عندما كنت سابقا اقرأ اسمي دون لقبي العلمي كان ينتابني الغيظ وأحزن بعض الشيء …
اللهم اشهد اني بلغت.
مقالة شيقة للمهندس باسل قس نصر الله.

الألقاب والمناصب بقلم المهندس باسل قس نصر الله

عندما كنت سابقا اقرأ اسمي دون لقبي العلمي كان ينتابني الغيظ وأحزن بعض الشيء .. إلى أن حضرت محاضرة، لم أعد أذكر لا أسمها ولا موضوعها، وكل ما بقي منها في ذاكرتي هو سلسلة الألقاب التي تم تعريف المحاضر بها، فقد بدأ عريف المحاضرة بالقول: إننا نجتمع اليوم لنستمع إلى محاضرة للأستاذ الدكتور فلان الحائز على دكتوراه في …. من جامعة …. وهو يشغل منصب مدير برامج البحث ….. في مركز البحوث …. في …. إضافة إلى كونه المسؤول المشارك في البرنامج …. العلمي في وزارة …. وهو كاتب الصفحة …… في المجلة العالمية…..الخ من الألقاب التي تجاوزت العشرة، ومنذ ذلك الحين أصبحت أتحاشى الألقاب (إلا من لقب مهندس).

الموضوع ليس في الألقاب بل في الخوف المتأتي عنها، فعندما تقوم بتعريف شخص ما بهذه الصفات، تجعل الذين أمامه يخافون من سؤاله أو مناقشته، فمن هو الشخص الذي سيناقش تلك الألقاب كلها، أو المهام التي يختفي خلفها المحاضر.

خلال سيري في شوارع المدينة أقرأ الألقاب العلمية على اللوحات المضيئة – سأعتذر من الأطباء ولكنني لن أسكت عن واقع أراه – ، فهذا زميل في جمعية الجراحين في بريطانيا وحائز على شهادة (يكتبون الحروف الأولى باللاتيني)، وذلك زميل في جمعية جراحي العظام في اميركا، وغيره حاز على شهادته من جامعات ومشافي فرنسا (أي أنه حسب فهمي قام بالدراسة في جامعات فرنسا كلها والتي يتجاوز عددها 113 جامعة وعمل في مشافيها كلها) وكلما كانت اللوحة التي تشير إلى الطبيب زاخرة بأسماء الاختصاصات (مدروزة درز) كلما اقتنع المريض أن هذا هو من يبحث عنه، حتى أنه في إحدى المرات سمعت شخصا يقول لرفيقه:

"هل أنت متأكد أنه الطبيب المطلوب؟

إن لوحة إعلاناته صغيرة".

منذ سنوات درجت عادة الحصول على ألقاب علمية من مرتبة الدكتوراه، فبدأ الكثير من هواة المناصب البحث عن طريقة سريعة للحصول على شهادات الدكتوراه مقابل بدل نقدي وبدون تعب، فلا من يَذهب ولا من يُسافر، كل الموضوع أنه في الأخير يُسافر الشخص المعني للسياحة ليس إلا، وخلال هذه الاسابيع السياحية يحصل على شهادة الدكتوراه (يا سبحان الله)

هذه الرغبة ظهرت لاقتناع البعض، وبايحاء من البعض الآخر أن المناصب – مهما صغرت – مرتبطة بلقب الدكتور (مهما كانت شهادة الدكتوراه ومهما كانت البلد المانح لها) فمن دكتوراه في الاقتصاد السياسي إلى دكتوراه في أدب تونغا (وهي على حد علمي جزيرة صغيرة شرق استراليا) ودكتوراه في مسرح العرائس، ومن الأدب إلى الجغرافيا والفلك، فالتاريخ ثم الموسيقا الافريقية وغيرها، ومن طوالستان إلى قصارستان مرورا ببلاد الواق الواق، المهم أن نحصل على شهادة دكتوراه لتساعدنا في تسلقنا المناصب، والسلام.

أراد صديق لي أن يتابع دراساته العليا في إحدى الدول المشهود لها بالكفاءة العلمية، واستغرب صديقي أنه تم رفض منحه تأشيرة الدخول لدى مقابلته الملحق الثقافي، بحجة أنه لا يجيد أساسيات اللغة، فبالله عليك صديقي أما كان عليك أن تسأل كيف تم الحصول من قبل بعض هواة جمع الشهادات، (ولن اقول غير ذلك) على الكثير من شهادات الدكتوراه (علمية أو أدبية أو فلكية ) دون أن يجيد الممنوح له – بأحسن الاحوال – غير العربية !!!!!!!

اللهم اشهد اني بلغت