط والأسلوب القريب من الصيغة الشعرية، وتجربتي بنيتها على أزمنة ثلاث.. الماضي والحاضر والمستقبل، وتقربني تجربتي هذه إلى المعاصرة. هناك مجموعة أريد أن أنشرها قريباً.

ليلى نصير، لم تكن تقبل أن تؤخذ كأنثى جميلة في الوسط الفني، وإنما فرضت نفسها ولقبها كفنانة محترمة.
و ترى الجمال في نواح مختلفة … كالأشياء القديمة والمهجورة في المنازل التي توفر لها لوناً إبداعيا خاصاً. غير ذلك أنها ترى في النباتات والأشياء الجامدة أحاسيساً. فالنبات يبكي ويفرح.


هل تحضر ليلى نصير أجواء خاصة للرسم أو للكتابة أو الفن:


قبل أن أرسم أصاب بصراعات داخلية كبيرة، وأتخيل كيف هي اللوحة، وأتشوش، وأصاب بمخاض داخلي، وأصاب بتوتر كبير لا يزول إلا بتناول الطعام والأكل… فالأكل هو مصاحب للرسم بسبب عدم قدرتي تعاطي الشاي والقهوة والمكسرات والتدخين. فاليد تعمل والعين تعمل والفم أيضا يعمل. أنا لا أرسم إلا حافية القدمين و أنزع كل ما علي من حلي وخواتم كي أشعر بالحرية والطبيعية، لأنني أكره القيود.


أنا رسمت ذوي الاحتياجات الخاصة وأثر فيني على أبعد الحدود طفلة مكسور حوضها وتدب على الأرض كالقطة، هذا المشهد جعلني أستصغر نفسي أمام مشاكلي…


وأثر فيني بشكل كبير تأثيرا لن أنساه حين ذهبنا إلى الجبهة للرسم وإقامة الورشات الفنية، وكان الثلج يتساقط بغزارة كثيفة و هناك التقيت بجندي مغربي مع أقرانه … يقف على الحراسة وبيده بندقيته .. خاطبته فلم يردّ علي بأي كلمة .. ألححت عليه: لماذا لا تتكلم معي وأنا أخاطبك وأسألك .. فجاوبني: أنا أبقى ثابتاً فقط، ولو أنني سأتجمد من البرد لن أتحرك لأن هدفي هو الأهم. وفوجئت في اليوم التالي أن جميع هؤلاء الحراس ومن جملتهم ذاك المغربي قد طمروا في الثلج وماتوا.


هذه دروسا إنسانية لن أنساها طوال العمر … ومنها مشهد الصائم الذي يفطر على كسرة الخبز وبالمقابل منه تماماً شخص خارج من الملهى ويقدم كيلو من اللحم لإطعام كلبه. . هذه الطبقية أبكتني وجعلتني أفكر بالقاع وبالحياة ..


الموهبة، اضطلاعي، قراءاتي، ثقافتي، موهبتي هي ما كونت شخصيتي.


الفرح لا يعني لي الكثير، لأنه حقا من حقوق الإنسان، ومن حق الطفل أن يلعب ومن حق الإنسان أن يفرح ومن حقه أن يتزوج ويمارس الفرح بجميع جوانبه، ولكن شخصياً… أنا لا أبحث عن الفرح، وهذا سبب إصابتي بالإنتكاسات الصحية الدائمة؛ بقدر ما أسعى لتقديم الفرح للأشخاص.. و بشكل عام الحزن هو ما يهزني.. والمأساة هي من صنعتني فنانة..

ليلى نصير امرأة المهنة والإرادة:

الفنان يجب عليه أن لا يتوقف وأن يستزيد من المعرفة والتجربة، وأنا عانيت من أمراض المهنة كثيراً، عانيت من ديسك في الرقبة بسبب الرسم بقلم الرصاص، والتدريس بالجامعات، عانيت بالتسمم من الرصاص، ومن الألوان الزيتية التي رسمت بها، وأصبت بالتكلس بالرئتين من الطباعة بالباستيل، أمراض المهنة وإرادتي وتصميمي على عدم الانقطاع عن وتيرة الأدب والفن هو ما كان ينقلني من مادة وأخرى.


أول تجربة كانت الزيتي، ثاني تجربة كانت الطباعة بالباستيل، وعندما أصبت بمرض بالعامود الفقري وساقني إلى عمل جراحي بعد أن جعلني شبيهة بالعاجزة أن أصعّد هذه الآلام والتجربة بالفن… فالتجأت إلى الطباعة بالباستيل، ثم اتجهت إلى قلم الرصاص، الذي حولني إلى أمراض أخرى وهكذا.. هكذا المرض كان ينقلني من تجربة إلى تجربة والإرادة هي من كانت تصنع الفن من كل محنة.. ومن المراحل الأخيرة الأكريليك ومن ثم الفلوماستر، فالفنان يحتاج إلى تطوير ذاته وتغيير مادته الأولى..

ليلى نصير ومعارضها:


أغلب معارضي كان يرتادها الفنانين والمثقفين والمخرجين وأغلب قطاعات الفن، أما باقي طبقات المجتمع فلم تكن متواجدة فيها.
هذه الظاهرة … ظاهرة عدم حضور الطبقة الشعبية للمعارض لم تجعلني أتقاعس عن إقامتها، فقدمت معارضي في دمشق ومعرضين في حلب، وفي اللاذقية عدة معارض، والرقة وحماه وحمص وأنا ما زلت قادرة أن أعطي ولن أموت إلا وأنا واقفة، والجلطات المتناوبة علي حالياً لن تمنعني من تقديم الفن لحظة واحدة.

الأستاذة ليلى نصير، بعد أن تبحرتِ في الفن والأدب، ذهبتِ إلى الجامعات أمْ الجامعات ذهبتْ إليها كيف تغرف منها، ماذا قدمتِ وماذا اكتسبتْ ليلى نصير من منابر العلم والفن في الجامعة؟
في الحقيقة، كنتُ المحركة الأولى في إصدار مجلة في كلية الفنون الجميلة، وهي الوحيدة التي أُصدرت في تلك الفترة.

وطلابي بالجامعة أنا فخورة بهم وبأعمالهم وخاصة من قدم منهم معارض في الفن والرسم. أنا أستطيع أن أطلق عليهم أبنائي باعتبار أنني غير متزوجة. بالإضافة لذلك أنا أرى كل من في الكون هم أبنائي فكيف من دربتهم وعلمتهم؟


أنا من النساء اللواتي تقدم أكثر مما تأخذ، ولا أبحث عن الأخذ بقدر ما أبحث عن العطاء.

ما قدمته من فن كان عبر احتكاكي بذوي الاحتياجات الخاصة وماسحي الأحذية وبائعي اليانصيب وتجسد على الأخص عندما ذهبت لجنوب لبنان وصورت معاناة الاستقلال والحرية بعدة لوحات عن الأشخاص والجنود والمقاتلين.

هل تشعر ليلى نصير أنها وصلت إلى ما تنشده في الفن أو الأدب أو الحياة؟ أم مازال هناك المزيد من العمل والعطاء والتقديم؟
بالنسبة ليلى نصير، لا يوجد نهاية إلا بالموت. ففي فني سأبحث وفي حياتي العامة سأعطي، وعندما أتوقف عن العطاء أعتبر نفسي قد انتهيت.

ليلى نصير تحمل الضدين، الرقة المتناهية، والصلابة المتناهية، فهي امرأة جدية بالمجمل حكّمت عقلها منذ طفولتها، وأثناء لقائنا معها كررت الكثير من كلمة (أبكتني). الصلابة أتت كونها امرأة عاشت في مجتمع مغلق، والطفل الذي في أعماقها قد تأطر بهالة العقل.

 

لقاء: ثائر مسلاتي، تحرير ثائر و نوح

تحرير ثائر مسلاتي وتصوير نوح حمامي علما انه أثناء نشر المقالة في ُأطر اعلامية أخرى يرجى ذكر اسم المحرروالمصور والمورد.