تعتبر الروائية “لينا هويان الحسن” من الروائيات اللواتي يتعلقن بالمكان الذي أعطاها اللغة والرؤية لنسج إبداعها الذي له خصوصيتها كأديبة : البدو الذين قرأوا رواياتي احتاروا في تحديد انتمائي القبلي ولم يحزر أحد أني أنتمي

سيدة الصحراء السورية
     لينا الهويان الحسن

دمشق ـ عالم نوح ـ شادي نصير:

في أناملها، بعث للحكايات المختبئة بين جنبات الصحراء، وفي ما تخطه على الورق حياة نقلبها صفحة صفحة وكأننا أمام مشاهد الحياة بكل تقلباتها… نراقب معها السراب ونبحث عنه لنضيء على أسراره وهو الذي يختبيء تارة ويظهر تارة أخرى… وفي لغتها استنهاض لتراث البادية الذي له مفرداته التي لها خصوصية المكان والزمان.

تعتبر الروائية "لينا هويان الحسن" من الروائيات اللواتي يتعلقن بالمكان الذي أعطاها اللغة والرؤية لنسج إبداعها الذي له خصوصيتها كأديبة وهي حاصلة على إجازة في الفلسفة من جامعة دمشق، وتعمل صحفية في جريدة الثورة السورية حيث صدر لها عدة أعمال روائية وهي "معشوقة الشمس" و"التروس القرمزية" و"التفاحة السوداء" و"بنات نعش" و"سلطانات الرمل" أضافة إلى كتاب توثيقي بعنوان "مرآة الصحراء"، وقد التقاها "عالم نوح" وشادي نصير وكان معها الحوار التالي:

ـ أستاذة لينا، تقولين في إحدى حواراتك بأن الكتابة فرصة للعبث بأفكار الآخرين: " كتبت لأجادل الحياة وأخدش صمتها بالأسئلة ومشاريع إجابات". بعد روايتيك "بنات نعش" و"سلطانات الرمل" هل استطعت ككاتبة أن تحققي القليل من العبث بأفكار شخصياتك وتقدمين أفكارهم بما يناسب أفكارك وطروحاتك أو أن تقولبينها لتصبح كأفكارك؟

"العبث" مفردة تحمل الكثير في طياتها مثل "زحزحة، تغيير، تبديل، تعديل.." وقد غدا معروفاً أن لروايتي "سلطانات الرمل" و"بنات نعش" دوراً حقيقياً في زحزحة الفكرة النمطية السائدة عن الشخصية البدوية، أظنني استطعت احراز تغيير جاد بما كان يعتقده الناس عن البدو والعالم القبلي في سورية. وغالباً حدث ذلك بالمعنى الإيجابين فلم يعد البدوي مختزلاً بفرس وخيمة وابنة العم… إنما أخذت شخصيته وحياته وتاريخه أبعاداً أوسع وأكثر جدية.


ـ هل ترين أن الكاتب معني بأن يكون صورة يعكس حياة مجتمعه وبيئته، وما مدى تأثير البادية أو البيئة التي عشتها وتفاصيل الحياة فيها على مجرى أحداث شخصياتك؟

ليست المسألة أن الكاتب معني أو غير معني، ليس الأمر بيده ولا يمكنه أن يأخذ قراراً كأن يقول "أنا لست معني ببيئتي أو مجتمعي"… فنحن لا نكتب إلا أنفسنا ولا نشرح إلا ذواتنا وكل ما حولنا سيصبح حاضراً وقت الكتابة، لن نكون جديرين بحاضرنا ومستقبلنا إذا لم نمسك بماضينا، نقبض عليه، نأسره ولا نعيد إطلاقه إلا على طريقتنا ووفق رؤيتنا… لهذا لم يسعني كتابة أو ابتكار أبطالي بعيداً عن بيئتهم ومجتمعهم، كلهم متورطين سلفاً بماضيهم، هم تماماً مثلي، يشبهونني، مثلما يشبهون أرضهم المقفرة الهادئة، المهادنة تارة والعاصفة تارة أخرى.

ـ هل أنت مع وجهة النظر القائلة بأن الأدب العربي حتى الآن وتحديداً روائياً لم يزل قاصراً في الكشف عن مكنونات مجتمعاتنا العربية، ولا تزال الرواية العربية تعيش نوعاً من التخبط بين عالمها الخاص الأوربي وبين الشرق؟

طالما لم نقدم أديباً عربياً بحجم أدباء مثل ماركيز أو يوسا أو فوكنر… فهذا يعني أن الأدب الروائي العربي مازال يبحث عن مكانته… أمريكا اللاتينية مثلاً استطاعت أن تقدم ما يسمى بالأدب اللاتيني والذي أثبت حضوراً عالمياً فاق الأدب الاوروبي.


ـ لغتك في الرواية هي لغة تجنح نحو الشعرية، من أين لك كل هذا المكنون من الألفاظ والكلمات التي هي من صميم العرب والبادية؟

كبرت في وسط اجتماعي قوام علاقاته الاجتماعية "اللغة"، كل النساء اللواتي عرفتهن في طفولتي كن يحفظن أشعار سيرة الزير سالم وغيرها من السير… غالب الكلام الذي كنت أسمعه "شعري" موزون ومقفى… حتى الأحكام القضائية عند البدو كانت تتلى كأبيات شعرية… عمي الراحل كان "عارفه" أي قاضي، ولطالما سمعته خلال جلسات المحاكمات القضائية، يقول كلاماً قادماً من زمن جاهلي سحيق.




ـ يقال بأن الأدب النسوي لا يزال مقصِّراً ولا يزال أقل من الأدب الذكوري، هل ترين أن هناك أدب ذكوري وآخر أنثوي، وكيف تفسرين عدد الكتاب الكبير من الذكور؟

عندما تكتب المرأة من منطلق "نسويتها" ومن مشاكلها الشخصية كالطلاق وعلاقتها بالرجل فتنحصر سطورها ضمن نطاق أنثوي ضيق عندها سيطلق على نصها "أدب نسوي" أي سيصنف تبعاً للمضمون وهذه الميزة "النسوية" الضيقة، وسمت مرحلة طويلة من الأدب العربي بالعموم، ولم تزل كذلك، الأديبة العربية لم تخرج بعد من أسر أزماتها النفسية، ومناخاتها العاطفية المتقلبة… وهذا السبب بالتحديد أتاح للكتاب الذكور الظهور أكثر لأنهم كتبوا مواضيعاً متوزانة أكثر من النساء.

ـ النساء عنصر رئيسي في الكتابة التي تخطين بها رواياتك، ألا ترين أن النساء رغم كل الجرأة فيما تكتبين لا يزلن بعيدات عن الهدف في الحصول على ما يردن دون شرط أو قيد؟

المرأة دائماً تعيش أزمتها، أزمات النساء لاتنتهي، هذا في تكوينها وربما من أسرارها الجميله أنها كذلك… والتاريخ صنع منها كائنا مأزوماً على مر الزمان، والمجتمع العربي التقليدي زاد في الطين بلة، حالياً لا أرى ما يبشر بحلول حقيقية لمشاكل المرأة فليس الأمر مرتبط بأوضاع سياسية وحسب، إنما هنالك الموروث الإجتماعي التقليدي المتمسك بالصورة النمطية للمرأة… الطريق طويل… والمتاح هو تمردات شخصية هنا وهناك.

ـ ألا ترين أن ما توثقينه يعتبر في التاريخ وجهة نظر أحد أطراف القضية، كونك سليلة طرف من أطراف الحرب التي دارت وإلى أي مدى تستطيعين التغلب على الإنتماء للقبيلة وأن تكوني منصفة في سردك للوقائع؟

البدو الذين قرأوا رواياتي احتاروا في تحديد انتمائي القبلي ولم يحزر أحد أني أنتمي لقبيلة الجميله التغلبية إلا عندما صرحت انا بذلك. كتبت انطلاقا من تاريخ قديم يحمل في طياته الكثير، و لم أكتب انطلاقا من قبيلتي. لم أكتب بعد سيرة قبيلتي وإذا فعلت فإني سأهزم نفسي لأطمئن لانتصار النص.

ـ كتب الأديب الراحل "عبد السلام العجيلي" بعض التفاصيل المقتضبة عن البادية في قصصه القصيرة ولكنك تعتبرين أول روائية تخترق حاجز البادية وتدخلين إلى عوالمها السحرية وكأنك تكشفين عن سندباد جديد لم يعرف عنه أي شي وككنز بدأت تظهرين رونقه في ككتابتك، إلى أي مدى تعلقك بالمكانن وهل سنرى جديداً في كتاباتك يحمل طابعاً مختلفاً؟

تعلقي بأمكنتي لاشك أنه كبير، ربما قبل سنوات كان يكبلني كلما أردت كتابة نص جديد، لكن مع أعمالي القادمة سأكون قد قدمت عالما جديدا مغايرا للعالم الصحراوي المعتاد لقلمي. . من جماليات الأدب انه عالم يتيح لنا استكشاف الأرض التي تتوارى خلف أرض اكتشفناها. ودائماً هنالك وجه مقنّع يرغب الكاتب أن يعريه بالكلمات.

ولابد لعالم نوح أن يتمنى للروائية لينا هويان الحسن المزيد من العطاء والنجاح نحو العالمية كـ ماركيز أو يوسا أو فوكنر.

 

 

نقرأ في رواية سلطانات الرمل – صفحة 6

لازال قصر ابن وردان يقرأ كلمات السراب حوله ويتحداني :
كيف أجعل البادية التي هي أخت الصحراء مقروءة مطبوعة في سطور منتظمة وأوراق ناعمة . .
أجول مثل بدوي يلوب في فراغ الكثبان يؤنسه حفيف ذاكرة, و وقع حوافر
المغيرات . .
بفضل الغوايات تركض الخ
يول هناك , وتكون المغيرات صبحاً وظهراً وعصراً , مغيرات في كل وقت عبر طيات الزمن على سرير الصحراء المبسوط على ناصية تاريخ عتيق . . ترسم حدوده آفاق تصقل عريها المستقيم , الصافي , المستفيض , ودائماً لها معنى الصمت .
أغافل النسيان في رواحه ومجيئه وأندس بين بضع خرافات , مع الزمن ستكفي لأن تكسو جسدها بحراشف الأسطورة .

 

وأيضاً من سلطانات الرمل صفحة 319:

في الشرفة كان المشهد مثل فيلم وثائقي واضحاً صريحاً مباشراً : كل شيء منظماً , سليماً, منطقياً , وقف المكان كله عارياً : لا أبواب ليطرقها أحد . . لا أبواب ليوصدها أحد في وجه أحد . . مرحباً بكذبك أيها السراب . .


أما من رواية بنات نعش . . . فنقرأ
ثمة مراسم للنسيان يمارسها البدو، فهم يدفنون موتاهم ببطن الأرض، دون أن يؤطروا القبور بعلامة ما…دون أي إشارة أو رمز…ولا حتى رمز ديني…فالموت لديهم حقيقة أقوى من أي شيء…
تضيع قبور أمواتهم في متاهة الصحراء…يوفرون على أنفسهم النحيب، المتبادل بينهم وبين المكان…يبترون الصلة بينهم وبين الأمكنة…عبر الرحيل…
يعرفون أننا كبشر، مهما ابتعدنا عن القبور نظل معاصرين لحزننا…
لا ننسى قبراً
دُفِنَ فيه…نصف آخر ما…كان لنا…إنساناً، خُلِقَ ليكتشفنا، ويكمّلنا بشغف، دون أيّ إضافة أو تعديل…أو أيّ تسويات…دون أن يقترح أيّ تصحيحات لنا وعلينا…
ربما لهذا، حلّ البدو مشكلتهم مع الحنين للأمكنة عبر التنكر لها…تعلموا دفن موتاهم…ليرحلوا…
ربما يحدث أن لا يمروا من ذات المكان أبداً…ربما يمرون فيه دون أن يدروا…يعبرونه دون أن يحدسوا من يرقد تحت موطئهم… يجرفهم الحنين، إلى أماكن مجهولة…دون أن يخطر لهم، أنها يمكن أن تكون مدافن محتملة…مجهولة قادمة…لتصبح ذات يوم، منسية.

بنات نعش – صفحة 132

(نسمع وقع أقدام خلفنا…نلتفت وراءنا دون أن نبصر أحداً. إنّه الماضي. لطالما ردّدت هذا، وآمنت به…فالماضي ينتصب مثل أفعى على مفترق طرق، لا ندري متى نشاهده مدلوقاً…مثل دمٍ مفضوح…على الجسد الواصل، بين مؤامرة المنعطفات وكذبة المسارات.)

 

وفي ختام هذه الصفحة لا بد لنا من نشر هذا الخبر الذي يخص الروائية لينا هويان الحسن و 11 عشر قاصة أخرى

 
First Published: 2012-06-19
‘بانيبال’ .. تحتفي بأدب المرأة العربية

محرر المجلة: من حسن حظ بانيبال أنها لم تعد وحيدة في تحمل عبء نقل الأدب العربي الجيد إلى الناطقين باللغة الإنكليزية والى لغات اخرى.

ميدل ايست أونلاين ـ    12 كاتبة عربية في بانيبال 44

لندن ـ إحتفت مجلة "بانيبال" في عددها الجديد، رقم 44، بالمرأة العربية الكاتبة وخصصت لها ملفا أساسيا احتوى على أربع قصص قصيرة وثمانية فصول روائية لكل من حزامة حبايب (فلسطين)، فضيلة الفاروق (الجزائر)، ليلى أبو العلا (السودان)، حوراء النداوي (العراق)، رشيدة الشارني (تونس)، رينيه الحايك (لبنان)، هدى الجهوري (عُمان)، منصورة عز الدين (مصر)، مها حسن ولينا هويان الحسن (سوريا)، لطيفة لبصير وحنان درقاوي (المغرب) "وهن جميعا" طبقا لما ورد في افتتاحية المجلة "يكتبن بلغة قوية بليغة حول قضايا إنسانية مختلفة مثل الضياع، والهوية، واليقظة الشخصية، والهجرة، والنفي، ومعنى أن يكون المرء أسود في العالم العربي، والظلم والإجحاف، بالإضافة إلى قضايا السجن والتمييز والسفر والتقاليد المحليّة".