تجسيداً لدور الفن في العلاج السلوكي والتقويمي للمرضى، وتشجيعاً لهم على تنمية مواهبهم وهواياتهم ودمجهم في المجتمع، أقامت صحيفة الجماهير “اللجنة المهنية” بالتعاون مع فرع اتحاد الفنانين التشكيليين وإدارة مشفى ابن خلدون للأمراض العقلية والنفسية بحلب معرضاً تشكيلياً للمريض:
إبراهيم أحمد القديراني

 

 

 

  

تجسيداً لدور الفن في العلاج السلوكي والتقويمي للمرضى، وتشجيعاً لهم على تنمية مواهبهم وهواياتهم ودمجهم في المجتمع، أقامت صحيفة الجماهير "اللجنة المهنية" بالتعاون مع فرع اتحاد الفنانين التشكيليين وإدارة مشفى ابن خلدون للأمراض العقلية والنفسية بحلب معرضاً تشكيلياً للفنان:

 

إبراهيم أحمد القديراني

 

تضمن المعرض أعمالاً يدوية وقصائد شعرية من نتاج بعض المرضى الموجودين في المشفى، وتم افتتاح المعرض تمام الساعة الواحدة من ظهر يوم الثلاثاء الموافق 3-4-2012 في صالة الأسد للفنون الجميلة الكائنة في حديقة الروضة مقابل مؤسسة الخطوط الحديدية.

 

ابراهيم داوود رئيس لجنة المعارض لإتحاد الفنانين التشكيليين:

لقد تعاوننا في هذا المعرض مع مستشفى ابن خلدون كنوعٍ من العلاج النفسي لبعض النزلاء فيه والذين ليدهم موهبة إلى حد ما، حتى إن أحد النزلاء "إبراهيم" عندما علم أننا سنقيم هذا المعرض فإنه صراحةً تحول فعلاً إلى فنان منتج من خلال لوحاته التي قدمها خلال خمسة عشر يوماً والتي تراوحت بين الزيتية والباستل، ونحن من خلال هذا المعرض نحاول أن نشعر هذا المريض والذي يعتبره بعض الناس منبوذاً إلى حد ما، فنحاول ان نثبت وجوده وانه واحد منا وأنّ أي شخص من الممكن أن يتعرض لأي مرض من هذا النوع ولكننا يجب أن نعترف أن هذا الشيء موجود في مجتمعاتنا وهؤلاء الأشخاص لديهم عطاء من الممكن تقديمه من خلال هذه المعارض مثلاً.

أما المشرفة على الأعمال الفنية المقدّمة رشا ديبان تحدثت إلى عالم نوح قائلة:

كنت مشرفة على أعمال الرسم  والأشغال اليدوية "الصوف  والكريكو"، ونحن منذ فترة طويلة نتعامل مع المرضى وأردنا من خلال نتاج السنوات السابقة أن نظهر النتاج الذي لديهم من خلال هذا المعرض.

ونحن نتعامل معهم بشكل يومي تقريباً لذى حاولنا ان نعطيهم جزءً من خبرتنا ولكنهم رغم ذلك يمتلكون الموهبة أساساً والتي نتج عنها هذه الأعمال المميزة التي رأيناها اليوم.

أما مشرفة الفنون لارا إبراهيم فأضافت قائلة:

لقد تعاملنا مع المرضى كل حسب اهتماماته ولمعرفة ميولهم فقد كنا نسألهم عن الأعمال التي يرغبون القيام بها، وعلى هذا الأساس نحاول العمل على هذه المواهب وتنميتها، ولم يكن التقييم الفني لهم عشوائياَ وإنما كان البعض يمتلك الموهبة والقدرة الفنية وفي الوقت ذاته كان هنالك أشخاص هواة حاول التعامل معهم كذلك .

وكان الفنان التشكيلي صلاح الدين الخالدي متواجداً في المعرض وقد صرّح لعالم نوح قائلاً:

لقد كنت أمام لوحات فنية جميلة، وعلى الرغم من أنني سمعت أن اللوحات لأشخاص لديهم مرض نفسي ما إلا أن اللوحات تعبّر عن حالات حب عادية كباقي الأشخاص الذي من الممكن أن يمروا بهذه الحالة ، ومن الممكن انهم تعرضوا لصدمة ما في حياتهم فعبّروا عن هذه الصدمات عبر لوحات مختلفة، وأغلب اللوحات الموجودة مشغولة على قاعدة فنية محددة ولكن يبدو أن معاناته النفسية وتواجدهم ي مركز العلاج فإنهم طرحوا همومهم النفسية ومشاكلهم على العديدة من اللوحات، وأعتقد أن أغلبها هي حنين إلى الماضي  بالإضافة إلى العديد من اللوحات التي تصوّر الطبيعة الأماكن التي يشعرون بالارتياح فيها، ولكن أغلبها تعبّر عن حالات وصدمات نفسية  وعاطفية استطاعوا من خلال هذا المعرض أن يعبّروا عن المكنونات الموجودة في نفوسهم  بالنسبة للشباب، أما بالنسبة للبنات فهنالك أعمال جميلة وأعتقد أنه كان هنالك مشرفات كانوا يقومون بتدريبهم، والأمر مشابه لديهم من ناحية وجود الصدمات العاطفية والإنسانية من خلال الأسرة، وأرى بالمجمل ان كافة اللوحات التي رأيناها تنم عن هواية واعدة ويمكن أن تتطوّر في المستقبل.

وقد إلتقبنا أيضاً بوالدة أحد المشاركين "أم إبراهيم القديراني"، والتي عبّرت عن سعادتها بمشاركة ابنها في المعرض قائلة:

أنا سعيدة جداً بهذه المشاركة لأبني في هذا المعرض والتي أتمنى أن تكون بادرة خير تجاهه، وأتمنى أن يتطوّر أكثر في المجال الذي يحبه ويرغب في القيام به في المستقبل، وأتوجه بالشكر الجزيل إلى كل الصحفيين وإدارة المستشفى وكل الذي سعوا إلى إقامة هذا المعرض.

وكان لا بدّ لنا من الوقوف لدى الدكتور "زياد العمري" الذي تحدث عن كيفية التعامل مع المريض النفسي بشكل عام قائلاً:

إن التعامل مع المريض النفسي له طبيعة خاصة، فحتى المريض النفسي يحتاج إلى دفء وإلى معاملة لينة تستطيع من لخالها أن تفجّر كل طاقاته ومواهبه، لذلك فكلما استطعت التقرّب منه روحياً وداخلياً فإنك تستطيع الحصول على مكنوناته، وبالفعل فقد لمسنا أن لدى بعض المريضين نفسياً مواهب رائعة بحاجة إلى اكتشاف.

وحول مقولة أن بعض الفنانين من الممكن أن يصلوا إلى حالة إخلال عقلي في مراحل من الإبداع قال:

أنا مع هذه المقولة تماماً لأن الفنان بشكل عام متمرّد على مجتمعة وهذا التمرّد  أحياناً يفسّر بأنه خروج عن العادات والتقاليد وبالتالي هذا الخروج يفسّر بأنه مرض نفسي أو جنون، وهذه المقولة يجب أن تصحح لأن الفنان سبق عهده بفترة لدرجة حتى أن بعض الناس لا يقدرون قيمته وبعض الفنانين لا يقدرون قيمته إلا بعد وفاتهم.

أما عن الجانب الاقتصادي في دعم هذا المعرض فأضاف:

صراحةً لقد تكفلت إدارة المستشفى بكل التكاليف مشكورة، ونحن طبعاً نعرض هذه اللوحات للبيع حتى يستطيع الرسام أن يكسب منها ليتابع عمله في هذا المجال، وهذا المعرض بالتأكيد هو فاتحة للعديد من المشاريع القادمة والتي سنحاول العمل عليها قريباً.

في خضام التطور وكافة الوسائل فقد تم إهمال بعض الأمور على الرغم من أهميتها كالعلاج بالموسيقى والعلاج بالاسترخاء، فهذه الوسائل مهمة جداً ونتمنى العودة إليها بالإضافة للعودة بالعلاج بالوسائل الطبيعية دون المواد الكيماوية التي لها الكثير من التأثيرات الجانبية ونحن لا نزال مؤمنين جميعاً بأن لها دوراً كبيراً ولكننا نحتاج لمن يستطيع استوعاب المريض النفسي ليعالجه بهذه الطرق، والمشكلة أن الريض النفسي لا يتم استوعابه من قبل الأهل أولاً ومن معظم الجهات المعنية وغير المعنية ثانياً، لذلك نتمنى العودة إلى الوراء في هذا المجال من العلاج بالموسيقى والعلاج بالفن والعلاج بطرق طبيعية وسهلة.

ونحن نظلم المريض كثيراُ عندما نقول عنه "مجنونا" فهي وصمة تلحقه وتجعله رهيناً للكثير من المشاكل بالإضافة إلى المشكل النفسية كنظرة الأهل القاسية ومعاملتهم بالإضافة إلى معاملة الآخرين له وحتى عدم تقبل من يربط الارتباط بها بفكرة كونه مريضاً نفسياً، لذلك نتمنى أن تتغير الصورة النمطية للناس عن المريض النفسي وتصبح أكثر إنسانية وتقبلاً وهذا بدوره يحوّل المريض من إنسان سلبي إلى إيجابي بامتياز يملك الكثير من المواهب ويساهم بشكل إيجابي في المجتمع بشكل أو بآخر.

وأضاف حول التطوع والعمل الخيري:

إن للعمل الخيري بحد ذاته قيمة عليا والإنسان الذي يتبنى العمل الخيري هو إنسان نبيل بلا شك ولكن نلاحظ أن عددهم قل في الفترة الأخيرة بسبب الأوضاع المادية والتطور الذي جعل "المادية" تحكم كل شيء، ولكن هذا ليست قاعدة إذ هنالك العديد من الأشخاص الذي دعموا وتبنوا العديد من المواهب التي وصلت بفضلهم إلى درجة عالية من المعرفة وحتى وصولهم إلى المستوى العالمي إن أردنا القول، وأذكر على سبيل المثال الفنان الكبير "لؤي كيالي" الذي أتهم بالجنون في حياته ولكننا الآن نلاحظ أن لوحاته من اللوحات الأعلى قيمة مادياً وفنياً بالنسبة للفنان السوري.

 

أما المرشد النفسي "أحمد عبد الحق" فقال:

للتعامل مع المريض نفسياً لا بدّ للشخص أن يعرف ما يفضله المريض وما لا يفضله وإن تم التعرف عن بعض الإمكانيات لدى المريض فمن الممكن أن يتم تطويرها بالتعاون مع الأهل، وصراحة لدينا الكثير من الحالات المشابهة لحالة "إبراهيم" ولكنها ليست بنفس القيمة الفنية ويبدو أن ذلك يعود إلى كونه خريجاً من معهد الفنون التطبيقية بحلب، ولم نستطع اكتشاف موهبته أثناء دخوله الأول إلى المستشفى والذي لم يستمر طويلاً ولكننا في الفترة الثانية لامس لديه إبداعاً وحاولنا أن نطوّر  ما لديه، والذي ساعده كثيراً هو إجراء جريدة الجماهير لتحقيق حول الموضوع والذي كان له الأثر الأكبر في شعوره أن الموضوع جدي أكثر وليس مجرّد رسم في إحدى ورشات الرسم الموجودة في المستشفى.

المعرض كان بحضور كريم من رئيس وأعضاء فرع حلب لاتحاد الفنانين التشكيليين، رئيس فرع حلب لاتحاد الصحفيين، الدكتور جمال حساني عضو قيادة فرع حزب البعث في حلب، مدير الصحة ورئيس نقابة الأطباء ومدير الثقافة في حلب، ومدير مشفى ابن خلدون، السيد محمد الشيخ أمين تحرير جريدة الجماهير.

أما هالة ديب باحثة اجتماعية في مستشفى ابن خلدون فقالت:

نحن كباحثين اجتماعيين يكون عملنا متركزاً كثيراً في دور المسنين والمدارس والمؤسسات الخيرية، وكوني في مستشفى ابن خلدون فإن التعامل يكون مع مرضى نفسيين، وأهم ما في هذا التعامل هو تفعيل هواياتهم ومعرفة ميولهم وهذا من منطلق أن المريض النفسي يرتاح نفسياً كثيراً أثناء ممارسته لهوايته التي يحبها ويصبح أكثر مرونة في التعامل بالإضافة إلى اسقاطه لكثير من الأفكار التي تدور في ذهنه والتي يسقطها على أعماله فعيلاً، وهذا ما نتمناه أي أن نعرف ما يفكر به المريض من خلال أعماله وبالتالي فأن ذلك يساهم كثيراً في علاجه.

 

أما الصحفي "محمد الشيخ" فقد تحدّث عن التحقيق الذي أجراه والذي انتهى بهذا المعرض للمريضين نفسياً قال:

الفكرة أتت منذ حوالي الشهرين عندما عملت على تحقيق حول المخدرات، وخلال إنجازي لهذا التحقيق أصبح لدي بعض العلاقات وبعض المصادر في المستشفى، وعلمت عن طريق الصدفة أن هنالك مريض في المستشفى لديه موهبة في الرسم، فقمت بالتواصل معه سريعاً وأجريت حواراً صحفياً وقمت بنشره في جريدة الجماهير بالإضافة إلى صوره أثناء الرسم وصور بعض لوحاته، ومن هنا أتت الفكرة في إقامة معرض لهذا الفنان تحت رعاية جريدة الجماهير لتغيير النظر السلبية من قبل المجتمع لهؤلاء الأشخاص، إذ هنالك نوع من الإجحاف والظلم الذي يلحق بهؤلاء المرضى ابتداءً من المقربين منه إلى أن نصل إلى البعيدين عنه كلياً، إذ يعتبر الجميع أن المريض النفسي "مجنون" وهو غير صالح للدخول في المجتمع والانخراط فيه، فمن خلال هذا المعرض نوجه رسالة إلى كل من يعاني من مرض نفسي في إظهار هواياته وميوله الفنية وخاصة أن الإعلام يقف في جانبهم لتعريف الناس بهم وتطوير مهاراتهم والتي تأثر إيجابياً على نفسيتهم وتجعلها أكثر راحة وتقبلاً من المجتمع مما يساهم بدوره في سرعة علاجه.

وقد قال عن أهمية دور الأهل في علاج المريض:

للأهل دور أساسي في ذلك، فإن كان في العائلة شخص مريض نفسياً هذا لا يعني التعامل معه على أساس أنه عالة عليهم أو التصرف معه بطريقة دونية أو ما شابه، والعكس صحيح تماماً إذ يجب التعامل معهم بطرق خاصة جداً وجعله فرداً من العائلة دون تمييز لأن ذلك يساهم في علاجه  النفسي وبالتالي فهو يستطيع الاندماج في المجتمع في زمن قياسي ليكون كباقي الناس تماماً وحتى من الممكن أن يكون قدوةً  لنظرائه من الشباب الذين لا يملكون الموهبة التي لديه.

أما عن طرق العلاج في المستشفى فقال:

إن العديد من الأشخاص يعتقدون أن علاج المستشفى يقتصر على العلاج الكيماوي بالأدوية أو ماشابه، ولكن ذلك غير صحيح أبداً إذ إلى جانب ذلك هنالك الكثير من الطرق النفسية التي يتبعها الأطباء في علاج المرضى والتي تأثر أكثر بكثير من العلاج بالأدوية والمهدئات، فمهما كانت حالة المريض عصية فمن الممكن من خلال إذكاء هذه المواهب لديه أن تساهم في سرعة علاجه.

نشرت منذ أكثر من سنة موضوعاً عن "حبوب الوش" ما الإضافات التي لاحظتها في المجتمع بعد نشر ذلك التحقيق؟

إن هذه الحبوب هي نوع تصنع محلياً في مصانع الأدوية لدينا ولكنها تعطى للمرضى المصابين بأمراض نفسية وعصبية بجرعات محدودة جداً ولفترة محددة، بينما المدمنون عليها فهم هؤلاء الشباب الهاربين من مشكلة أو إثر المرور بأزمة اقتصادية أو عاطفية معينة أو حتى من الممكن أن تكون لمجرّد الترفيه لا أكثر، وقد أجريت العديد من اللقاءات مع المدمنين وحتى مع التجار في ذلك الوقت.

إن موضوع الإدمان موضوع أشمل من ضمنها المخدرات، وحتى المخدرات تشمل العديد من الأنواع ومن ضمنها "حبوب الوش" أو "الحبوب الدوائية والنفسية".

ما الجديد الذي قدمته في التحقيق نفسه منذ تلك الفترة؟

هنالك مواد جديدة للإدمان كالهيروين والكوكائين، وهنالك الكثير من الحالات المأساوية التي رأيناها نتيجة تعاطي هذه المواد كشاب قتل صديقة ورماه في البئر دون أن يشعر نتيجة غيابه عن الوعي إثر الهيروئين، وشاب آخر طلب من صديقة جلب ربع غرام من الهيروئين فأخذ الشاب المال ولم يعد فكانت النتيجة أنه قام بقتله بالإضافة إلى الكثير من الحالة التي ترتكب الجريمة نتيجة تعاطيها للمخدرات، ولكن النقطة الأساسية في الموضوع هو العلاج، فبغض النظر عن الاسباب التي جعلت من الشخص مدمناً على المخدرات فإننا لا بد من معالجته، إذ بعد الكثير من اللقاءات التي أجريتها توصلت إلى نتيجة أن المدمن على المخدرات هو ضحية وليس مجرماً لذلك لا بدّ للمجتمع والجهات الطبية والنفسية أن يقفوا إلى جانبه، ومن طرق العلاج وجود المستشفيات لهكذا حالات ولكن المركز الرئيسي لعلاجي المدمنين هو في دمشق ومع الأسف فإنه لا يحتوي غير /29/ سريراً مع العلم أن الإحصاءات تقول أن هنالك الآلاف من المدمنين في سورية، وهنالك قانون ينص على ضرورة وجود مراكز لعلاج المدمين في كل محافظة ولكن يبدو أن هنالك خللاً في تنفيذه، حتى أن هنالك مركز للعلاج في حلب وتم بناؤه ولكن إلى الآن لم يتم تجهيزه للاستفادة منه نتيجة وجود أخطاء في التنفيذ على ارغم من أنهم جلبوا المعدات والفرش والتجهيزات منذ زمن، وقد سلطت الضوء على هذا الجانب بالإضافة إلى توعية الأهل والمجتمع بذلك، وفي نهاية التحقيق قدمت العديد من الحلول ستجدونها في المقال المنشور في جريدة الجماهير والذي سينشر في عالم نوح أيضاً.

تحرير : أغيد شيخو

تصوير : نوح حمامي

حوار : جلال مولوي