من الغرابة في النص إلى الغرابة في عنوان العمل إلى الغرابة والضياع في تلافيف الحياة اليومية تسجل فاديا شماس عملها الروائي الجديد في الترحال في عوالم شخصية الغريبة تبحث لها وفيها عن اسم لهذا الفقدان العظيم لم يعد هنالك ما يسمى وما يحمل اسم له الغررررريبة …

مقتطفات من رواية الغريبة لـ فاديا شماس

الغريبة
الإهداء

إلى كل امرىء عانى من الغربة الحقيقية في وطنه وبين أهله وقد انقرضت أشواقه و جعل نفسه بمنأى عن العالم كي يقرع أجراس غربته في معبده للزمن الكاذب

مقتطفات من  الغريبة:

الذكريات تعذبني،وأنا أرى الدرجات الرخامية المتآكلة الزوايا بفعل الزمن والتي تمثل قدمي بوابة القصر تفرض عليَّ أن أتوقف قليلاً كأن الغبار المتراكم على بوابة القصر و سوره تمنحك رائحة غريبة تفتح شهية الذاكرة على استحضار سكان هذا القصر الفسيح الأرجاء المترامي الأطراف الكثير الحجرات…يتوسط القصر ساحة فسيحة في وسطها بحرة ماء يعلو ماءها باتجاه السماء وحول البحرة أصص من الورد والياسمين والريحان التي ترتوي من رذاذ الماء.

يقطن القصر ثلاثة أجيال…الجدة الأولى وينادونها مامو بعد أن توفي زوجها فارس بيك،وهي الحاكمة الطلقة لكل أمور القصر وساكنيه….الجميع يخافها ويهابها ويحترمها ويطيع أوامرها وأحكامها العاقلة الرزينة،وهي بدورها تحرص على خزينة القصر من وارد الأملاك و الأراضي وما يجمعونه من محصول وبيع من كافة أنواع البقول،وهي المدبرة الأولى لكل شيء…إنها تزرع الإبتسامة والأمل على الوجوه قائلة:أملاكنا كثيرة وأراضينا خصبة ومحاصيلنا وفيرة انعموا بالمال والعز الذي تركه لكم ولدكم رحمة الله عليه فقط اعملوا بوصيته أحبوا بعضكم بعضاً.

…..آه من يوقف نزيف ذاكرتي عن هذا القصر!!!؟؟؟؟

نهض نعيم إلى جوار جثة رزان يحدثها حديث القلوب:يا لك من امرأة ضعيفة هل من المعقول أن تقلبي كل الحواجز دفعة واحدة كي تطيري في الفضاء وحدك؟؟؟!!!!

اقتربوا من الكنيسة أراد الرجال الأربعة الدخول بحملهم ليصلى على الجثمان،ولكن الكاهن وقف لهم بباب الكنيسة رافعاً يده بإصرار قائلاً: هنا ترقد الغريبة رزان…ولدت عام 1950 وماتت1975.

إنه يناجيها بأعذب الألفاظ حمامات من العشق ما تزال تتراقص في فؤاده الفتي،يغني بصوت عال صارخاً بحبها ينادي الجنيات كي تأتين ليرقصن له ويؤنسن وحشته.

اليوم عاد نعيم إلى رشده،وتخلص من سقوطه في لحظة ضعف أمام رزان،أما ماهر فحالته الصحية متدهورة إنني خائفة عليه.

…في الغد سنسافر جميعنا إلى حلب فلقد كان موسم هذه السنة شحيحاً،وقد ابتلاه الله والقدر بالموت والهموم والأوجاع والمشاكل وداعاً يا أعتى الرجال شجاعة كم أنا بحاجة إليك الآن الزمن يمر مرور السحاب ولا نعرف ما تخبئه لنا الأقدار لأن الحزن حال بيننا وبين المسرات.

لملمت خسارتها ونزيف عينيها يطفئهما الصمت لقد قررت أن تطعم أيامها وسنين عمرها لأولادها …..كانت تكره الخوف لأنه يحول الإنسان إلى حشرة تبحث عن جحر أمان.

أنا المتفرجة على العالم من نقطة شاهقة العلو…آه بدأت الكلمات بتهديم ذاكرتي وأصبحت نزيفاً يصعب إيقافه،والقلم بيدي جعلني المبدعة أمام مساحة الورقة البيضاء كي أعود لخلق من جديد حياة أبطالي .

وأجلستها إلى مائدة الطعام وهي تتجاهل الحديث عن زواجهما وفعلتهما كأن شيئاً لم يكن ،ارتاحت رندة لاستقبال أمها وقبلت أخواتها وتكلمت مع إخوتها عن جنينها وعن سعادتها مع أحمد وعن حبه لها،والجميع يبتسم مذهولاً من تصرف أم تامر نحو أختهم العاقة وهم يتساءلون.

شعرت أم تامر بانكسار شديد،وضوء من الحب نحو زوجها المريض مما أطال كأس الحوار بينهما نظرت إليه عانقت قلقه،وسافرت داخله متأبطة أحاسيسه ومشاعره.

بقيت رزان وحيدة في المنزل وقد تفتحت أنوثتها بسرعة مما جعلها قبلة للناظرين وقد قررت أم تامر عدم ذهابها إلى المدرسة لأنها جميلة جداً وكي لا تتعرض للأغواء وقد نصحتها أمها بعدم الوقوف بالشمس كي لا تشوه بياضها.

تمتم الشاب ما أجمل اسمك أيتها الصبية الفاتنة سأعود قريباً كي آخذ العنوان منكم لقد تأخرت وداعاً.

ابني نعيم رآها وهو يطلب عناوين أولادك في كندا فأعجب بها وصفها لي من أجل أخيه ماهر الذي لا يريد عروساً إلا فائقة الجمال شقراء.

إنه أسمر البشرة عيناه متعطشتان للمرأة ناعم أنيق ليس عليه أية بوادر من الرجولة كأخيه نعيم إنه لم يحرك فيها أية أحاسيس أو مشاعر.

تراه يتشبث بعظام صدره خشية هروب روحه من القفص وهي تنفر منه،ومن رائحة الخمر التي تفوح منه،لقد أدركت أن البشر كصناديق البريد المقفلة لا أحد يعرف ما في داخل الآخر.
انهال الجميع على ماهر بالتهنئة والتقبيل .

لأن الحقد موت ونحن أبناء هذه الحياة لن نترك حب أراضينا يتسرب من بين أيدينا لا تخافوا يا أولادي.

إنك تأسرينني بصمتك إنني حائر فيك رغم أنك مرسومة وشماً على قلبي أعلم أن أجراس الندم تقرع في داخلك ولكن أنَّى لك زوجاً.

ولكن باسمي واسم زملائي نطلب منك السماح على صراحتنا معك،وأن لاتبخل بتبرعاتك علينا ونطلب منك التكتم في الأمر؟؟؟؟

والخير إذا لم تكن له أنياب فلن ينتصر أبداً إن الأخلاق والإيمان بالمبادئ إذا لم تساعد الإنسان على الحياة بعيشة راضية فهذا هو الكفر.

وكذلك المرأة الحرة لا تتنازل لأحد وهي مؤولة تماماً عن تصرفاتها،والخوف والضعف من صفات البشر،والقمع والقهر يمنحانا الخوف والصمت والتمرد على الظلم،و التوق إلى الجمال والحب والعدالة أسمعي يخاطبون فينا العقل والروح.

اذهبي إلى الأولاد الفقراء وما أكثرهم وامنحيهم المال والطعام واللباس كي ترضي أنوثتك.لكنه مسلم شركسي.

إذا عرفت كيف تحافظين على قلمك تكونين قد ملكت المجتمع بأسره .

ما أصعب بكاء الرجال حين يؤنبهم ضميرهم؟؟؟؟

واقترحت عليّ القابلة عند أخذ المولود نقول أنه مات لساعته.

يا ولدي لرجال لا يبكون إنها اللعنة التي أصيبت بها كل نساء الأرض بالوجع ستلدين ألم تقرأ الكتاب المقدس.

إنها قلقة عليك أحببت أن أخفف قلقها.

لا…..لن أسامحه ولن أتابع حياتي معه إنه يغازلني ليمحي سقوطه وضعفه أمامي لن أتعامل معه وقد حكم عليَّ بمعاشرته وإرضاءه رغماً عني بعد أن عرفت الحب.. ما رأيكم أعزائي القراء بفترة استراحة،لأن قلمي تهالك وجف مداده،وأصابعي تشنجت،وكأنني مشلولة مقيدة معلبة؟؟؟؟!!!!

لقد انطفأت بعينيها مباهج الحياة حين يصدر زوجها أوامره وهو يصرح بها علناً المرأة يجب أن تطيع زوجها في كل أمور حياته،ولا تتحرك في فضاءات بيتها إلا بأمره
كلما تقدمنا خطوة نرى آثار خطواتنا على طريق مطبوعة

….نعيم انتبه لا ترمي قذاراتك داخل عائلتك ولا تدنس شرف أخيك إنها غريبة عنَّا.

ومناجلهم في أيديهم وسواعدهم القوية ووجوههم التي لفحتها الشمس بحرارتها القوية،وفي الطرف الآخر من الحقول حيث التكنولوجيا من حصادات وجرارات.

توسدت رزان سرير الرياح والعذاب،وعويل الروح قاسياً عليها.

ولكن يا أخي للصدور أسرار اترك سرك ضمن العائلة وعجل في زواجك لتخرس الألسن…

لقد خدعت الجميع بتصرفاتها بأنها نسيت الحب والقهر والعذاب واستساغت حياتها الجديدة.إنه الرجل الوحيد مع نساء أربع.

أنت رسمت دربك في رحم التراب.

شعر بالغيرة تتآكله وإنه مثل قنديل قديم فوق أشلاء الحقيقة.

لقد رأيتكما….لقد رأيتكما إنكما سافلان؟؟؟؟

لقد كشف أمرنا ماذا نفعل؟؟؟؟

تعالي الآن سأضمد جراحك وبعد ذلك نخلد للنوم يا حبيبة القلب….

إذن الأمر حقيقة وليس وشاية و لاشكوك ولا وساوس لقد طعنتني بالظهر أيتها العاهرة كم أنت قاسية أي منطق هذا الذي جعلك تبوحين لي بحبك .

وتجاهلت ناموس الحياة وهي تبتسم لتهرع إلى لقاء نعيم.

من الغرابة في النص إلى الغرابة في عنوان العمل إلى الغرابة والضياع في تلافيف الحياة اليومية تسجل فاديا شماس عملها الروائي الجديد في الترحال في عوالم شخصية الغريبة تبحث لها وفيها عن اسم لهذا الفقدان العظيم لم يعد هنالك ما يسمى وما يحمل اسم له الغررررريبة …

الغريبة
رواية
فاديا شماس
الطبعة الأولى 2006
موافقة وزارة الإعلام 269 – تاريخ 3/5/2005
الغلاف من المتحف المركزي
جميع الحقوق محفوظة للمؤلفة

دار عبد المنعم ناشرون
مؤسسة ثقافية تعنى بنشر الأدب والفكر والعلوم العربية والعالمية
سورية ـ حلب ـ شارع القوتلي ـ ص.ب. 6567 ـ تلفاكس 2114512