أمطرت أكثر من قدرتي على البكاء
أكثر من جثتي
الحالمة بالموت
أمطرت…

يسعى الإنسان جاهداً ليقبض بيديه على جمرة الوقت القاتلة التي لا توفر فرصة لتنهش من هذا الإنسان أحلامه وطاقته النازفة على هذه الحياة.

هنا قصائد تحاول أن تدخل في هذه اللعبة المدمرة، فهل ستستطيع أن تهرّب بعضاً من أنفسنا في غفلة من السيد الزمن.

بين أيدينا محاولة … لنتواصل

محمود مصطفى درويش

 

هروب


أمطرت أكثر من قدرتي على البكاء
أكثر من جثتي
الحالمة بالموت
أمطرت…
لا مظلة للوقت الهارب
دمعة من عيني
لا صمت يكفي
لأغتسل بصوتك مني…
– هل يكفي أنّني
أخجل من الصيف
في عينيك وفيّ…
لأبرر الغياب
– هل يكفي أن أكون أنا
كما غيمة خريفية
هاربة من قبضة
السيد الغبار…
– يا رحمتي
التي وسعت كل شيء!
يا رحمتي
التي لم تسعني!
لا تعبثي بالصور…
ولا تكسري الزهر
على معصمي…
لا تمطري…
– دعيني أرتق
ذاكرتي بالأبيض
وأملأ أزمنتي
باللا معنى
ولا تمطري…

– فعلى جثتي
لن يزهر الصمت
ولن تهب رياح النور
على عالمي…
ولن تمطري!

غرق


أنزف دمي على
أسطح المنازل وأطير…
لا كلمات بيني وبينك
بل هوى…
كلمّا أوغل في جسدي
ظننت الشتاء
يمطر فيّ… حتّى أغرق
أجنحتي زرعت بالرحيل
وعيناي… أتقنت الغياب
أيّ غصن سأحمل؟
وأيّ أطفال سيبكون
عندما أطيل الوجع…؟
طعنت خاصرتي بوردة
وهربت…
أنتعل خوفي وكل
قصص طفولتي
وأركض خلفك…
ظلّك يتبعني
ولا أرى ابتسامة
ولا خطوة
كانت كلمّا جرحتْ أرضاً…
أيقظتْ فيّ ما خاف
النوم… فأتقنَ الموت…
يا أيها السائرون
في الليل
اقرؤوا نزفي…
املؤوا دمي بالقوارير
فهذه وصيتي…
أنا الذي..!


فخ الوقت

 
-لا تسقط في فخ الوقت
فهو عندما يناديك
يرديك!
لا يبحث عن نهار
يضيء بين كتفيك
بل … عن لياليك!
لا تسقط في فخ الوقت
دع كلماتك تمرّ بين شفتيك
وأنس…
أنّك كالليل كنت
دعها وتذكّر…
أنّك في الليل أصبحت …
تزجي القلق …
لترصف شاطئين…
ولا تبحر…!

-هذا الوقت…
تسقط في الفخ…
لا تقل هذا…
قل… كأنّني
إنّه… هو الوقت
وتعلّم فرح السقوط
عندما تنجو
بلا قافية…!