في الوقت الحالي ربما لا يعي أغلب من في الساحة الفنية أهمية المخرج المسرحي أو حتى من يوصف بهذا الوصف, فقررت أن أوضّح للعاملين في مجال الفن و لمبتدئي الطريق الفني ما معنى أن يكون المرء مخرجاً مسرحياً

من هو المخرج المسرحي ؟

 …….. بقلم : جلال مولوي


في الوقت الحالي ربما لا يعي أغلب من في الساحة الفنية أهمية المخرج المسرحي أو حتى من يوصف بهذا الوصف, فقررت أن أوضّح للعاملين في مجال الفن و لمبتدئي الطريق الفني ما معنى أن يكون المرء مخرجاً مسرحياً, و حتى نصل إلى معنىً كافٍ و وافٍ علينا طرح العديد من الأسئلة لنفهم من خلالها عدة مفاهيم تعطينا صورة واضحة عن صفة المخرج و مهامه….

ما هي أركان الإنتاج المسرحي؟

1- اختيار النص.
2- وجود دار للعرض.
3- اكتمال وجود الممثلين و لوازم الديكور و الإضاءة و الصوت.
4- الإخراج.

كيف تتكامل الصورة المسرحية؟

الصورة المسرحية تتكامل بوجود عناصر أربعة و هي: الكلمة, التعبير, الجمهور, و التنظيم؛ فلا يقوم العرض المسرحي بدون وجود الكلمة سواءاً كانت تحتوي مضموناً فكرياً و إبداعياً أو أن غرضها فقط التسلية و الترفيه, و لا قيام لهذه الكلمة بدون الفنانين الذين يترجمونها إلى أحاسيس و أفعال على المسرح سواءاً كانوا ممثلين أو راقصين أو مغنين أو عازفين أو حتى فنانين تشكيلين.

و بالطبع لا تكتمل الصورة المسرحية بدون وجود الجمهور المتلقي سواءاً كان الجمهور قد أتى إلى العرض أو ذهب العرض إليه أو مرّ بشارع يتضمّن عرضاً.

و تختتم الصورة بوجود التنظيم الذي يجمع التراكيب السابقة و لا يختلف تنظيم المشروع المسرحي عن تنظيم المشروع الاقتصادي, فهو كما في الاقتصاد يتضمن العناصر التالية: رأس المال و الخدمات و المكان المخصص للمشروع, ذلك أن المشروع المسرحي يتحوّل إلى مشروع اقتصادي إذا ما انتقل من مرحلة الهواية و التجوال إلى مرحلة الاحتراف و الاستقرار و هذا ما حصل في المسرح الأوروبي منذ بدايات القرن السابع عشر حتى الآن.

إذن…. فما هي وظيفة المخرج؟

المخرج في المسرح المعاصر هو المخطط لمشروع الإنتاج المسرحي, و هو في الوقت ذاته العقل المدبّر و المبدع لتفاصيل العرض المسرحي, وهو القيادة الفكرية و الفنية للعرض المسرحي, و إن لم يكن بالضرورة القيادة الإدارية و المالية.

فالمخرج هو الذي يختار النص أو يوافق عليه إذا ما اختاره أحد العاملين معه, و هو الذي يحدد متطلبات العرض المسرحي: مكان العرض, الفنانين التعبيريين من ممثلين و راقصين و عازفين …الخ, أو يمكنه إيكال الراقصين و الموسيقيين إلى مصمم رقص و ملحّن و من ثم مراجعته لهم باستمرار.

الوظيفة الأهم لدى المخرج تكمن في اختيار الممثلين وفقاً للأدوار الموجودة في النص المسرحي, فعليه اختيارهم حسب المعايير الشكلية و الصوتية و التقنية الفنية و أيضاً حسب جودة أدائهم للأدوار, ثم عليه أن يدرّب هؤلاء الممثلين لفترة قصيرة تتراوح بين الشهر و السنة و يتم التدريب على مرحلتين:

1- مرحلة القراءة و تجهيز الحوار و تلوين النص (إكساب الكلمات حالاتها الصحيحة).

2- مرحلة الحركة و التمثيل الحركي على المسرح.

و بعض المخرجين يعتمدون على الثانية و قد يهملون المرحلة الأولى, ذلك إذا ما توافر لديهم ممثلين جيدين, أو حسب رؤيتهم الإخراجية.

يقول سيلفيو داميكو في وصف الإخراج نقلاً عن أكاديمية الإخراج في روما:

(فهم النص المسرحي, استنباط المحتوى الدرامي منه, و تحويله من الحياة المثالية للكتاب إلى حياة مادية على خشبة المسرح؛ و لتحقيق مثل هذا الهدف يجب أن تكون للمخرج القدرة على توجيه و تحريك مجموعات العاملين, و في مقدمتهم الممثلون، ثم الفنيون الموكلون بالمناظر و الأزياء و الأضواء, و في النهاية, إذا لزم ذلك, ميكانيكا العرض, و الموسيقى و الرقص: هذا هو الإخراج).

ما هي أهم المؤهلات التي يجب أن تتوافر في المخرج؟

نصل هنا إلى هذا الموضوع الهام الذي يغفل عنه الكثير ممن أخرج الأعمال و خصوصاً في مسارحنا السورية فما أكثر أشباه المخرجين أو مدعي الإخراج ممن لم يمتلكوا أدنى صفات المخرج و هو الثقافة الواسعة بكافة فئات المجتمع و ألوان الفنون, و لا بد أن يكون فناناً مبدعاً فإن لم يكن كذلك فلا فائدة منه في المسرح, و لا يشترط أن يكون المخرج ممثلاً بارعاً فهناك الكثير من المخرجين المبدعين ممن لا يجيدون التمثيل بشكل كبير, ولكي نفهم مقدار الثقافة التي يجب على المخرج أن يمتلكها يكفي سماعنا لجاك كوبو يقول:

(كلما كان النص المسرحي في الحقيقة غنياً في محتواه الأدبي و الشعري و النفسي و الأخلاقي, و كلما كان النص الدرامي عميقاً و عناصر الجمال الدفينة فيه عظيمة, و كلما كان النص الدرامي أصيلاً في أسلويه, دقيقاً في بنائه, كلما تعددت المشكلات و القضايا الحساسة التي ستواجه المخرج).

هل المخرج مطالب بتفسير ما يعرض؟

في الواقع إن هناك التباس في إجابة هذا السؤال ففي المدرستين السيريالية والرمزية يقدم المخرج رموزاً تحفز الجمهور على التفكير, و لكن أجمع النقاد و العاملين في المسرح على أنه على المخرج أن يقدّم تفسيراً واضحاً للنص الذي يتناوله, تفسير يتواءم مع القضايا الإنسانية التي يطرحها مجتمعه, فالمسرح ليس غموضاً كما يراه المدعون بأنهم "أهل النخبة" في بلدنا, فما معنى أن نقدم عرضاً لا يفهمه أحد, بل أن نغرق في رمزيته ليفتح المتفرج شدقيه من هول الصاعقة, و عندها يضطر لأن يقول أنني من النخبة, و أن يقدم "فزلكات" تعبيرية لكي لا يقال عنه بأنه غبي, و هو في الحقيقية ليس كذلك فليس ذنبه إذا قدم العارضين نصاً غير مفهوماً.

أخيراً…..

و في الحقيقة و من خلال ما سبق أرجو أن يكون قد تبيّن لكم أننا أمام صفة فنية ضخمة و على من يسمي نفسه مخرجاً أن يعي بأنها مسؤولية عظيمة فالأثر عظيم يا صديقي هذا إذا كنت تقدّم فناً و رسالة, فعليك أن تهضم نظرية المسرح و تقنياته بحيث تكون قادراً على استنباط هذه الرسالة و إيصالها للجمهور الذي هو أبعد ما يكون عن الغباء.

جلال مولوي