
محمود درويش الغائب الحاضر فينا لعلاء كعيد حسب
- أبريل 13, 2014
- 0
محمود درويش الغائب الحاضر فينا لعلاء كعيد حسب: كتب درويش لتبقى القصيدة في صورتها، و ليكون هو شاهدا مختلفا على الأحداث
محمود درويش الغائب الحاضر فينا / علاء كعيد حسب*
صحفي وإعلامي مغربي
تستقبلنا الريح، و قد تودعنا. يتطعم الفجر برائحة الخبز، يحمر الغروب بين يدي الغريب. يتوه الاسم في كينونة الشيء و شاعرية اللاشيء، و تفضح الهوية نفسها.. لكن الأكيد أن النشيد يحملنا أبعد من الكلمات إلى المعنى، الذي يلخص القصة و الواقع العام في كل ما هو شخصي و ذاتي.
هكذا درويش، كتب على السراب ليعيش.. ليتفتح الشعر على نفسه و على التفاصيل الدقيقة للجمال، لنستكشف ثوران الروح و هدوئها، عبر مجموعة من المواقف و الأحاسيس جسدت كل ما هو نبيل و ملحمي. فوق المادة، و بأسلوب دافئ يميل إلى السرد في أغلب الأحيان، ارتقي بالمألوف ليصبح حكاية و أنشودة. و ضمن هذا النسق، تتزامن تيارات الهواء مع دقات القلوب، و يرتبط الزيتون و الصحراء بجنون القصيدة. لنعلم كم هو الشعر جميل، و كم هي الحياة مظلمة من دونه.
و نحن نقرأ، نستطيع تمثيل المشاهد و التناغم مع ذواتنا دون المساس بجوهر الشعر ، أو الانحراف عن الأسئلة الكبرى التي تكسر صمت الشاعر. و لأنها الكل و نحن فقط نتقمص انطباع إحدى الشخصيات، تسكنك قصيدة محمود درويش و تذكرك بنفسك و بما حولك و بالكثير لينبض قلبك.. و تبقى إنسانا. إحياءً للغة أولا، و انتصارا للحظات الإنسانية الحاضرة في ذاكرتنا و أمام أعيننا ثانيا..
و بالتميز، و من بعد لآخر، و صل مع الشعر إلى أسمى مراتبه. بدماء جديدة و أسلوب خطابي قوي جعل الماضي و المستقبل يقتسمان جسد الحاضر، لتترابط مصائر الأزمنة مع مصائر البشر، و يصبح الالتزام بالقواعد مسألة نسبية خاضعة للوضع و الحاجة. و لعل مماثلته بين الوطن و المنفى و الحياة و الموت من نافذتي الحضور و الغياب، تكشف حرصه على الإخلاص للقصيدة، و إلى باطنه الصافي و روحه الجريحة. و هو ما يجعل تجربته الاستثنائية بصدقها و إحساسها المرهف، تقرأ و تغنى، و تسطر بأكثر من لون، و في أكثر من مكان..
لهذا، كان من النبل و الإنصاف علينا كقراء، التصريح بأن محمود درويش جاهد ليسمو بالقصيدة إلى الأفق الإنساني الذي يمثلها، بعيدا عن البلاغة السياسية و العقائدية التي تشبع بها الشعر الحديث. و القول بأنه كان يمثل فكرا أو مدرسة ما، يضع الشاعر في غير محله. لأنه حين كتب، شرح أناي و أناك و أناه، و منفاه، و الوطن بكل رمزيته، و الطفل الظاهر الخفي، و الآخر المغاير في فكره الشمولي.
كتب درويش لتبقى القصيدة في صورتها، و ليكون هو شاهدا مختلفا على الأحداث، و قبل أن ينام ترك نفسه مودعة فينا، و دون حضوره في يومنا العابر كشموع ليلة الحب. ليبقى الشعر حيا، و نحن أحياء.