الشهرة ذلك الحلم الذي يسعى إليه أغلب الناس بطريقة أو بأخرى بشكل مباشر أو غير مباشر, تلك الفاكهة التي تأكلها بنهم فلا تشبع و تطلب المزيد…

 

 

الشهرة ذلك الحلم الذي يسعى إليه أغلب الناس بطريقة أو بأخرى بشكل مباشر أو غير مباشر, تلك الفاكهة التي تأكلها بنهم فلا تشبع و تطلب المزيد.

طبيباً كنت أو ممثلاً, معمارياً أو مقاولاً, رجلاً أو امرأة, مهما كان اختصاصك فالشرط الأهم للحصول على الشهرة التميّز و الإبداع فلا تكون الشهرة مستمرة إذا لم تستمر في عطائك و إنتاجك فإن توقفت لسبب ما ترى الناس قد نسيتك و خصوصاً في سلم صعودك للنجومية.

التواضع سرّ آخر لشهرتك و بالأخص في بداياتك فلن ينال المغرور نصيباً من الشهرة إنما تكون شهرته مزيفة تزول رويداً كلّما أصرّ على ازدياده غروراً, و صدقوني إذا ما رأيتم إنساناً تقدرونه و تعتبرونه قدوة لكم يتصرف بغرور ستحتقرونه مهما كنتم تعشقونه سابقاً فالعلاقات الإنسانية تميل لاستحسان النبل و الطيبة و التواضع و كل الصفات الخيرة فينا.

و يؤسفني القول بأنه منذ الأزل هنالك أشخاص تصعد على كتف أشخاص فيتعدون على إبداعهم و على مجالاتهم و أيضاً يسعون للشهرة عن طريق استغلال علاقاتهم بأولئك المشهورين, و هذا ما فعله نيوتن عندما ترجم نصاً عربياً لتفسير الجاذبية و تشدّق بأنه اكتشفها تحت الشجرة بعد سقوط التفاحة, و لا يخفى على باحثي التاريخ بأن نيوتن و غيره هم لصوص العلوم ممن أصبحوا علماء بالترجمة الذكية لمؤلفات غيرهم, و للأسف ساهمت مصانع التاريخ الحديثة في تأكيد المجد لها  و نفوا أخذه من بقية الأمم و الحضارات القديمة عربية كانت أم رومانية, و إني لأغفر لنيوتن أفعاله لأنه لص بذكاء خارق أو أنه على الأقل كان على دراية واسعة بما يفعله و أنه كان يتعلم كل شيء قبل ترجمته و نسبه إليه.

أما الآن و في القرن الحادي و العشرين نجد "نيوتن" قد لبس حلّة أخرى عن طريق "الوصوليين" الذين يكونون أقرب إلى الطبول التي تعطيك مظهراً ضخماً ينمّ  عن فراغ موحش, و ما أكثر الطبول في عصرنا فهذا يدّعي أنه ممثل و الآخر يدّعي بأنه كاتب وآخر ممرّض و …..الخ من الادعاءات التي قد تنفع صاحبها في مرحلة ما, و لكن سرعان ما سيختبر الميدان أولئك و يظهرهم على حقيقتهم.

من ناحية أخرى و كما ذكرت آنفاً نجد أن هناك أشخاص يحسبون أنفسهم يحسنون صنعاً وقد ضلّ سعيهم في الحياة , وأقصد بهؤلاء هم الذين يستغلون علاقاتهم كالصحفي (أو مدعي ذلك) المبتدئ الذي قابل العديد من النجوم فحسب نفسه في مراتب السمو معهم وأنه اكتسب شهرة لمقابلته لهم, و لهذا الشخص أقول : صديقي العزيز، المشهور ليس شخصاً ظهر على شاشة التلفاز لمرة و ظل يحدّث الناس بذلك, بل هو الذي ملّ من الظهور الإعلامي و ما زال يبحث في نفسه و شخصيته عن منحىً إبداعي جديد.

ليس من السهل أبداً أن تكون مشهوراً , فبالرغم من إيجابيّات هذا الأمر كمعرفة النّاس لك بالدرجة الأولى ومحبتهم لك بالدرجة الثانية إلا أنّ الشهرة تأخذ منك جهداً كبيراً وتقترب إلى درجة تحطيم نفسيّتك فعندما تحصل على الشهرة ,فإنك تطلب المزيد منها, فإن كانت شهرتك في جانب من جوانب الحياة كالأدب أو الفن أو العلم فستتحوّل إلى الجوانب الأخرى, وهذا الأمر سيقضي على أغلب وقتك وبالتالي سيؤثّر سلباً على علاقتك بعائلتك وأصدقائك فلن تجد لهم متّسعاً من الوقت وحيّز التفكير بل ستصبّ جلّ اهتمامك على تحصيل المزيد من الشّهرة, وسرعان ما ستشعر بالضيق وستتحطّم نفسيّتك شيئاً فشيئاً وستشعر بما يسمّى"غربة الروح" تلك الحالة التي تكون فيها بين آلاف المعارف ومئات الزّملاء وتشعر داخلك بأنّك على الرغم من وجودهم فإنك في عزلةٍ ووحدة, وهذا الأمر سيسبب لك الألم الداخلي وسيقودك إلى الفشل النّفسي وإلى مجاري الانحراف, فيصبح عندك دافع للغياب عن الدنيا فتقول:"ألا لو كان هناك شيء ينسيني الدنيا وما فيها" فتلجأ حينها لمخدّرات العقل ولتعاطي المشروبات الرّوحيّة إلى حدّ الإدمان أملاً منها بتغيبك عمّا أنت فيه من تعاسة فتهوي رويداً رويداً إلى أن يأفل نجمك وتتلاشى شهرتك فتصبح شخصاً قد كان فيما مضى نجماً, أما الآن فهو محطّ للازدراء والشّفقة, تتلاشى الأضواء من حولك لتنتقل إلى شخص آخر يعدّ بمعايير البشر شخصاً ناجحاً بامتياز إلى أن تقضي عليه بشكل من الأشكال وهكذا تنتقل الأضواء منه إلى آخر, فتكون الشّهرة بذلك معولاً هدّاماً للأنفس النّاجحة وقد تودي بصاحبها إلى الموت.

وهناك تأثير للشهرة لا يطال صاحبها فحسب, بل يطال المقرّبين إليه كأقربائه وتحديداً الأقرباء من الدّرجة الأولى وكأصدقائه الحميمين , فقد تؤثّر عليهم الّشهرة هنا إمّا بطريقة إيجابيّة أو بأخرى سلبيّة, فلربما يأخذك هذا المقرّب مثالاً أعلى له ويستفيد من شهرتك كدافع للنجاح وللوصول إليها أيضاً, وربّما قد تعود عليه شهرتك بتعاسة لا توصف فتكبّر من أخطائه أمام النّاس وتجعله محطاً للأنظار و للترقّب فتحدّ بذلك من حريته, فإن هو فعل شيئاً اتّجهت إليه أضواءك لتعطيه حصّة من البؤس الرّوحي أيضاً وبالأخص إن كان هذا المقرّب هو ابنك.

يعدّ حب الشّهرة مرضاً نفسياً يجب معالجته وقد أصيب به كثير من النّاس بل إنّ بعضهم قد يلجأ إلى الشّهرة بطريقة سلبيّة بل ويفاخر بسلبيّته أيضاً إرضاء منه لحبّه لهذا الفيروس الفتّاك.

هذا بالإضافة إلى أنّك إن كنت على مشارف الشّهرة فستتغيّر شخصيّتك وعاداتك الشّيء الكثير, فستحسب حساباً لأيّ عمل تقوم به ولردّ فعل الصحافة و الإعلام عليه وبالأخص الصّحافة الصفراء الّتي لا ترحم, وهكذا تتحوّل إلى شخص ازدواجي الشّخصيّة, شخصيّتك كمشهور و طريقة تصرّفها, و شخصيّتك كإنسان طبيعي, وهذا أيضاً يعتبر أمراً سلبيّاً عليك دون أن تشعر.

ومن النّاس من يتملّكهم حبّ الشهرة إلى درجة العمل في أيّ مجال متاح لعلّه يصل إليها, وهو في أغلب الحالات يكون كمن يراوح في مكانه, فيضيع عمره هباء منثوراً, فلا يفكّر أنّه إن ركّز على نجاحه في أحد المجالات التي يبدع فيها فسيصل إلى الشّهرة عاجلاً أو آجلاً.

وفي النّهاية لعلّه يكون للشّهرة الكثير من الإيجابيّات ولكنّها أيضاً تحتوي على سلبيّات لا يستهان بها فهي تحطّم نفوساً وبشر, و إليك عزيزي أيها الباحث عن الشهرة ركّز على إبداعك فستأتيك هي دونما جهد.

 

جلال مولوي _ عالم نوح