و نقرأ للنحات بشار برازي هذه المقالة الفنية النقدية عن معرض الفنان التشكيلي جورج شمعون







 

 

 

 

عن معرض الفنان جورج شمعون


من قرأ ليس كمن رأى

بقلم النحات بشار برازي

في صالة نقابة الفنون الجميلة بحلب، وفي لقاء له مع موقع /عالم نوح/ قال الفنان شمعون واصفاً لوحاته [ أنا مصر على جانب. أن يكون لكل عمل ناحية إعجازية، فإذا انتهيت من العمل أحب أن أكون قد خلقت حالة إعجازية بصرية حتى أكون راضي عن عملي ].


فدهشت وقلت كيف يتحدث فنان عن نفسه بأنه صانع معجزات. والمعجزة خاصة الآلهة والأنبياء والصالحين بوصفها عمل أو حادثة، أو ظاهرة خارقة لقوانين الطبيعية، وتمنيت من كل قلبي بأن يكون الله قد أعطى سره لشمعون وإلا لما كان يتحدث عن نفسه بهذه الثقة، وقارنته مع بعض أقوال الفنان /فان كوخ/ بإحدى رسائله لأخيه تيو يقول فيها [ أستطيع أن أؤكد لك أنني أشعر بخيبة أمل مريرة، عندما أقارن نفسي بفنان مثل ميليه الذي استطاع أن يكون هو نفسه أثناء عمله وليس شخصاً آخر ].


وميليه هو أحد فنانين جماعة الباربيزون ولقب برسام المزارعين. وهناك بعض الدراسات تقول بأن فان كوخ نسخ أعماله أو حتى سرقها. ولم يُسمع ولم يُقرأ بأن فان كوخ يعتبر نفسه معجزة. وإن من يقرر ذلك هو الآخر الناس والتاريخ، ولكن قراءتي لعدد إضاءات رقم /14/ الاثنين 26/9/2011 وهو الملحق الثقافي لجريدة الجماهير جعلني متشوقاً لرؤية المعرض بما أكده على أن الفنان ليس عادياً وأن لأفكاره فلسفة خاصة.


والتقيت المعرض بصرياً للمرة الأولى، ثم عدت في اليوم الثاني بعد قراءتي لزاوية الأدبية الزميلة بيانكا ماضية. في زاويتها [رواق الحرف] وأعجبني المثل الصيني الذي أوردته بأن [ الصورة تساوي عشر آلاف كلمة. لما تتركه من أثر كبير في إدخال وتثبيت المعلومة في الذاكرة ]… سألت بعض الفنانين عن رأيهم بالمعرض فكان جوابهم [ عادي – أتحفظ – الله يعطيه العافية ] وغمز أحد الأصدقاء قائلاً بأن المقابلة [ كيسه و مليسه وأبتخرقا المي ] على قوله الفنان أحمد الأحمد بمسلسل بقعة ضوء.

و بأن الحكي ما علي جمرك، أو بأن أحداً لن يقرأ الجريدة بحيث تصبح معادلة من قرأ ليس كم رأى صحيحة. وخصواً بعد الوجبة الثقافية الدسمة التي سلخنا بها الفنان بحيث لم يترك اسم مبدع أو فنان إلا وذكره ليظهر لنا ثقافته العالية والتي انعكست سلباً لأنها شتت أفكاره وجعلته ناقلاً فقط لأفكار غيره وناسياً الحديث أحياناً عن تجربته.


أما في جوابه الأول فقد خلط عباس مع دباس، في تداعيات فلسفيه، فإذا كان الغلق أو الاغلاق في علم النفس الإبداعي هو [فشل المبدع في الوصول إلى أفكار وتصورات جديدة ] نتيجة الإرهاق أو إحباط أو نقص في المعلومات والخيال. حسب تعريف واطسون، وإذا كان عالم القول مختلفاً عن عالم الإبداع التشكيلي، إلا بطرائق التفكير، والإشارة التي يتحدث عنها غالباً ما يهرب منها التشكيليون بوصفها أضعف حالات الرمز. على كل الأحوال فهذا موضوع شائك وتحتاج مناقشته لعدة صفحات، ولكن التساؤل الأهم هل أفادت كل هذه الأسماء من [ البحاشة ] والمبدعين والتي جعلتنا نسرح بخيالنا ونتهيأ لرؤية أعمال [ معجزة ].


ضم المعرض أكثر من ستين عملاً من القياس الصغير توزعت وتناولت موضوعين رئيسيين تقنياً ودلالياً: 1- الأيقونة. 2- الأسطورة الملحمية- التاريخ السوري.


1-
الأيقونة
:


لم تخلُ تجارب أغلب الفنانين من محاولات عديدة في رسم الأيقونة وهناك آلاف منها منذ الدعوة العلنية للديانة المسيحية في عهد قسطنطين وحتى الآن والتي تناول أغلبها قصص المسيح والقديسين ورمز الصليب، وكان أغلبها متشابه في التشكيل وطريقة التفكير الدلالي والتقنية.


ولم يشذ الفنان شمعون عن القاعدة، بل قدم لوحات أو رسمات تمثل نفس الموضوع وبنفس طريقة المئات الذين سبقوه، ولم يفعل ما فعلته مستغانمي الذي يستشهد بها الفنان بأعمالها الأصلية، وتعرف الأصالة بأنها [ السعي للتحرر من الحلول المألوفة ]، ولم يستفد من مقولته عن الخزاف الإغريقي الذي أراد أن يبتدع قارورة واحدة فقط، بل أنتج ستين عملاً على طريق الخزاف الريفي الذي صنع اثنتي عشرة آنية مألوفة وكأن الفنان لم يقارن أبداً بين ما قاله وما رسمه، وعلى ما يبدو فإن انكبابه على الثقافة النظرية لم تترك له الوقت كي ينظر إلى ما أنتجه غيره من الفنانين في مدينة حلب على الأقل مثل الفنان جبران هدايا الذي ابتعد عن الوضعيات المألوفة للسيدة العذراء بتشكيلات جديدة عاكساً الضوء من وجوه نساءه الحالمات كدلالة على انبعاث النور من الداخل.


وكذلك ما فعله الأخوين بدوي بالمعالجات الجديدة لتقنيات اللوحة [الأيقونة].


والفنان جورج بيلوني الذي رسم العشرات من الإيقونات والذي أضاف الكثير من رموزه الخاصة إلى رموز مرحلة [ الدياميس ] الفترة السرية للدعوة المسيحية، وكذلك أنزل شخوصه من المقدس إلى حامل له.


والفنان إحسان حمو الذي قدم عشتار الربيع والسيدة العذراء كمنتجة للتجدد والخصوبة بطريقة جديدة وبعيدة عما تناوله الآخرون كحلول مبدعة تشكيلاً ومعنى.


ربما أنقذت الألوان الحارة التي استخدمها الفنان شمعون في أيقوناته التي يسميها شرقية من وقوعها كلوحة في خندق الرسمة.


أما باقي الأعمال التي تدور في فلك الأسطورة، فقد بدت وكأنها عمل واحد لأنها عولجت تشكيلياً بنفس الطريقة، وقد قسمت العمل التشكيلي إلى قسمين منفصلين- الخلفية التي اعتمد التقنية الصرفة التي اكتشفها الفنان وانبهر بها مما جعله يكررها في أغلب الأعمال، فبدت كورق الجدران أو فونات مصنعة ببرنامج فوتوشوب، وبقيت منعزلة عن الهدف [ اللوحة ] التي بدت هزيلة وكأنها أُلصقت لصقاً. فالمواضيع رسمت بأسلوب واقعي وبألون باهته وكأنها رسمت بقلم الرصاص، مع وجود أخطاء تشريحية مقبولة من طلاب مركز الفنون وليس من فنان بهذا الحجم.


أما اللوحات التي تنتمي للواقعية التعبيرية فقد بدت أفضل بخطوطها الإنسيابية وتوضعها الجميل على سطح اللوحة لكنها لم تفلت من السيطرة البصرية للخلفية.


أما من الناحية الدلالية، فلم يدخل الفنان شمعون في عمق الأسطورة بوصفها [ علم بدائي لتاريخ أولي يفسر الغامض المبهم بالخيال ] بل اكتفى بنقلها كمعنى ظاهري مقروء، ولم يضف أي تفسير خيالي جديد ولم يتساءل هل ديانا من قتلت الصياد بتحويله إلى غزال، أم أ ن ديونه التي صرفها على خدمه ومعاونيه في رحلاته، هل قُتل نتيجة الحب أم البغض، وهل من المقبول أن يلقى انكيدو الإنسان حتفه ليعيش السفاح جلجامش وتخلد الملحمة اسمه.


لا أشك بأن الفنان جورج شمعون يعتبر من أعلام التشكيل في سورية، ولقد رأيت الكثير من أعماله المهمة في معارض سابقة له وعلى الأنترنت، ولكن لكل حصان كبوة وأرجو أن يتقبل نقدي هذا فهو من باب الحرص عليه كفنان مهم، وخوفاً على الحركة التشكيلية السورية من الوقوع في مطب الإعلام المجامل وإضاءاته التي تحافظ على البصر وتُفقده البصيرة.


بشار برازي – نحات

 

معرض الفنان جورج شمعون و لقاء معه و أيضاً مقالة حول المعرض بقلم الفنان والناقد عبد القادر الخليل