مرثية المدن النائمة لمحمد جمال طحان
- مايو 28, 2011
- 0
يا شاعراً كتب القصيدةَ ثمّ أغفى برهةً **
فوق الحريرِ ليفتكرْ **
لا تعتذرْ **
آنَ الأوانُ لننفجرْ **
آن الأوانُ ليزدهر تشريننا **
بصراخ درّةَ أو أبيه **
آن الأوانْ **
لنغربلَ التاريخَ عن غدنا ونختصرَ المراحلْ **
لتكن شجاعتُنا على حجم المقاصلْ **
مرثيّة المدن النائمة
بقلم د. محمد جمال طحّان
كان النهارُ يدافعُ الشمسَ الكسيرةَ عندما
رأسٌ تدحرج باتّجاه المدرسةْ
ويدان تجتاحان أبنيةَ الصديد
وتذيب في دمها أفانينَ الحديدْ
في كلّ دربٍ زفرةٌ
في كل ركنٍ صرخةٌ
في كل بيتٍ جُثَّةٌ
في كلّ أغنيةٍ شهيدْ
ومدينتي
جلست تداعبُ حلمَها
متثائبةْ
أغفت على وَهَنٍ يراودها الأملْ
حَلَمت بأمن رضيعها
حلمت وملّ الحُلْمُ من حُلُمٍ يرافقه الكسلْ
دقّت طبولُ الحربِ في وجه المدينةِ
فاستفاقت ميّتهْ
* * *
يا أمّةً نامت على آلامها
حتّى نَمَت كلُّ الطحالب فوق عينيها
وما اهتزّت لأضلعها الجفونْ
ما المسألة ؟
طرقٌ تفتّشُ عن مسالك أهلها
دُورٌ يحاصرها الرصاصْ
وتفسّخت حِلَمُ النساء شريدةً
من ذعرها
والطفلُ يبحث – خائفاً – عن مرضعةْ
مَنْ يسحبُ الأثداءَ من سيقانها
حتّى يعانقَها الحليبْ ؟
مَن يستجيبْ
إلاّ المعنّى درّةٌ أو حنظله
ماهمَّهُ لو عاد – وحدَهُ – حافياً،
وجعُ الطريقْ
لاشيء يوقفهُ ولا مَدُّ الحريقْ
وَي … درّةُ هو حنظله
يا درّةَ الآلامِ كنتَ مسالماً
وغدوتَ شعلةَ أمّةٍ لا تستكينْ
وغدوتَ باقةَ ياسمينْ
سنظلُّ نذكرُ ما حدثْ :
قد كان شمَّر كي يداعبَ حُلمَهُ
فتساقطت حِمَمُ القنابلِ وابلَهْ
خرج الجنينُ مقاتلاً بدمٍ تبارك نزفُهُ
وتركتموهُ بلا سلاحْ
سَقَطَ القلمْ
كلُّ القصائد ليس تنفعُهُ ولا هذي الهِمَمْ
يا شاعراً كتب القصيدةَ ثمّ أغفى برهةً
فوق الحريرِ ليفتكرْ
لا تعتذرْ
آنَ الأوانُ لننفجرْ
آن الأوانُ ليزدهر تشريننا
بصراخ درّةَ أو أبيه
آن الأوانْ
لنغربلَ التاريخَ عن غدنا ونختصرَ المراحلْ
لتكن شجاعتُنا على حجم المقاصلْ
* * *
كم ثورةً يلزمْ
يا سيّدي الأعجمْ
كم معجماً للصوتِ يلزمُكُمْ وكم مَرسَمْ
كم شاعراً مُلهَمْ
كم خنجراً كي يستوي نيسانُنا
ويعودَ فينا ماجدٌ أو درّةٌ أو حنظله
* * *
بدأ الألـمْ
سقط القلمْ
وتجمَّع الحزنُ الأشمّْ
في السنبله
ما المسألةْ ؟
قف سيّدي واقرأ بقايا المرحلةْ
هي خطوةٌ حتّى اقتحمنا كلَّ أسوارِ الصخور
فجلالُ صرخةِ درّةٍ نسفت طواحينَ الفجورْ
هي برهةٌ حتى غدونا غابة ً تجتاحُ
كلَّ سدودها
وتوزّعُ الأشجارَ بين البائسينْ
من معبد الظلم انتشرنا أوبئةْ
ونفضنا عن أهدابِنا وجَعَ السنينْ
للموتِ أغنيةٌ ويتقنُها سليلُ الثائرينْ
* * *
مابين بيتي والطريقْ
عشرونَ مشنقةً ونرجسةٌ
وكابوسٌ عتيقْ
باعوا الرصيفَ لضفّةٍ أخرى وأوقد حقدُهم
في كلّ أجنحتي الحريقْ
سرقوا الضياءَ فكيف أعبرُ
في الليالي المدلجاتِ إلى الصديقْ
ذبحوا السماءَ بطولهم
وتكدّسوا مثل النّمال على الدروبْ
فكيف أعبرُ .. كيف تعبرُ ..
كيف نعبرُ يابطلْ
* * *
يا شاعري .. لا تنتظر
سدّد سلاحَك بالمدافعِ والأظافرِ والعَلَمْ
سدّد رصاصَك بالقلمْ
قف صامداً
حطّم نواقيسَ الخطرْ
كن دائماً
كن مرّةً
كن مرّةً درعَ البشرْ
واشتم بقايا هيئةٍ لا تلتزمْ
بوعودها
اشتم فتاتَ ذكورةٍ لاتشتعلْ
لذبولها
ارجم خصال الصهينةْ
وابصق على كرسي سلالتها التي لا تعترفْ بسقوطها
انسف جدارَ الخوفِ من أعصابنا
للموت أغنيةٌ ويتقنها بنوها الثائرون:
يا سادةَ الطغيانِ إنّا صامدون
لا تحفروا قبر المسيحِ فلم يمتْ
في كلِّ مصلوبٍ ستُطوى مرحلةْ
فلقد تعلَّمنا الجَلَدْ
لا موتَ في هذا البلد
يا سادتي الأوباش إنّا قادمون
فغداً سينهالُ الدَّمُ العربيُّ
فوقَ رؤوسكمْ
وستُرجَمونَ
ستُرجمونَ
ستُرجمونْ