منير سليمان وقيوده الخمسة
اللاذقية ـ عالم نوح ـ شادي نصير.
في كتاباته روح متجددة، يختار أسلوبه بعناية، ويبحر في اللغة وكنوزها الدفينة، ترجم كتاب “فن الإغواء”، واصدر روايتين الأولى “ملحمة سباق الجرزان، والثانية التي صدرت في مطلع عام 2014 بعنوان “القيود الخمسة” وقد إلتقاه عالم نوح بالمحبة وكان معه الحوار التالي:

منير سليمان وقيوده الخمسة

 

عالم نوح ـ اللاذقية ـ شادي نصير:

في كتاباته روح متجددة، يختار أسلوبه بعناية، ويبحر في اللغة وكنوزها الدفينة، ترجم كتاب "فن الإغواء"، واصدر روايتين الأولى "ملحمة سباق الجرزان، والثانية التي صدرت في مطلع عام 2014 بعنوان "القيود الخمسة" وقد إلتقاه عالم نوح بالمحبة وكان معه الحوار التالي:

ـ في روايتك "ملحمة سباق الجرذان"، تدخل القارئ عوالم مختلفة وأزمنة متعددة بين الواقع والماضي في سرديات وفلاشات متنوعة، إلام ترمي في روايتك من إدخال عوالم وأزمان مختلفة في السرد الروائي؟

أشبّه الزمن ببحيرة نسبح فيها، حيث يكون الحاضر هو البقعة الصغيرة جداً التي نسبح فيها، والماضي هو المياه التي تركناها خلفنا، والمستقبل هو المياه التي سوف نسبح فيها، والتي كانت موجودة من قبل أن نصل إليها. هذا أحد أسباب إدخال أزمانٍ مختلفة في السرد الروائي، أما غايتي من إدخال عوالم مختلفة فتنبع من المقاربة الشاملة للحدث والشخصيات والأفكار، ومزج تعددية الزمان والمكان يدعنا نصل إلى السنن السرمدية التي تحكم الحياة والطبيعة البشرية أيا يكن الزمان والمكان.

ـ تختار في كتابتك بعض الألفاظ الغريبة والتي هي من صلب اللغة العربية الفصحى والتي في الأساس بعيدة كل البعد عن المتلقي للنص، ألا ترى أنه في هذا النوع من الأدب يصبح عبء على القارئ البحث في مضمون كلمات الرواية؟
أختار الكلمات بطريقة عفوية؛ فهذه المفردات جزء طبيعي من قاموسي؛ ولا أعلم السبب الذي يدفع بعض الكتاب إلى الاستغناء عن الآفاق الرحبة للغة العربية وسجن أنفسهم في قيودٍ هم اخترعوها أو توهّموها ليلوموها بعد ذلك على ما رأوه من عجزٍ فيها عن التعبير، أو إلى تبني اللهجة العامية والتي تضمن تقطّع الأسباب بين الكاتب والقراء خلال عقودٍ قليلة وخاصةً في ظل السرعة القياسية التي تتبدل فيها اللهجات العامية، وإذا أخذنا القارئ السوري على سبيل المثال فإننا نرى أنّه تعرّض لأرقى النصوص الشعرية في تاريخ العربية وهو ما يزال في مرحلة الدراسة، لذا فما الذي يدعوه إلى قراءة ما يَسهُل؟ يجب إيقاف هذا التسابق الاستهلاكي بين الكاتب والقارئ وهو من جملة الأسباب التي أدّت إلى عزوف الكثيرين عن القراءة، والقراءة بطبيعة الحال ليست هوايةً سهلة، شأنها في ذلك شأن الشطرنج أو عزف البيانو.

ـ تختار شخصيات ترفض الواقع سواء السياسي أو الديني وتنسج عالمها الخاص، تمجد البعض وتبتعد عن التمجيد في الآخر، ألا ترى أن ذلك يضعك في مساءلة من قبل القارئ، وكيف ترى الجدال في النص الذي تقدمه بين المتلقي وبينك؟

 

المعنى الأساسي لكلمة كاتب في الإنكليزية author هو صاحب السلطة، وهذه السلطة لا بد أن تكون سلطة المعرفة أو سلطة التغيير من خلال المعرفة؛ وأعتقد أنّ الواقع هو أقدم وأخلد اعتداء على الإنسان الذي يتحداه فطرياً من خلال الحلم؛ لذا فإنّ الأدب يظهر مدى هذا الاعتداء ونوعه من خلال التشخيص المتبصّر للواقع، ويضفي بعداً منهجياً على الثورة عليه من خلال تسليط الضوء على عوالم أجمل كانت ستظلّ حبيسة العقول التي أبدعتها لولا هذا التسليط. أما فيما يتعلق بالجدال بين المتلقي وبيني؛ فإنّ النص يحتوي على كثير من الأجوبة على الأسئلة التي قد تخطر ببال المتلقي، ويمنح القدرة على المضيّ بعيداً في حوارٍ منهجيّ.

 

ـ من تابع نهجك في الكتابة يرى أنك لا تترك النص ببساطة دون أن تضمنه لبعض التفاصيل والأسئلة وحتى الاستنتاجات "فيما بين الأسطر، هل ترى أن من واجب الأدب أن يكون الناصح للمجتمع وهل تعتقد أن الاستنتاجات هي فقط ما يصح، أضف إلى ما هو الهدف من ستر بعض التفاصيل وجعل القارئ يستنتجها في نصك؟

أرى أن قيمة الأدب تتحدد بمقدار الكشوفات المعرفية والنفسية التي يقدمها، وأنّ الأدب يجب أن يحمل بعداً رسالياً وليس وعظياً.

أما فيما يتعلق بستر بعض التفاصيل فالغاية منها هي إعطاء القارئ فرصة ليعبر عن ذاتيته من خلال اكتشافه لتفاصيل هي صدى هذه الذاتية، هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فهذا يعود إلى طبيعة النص المنسوج وفقاً لعدة مستويات: مستوى الحدث، المفردات والتراكيب، الإضاءات النفسية والاجتماعية، الخلاصات الفلسفية والرموز.

ـ هل لاختيارك الأسماء في كتابتك وتحديداً في روايتك "سراج" له دلالات نفسية وفلسفية عندك وهل تتوقع أن يتلقى القارئ نفس الدلالات؟

 

أختار الأسماء بحيث تعكس صفات أصحابها، والمثال على ذلك هو نور ودنيا وفريد وغيرهم من شخصيات الرواية، وقد تلقى بعض القراء هذه الدلالات أو دلالات مشابهة.

ـ في نسجك الروائي تعتمد على السرد دون أن يكون للشخصيات المرافقة للبطل إلا الدور الساند له وللحدث، حدثنا عن الآلية التي تعتمدها وهل ترى أن ذلك يفقد باقي عناصر الرواية ألقاها أم انه لكل منها حياته غي الرواية؟

 

الآلية التي اعتمدتها في رواية "ملحمة سباق الجرذان" هي آلية السرد وذلك كي أعطي النص صبغة وثيقة اجتماعية لمجتمع بُنِيَ على قاعدة إعطاء أدوار محددة جداً لأفراده، وقمع من يرفض الدور المُسنَد له،  ومن هذه القلة كان سراج. من هذا المنطلق نفهم لِمَ لم يكن للشخصيات المرافقة للبطل سوى دور الساند.

وتبين أن أسلوب السرد هو الأصعب، خاصةً وأنه يضع الكاتب في موقع المسؤولية عن كل كلمة ترد في السرد، وذلك على خلاف أسلوب الحوار الذي تحمل فيه الشخصيات جزءاً من مسؤولية الأفكار والطروحات.

 

ـ اليوم نرى أن من يتربعون على عرش النص الكتابي سوا رواية أو قصة أو شعر يستسهلون ويستغلون الشبكة العنكبوتية في اختيار النصوص وترجمتها بما يتلاءم مع واقع البلد المعاش، هل تعتقد أن الحدث الدائر في الشرق الأوسط وسوريا سيخلق نهجا جديدا للكتابة سواء الرواية أو القصة أو الشعر وإذا حدث هل تعتقد بأنه سيكون مختلف عما شهده العالم سابقا من نصوص للحروب؟

ينجح الكاتب عندما يكتب عما يعرف، لكن يستسلم بعض الكتاب لإغراء إرضاء توجهات القراء، خاصةً عندما يبدو أنّ مادة الحدث الذي استأثر باهتمام الناس متوافرة بشدة؛ ولن تستطيع الرواية أن تقدم بَصمتها إن اكتفت بمستوى النقل التصويري والتوثيقي للحدث، بل عليها أن تكشف السياقات الاجتماعية النفسية التي أدّت إلى هذا الحدث/ نجمت عنه. أما فيما يتعلق بالقصة والشعر فأعتقد أنهما ستشهدان زيادةً كبيرة على مستوى الكم، وعلى مستوى عدد الداخلين حديثاً في مضمارهما.

على العموم فستعاني الرواية جداً نتيجة تضخم المجتمع العسكري والديني على حساب المجتمع المديني، ونتيجةً لجدب الحياة الاجتماعية والثقافية الذي فاقمه بشدة الحدث الدائر في الشرق الأوسط. وإن اختلفت مقاربة الحدث الدائر في الشرق الأوسط عما شهده العالم سابقاً من نصوص للحروب فذلك بسبب تخوّف المجتمعات العربية الشديد من الحقيقة معزّزاً بجهود المؤسسات الإعلامية الكبرى لتشويه الحقائق، وضيق منظور الفرد العربي العادي.