نبيل المالح وتحدي الواقع
- أغسطس 27, 2011
- 0
كما وعدناكم بلقاء مطول مع المخرج السينمائي المميز نبيل المالح فهذه صفحة اللقاء كاملة على الرغم من طولها فإننا ارتأينا ألا يفقد المتلقي التواصل مع اللقاء لذلك آثرنا تحميلها دفعة واحدة، حيث تحدّث المخرج عن كثير من الهموم على صعيد الحياة بشكل عام وعلى الصعيد السينمائي.
كما وعدناكم بلقاء مطوّل مع المخرج السينمائي المميز نبيل المالح فهذه صفحة اللقاء كاملة على الرغم من طولها فإننا ارتأينا ألا يفقد المتلقي التواصل مع اللقاء لذلك آثرنا تحميلها دفعة واحدة، حيث تحدّث المخرج عن كثير من الهموم على صعيد الحياة بشكل عام وعلى الصعيد السينمائي في سوريا على وجه الخصوص، وقد اتسم اللقاء بالجرأة والصراحة كما عودنا نبيل المالح في جميع لقاءاته والآراء التي يتبناها إزاء أي موقف كان فهو ما يزال يحمل حفنة التراب تلك منذ الطفولة ليرميها في وجه أي فساد أو أي ظلم يمكن يلتقيه.
من خلال إطلاعي على مسيرة حياتك الفنية لاحظت أنها ارتبطت بالمصادفةإلى حد كبير, فإلى أي حد خلقت المصادفة "المخرج نبيل المالح " ؟
بالفعل ارتبطت حياتي بالمصادفة؛ طبعاً إلى جانب المغامرة، فإلى الآن لا تزال حياتي مفتوحة على المغامرة و على ما هو ممكن. أي الأشياء التي يصادفها الإنسان في الحياة فإما هي موافقة أو معاندة له، و أنا أعتبر نفسي مستعداً لكل هذه الأشياء، وصراحةً هناك العديد من المصادفات التي وجدت في حياتي و منها أنني عندما كنت في الثانية عشرة من العمر كتبت قصيدة شعرية و أرسلتها لصحيفة لكي يعطوني رأيهم بها فنشروها لي على أنها قصيدة العدد، من المصادفات أنني عندما رسمت لوحة وقررت أن أشارك بها في معرض جماعي أصبحت بالصدفة ضمن المعرض السنوي للفنانين السوريين, و بعد هاتين المصادفين بت أكتب بشكل دائم في الصحافة السياسية و بصراحة إن كل ما أكتبه من مقالات و أشعار و كل ما أخرجته كان له منحىً سياسياً.. فخصص لي عمود في إحدى الجرائد لكتابتي السياسية و قصيدة أسبوعية في إحدى المجلات, و أعتقد أن هذا الأمر كان نتيجة حراك المناخ السياسي المتحرك آنذاك, و هكذا رسمت بداية حياتي في الصحافة و الرسم و كتابة الشعر.
بعدها كانت مصادفتي بالتعرّف على الملحق الثقافي التشيكي حيث كنت أحمل التصوّر العلمي و العلماني و كانت الفيزياء و لا تزال أجمل شيء في العالم بالنسبة لي, فسألت الملحق الثقافي عن دراسة الفيزياء النووية فنصحوني بدراستها في تشيكوسلافاكيا و بعدها بشهر و نصف توجهت إليها بالفعل و أنا لا أحمل سوى 200 دولار, لم يكن هناك آنذاك طائرات إلى براغ فكان عليّ أن أصعد بطائرة من بيروت إلى فينّا و بالقطار من فينّا إلى براغ, و كان هناك إعداد لشبه استقبال رسمي لي لأنني كنت أول الموفدين إليهم من سوريا و ذلك عام 1957, و من مصادفات القدر أنني أثناء رحلتي و عند وصولي إلى فينّا وقعت بغرام امرأة نمساوية فذهبت معها إلى سالسبورغ و أمضينا 15 يوماً بين الجبال الثلجية و عندما هممت بالذهاب إلى براغ كانوا قد ألغوا الاستقبال الرسمي لي، حين وصولي إلى براغ بدأت في مغامرة التأقلم مع الحياة حيث كنت لا أملك مصدراً مالياً و لم أكن أنوي تسجيل نفسي على أنني من بعثة و لا تحت إشراف السفارة و لا الإيفاد، فكنت أعتمد في الأمور المالية على موهبتي في الرسم و أبيع لوحاتي و أنشر أشعاري.
ذات يوم كنت جالساً في مقهى مع صديق عراقي في براغ و كنا نتحدث باللغة العربية, فسمعنا شخص من طاولة مجاورة و طلب الانضمام لنا فلم نمانع و عندها قال لي بأن لغتك العربية جيدة فأجبته ربما لأنني صحفي و أكتب الشعر, فتبيّن بأنّه صاحب إذاعة عربية في براغ و أنه بحاجة لمعدّين و محرّرين و مذيعين فطلب مني العمل معه فوافقت, و هكذا وجدت نفسي معدّاً و محرّراً و مذيعاً و لم يتجاوز وجودي في براغ بضعة أشهر, و من خلال ما سبق ترى بأن حياتي مبنيّة على المصادفات التي كانت تساعدني فيما كنت أبحث عنه.
و حينها دخلت فرع الفيزياء النووية هذا الاختصاص الذي يعتبر سرّياً و مغلق بالنسبة للدول في العالم و من غير المسموح لشخص أجنبي دراسته و لكن رغم ذلك تم قبولي, استمريت لعام كامل و نجحت في هذا الاختصاص.
أما عن براغ فيتابع قائلاً:
براغ مدينة ساحرة و تضاهي باريس جمالاً و كانت تتميّز برخص المعيشة آنذاك حيث كنا ننام و نأكل و نركب المواصلات بخمسة دولارات شهرياً, فكنا بالمال الفائض نذهب إلى المسارح و دور السينما و هذا ما يجعلنا مفلسين على الدوام, و في أحد الأيام أتى أحد أصدقائنا ليدلنا على طريقة لكسب المال و هي العمل ككومبارس في الأفلام و بالفعل ذهبنا في اليوم التالي إلى موقع التصوير وكنّا هناك تمام الساعة الخامسة صباحاً فألبسونا بدلات رسمية و أتذكر أن درجة الحرارة كانت 12 درجة تحت الصفر ، بعد ذلك تم أخذنا إلى أكبر الاستوديوهات في براغ و بقينا تحت أيادي المشرفين حتى الساعة الثانية عشرة حيث أتى كل من الممثل و الممثلة أصحاب أدوار البطولة و أتى السيد الكبير و هو المخرج عند الساعة الواحدة تماماً, و هنا قد لفت انتباهي أمر أننا كنا نعمل لأكثر من تسع ساعات بناءاً على فكرة موجودة رأس هذا المخرج وينفذها طاقمه؟!
في اليوم التالي ذهبت لتقديم طلب انتساب لكلية السينما و كان يجب علي الخضوع لامتحان قبول في شهر أيلول, و بالفعل ذهبت إلى الامتحان فوجدت أن هناك ثلاثة آلاف متقدم سيتم انتقاء اثنا عشر شخصاً منهم فقط.
أثناء التقديم حاولت أن أراوغ اللجنة بأن أتحدّث باللغة الإنكليزية بدلاً من التشيكية و تفاجأت بأن نصف أعضاء اللجنة عبارة عن محاضرين في الجامعات الإنكليزية و الأميركية و لكن كوني كنت على إطلاع بالأدب و الفلسفة و الفن تم قبولي و هنا كانت نقطة انعطاف في حياتي فآلت إلى الحياة الفنية، و أعتبر قرار دخولي عالم الفن من أكثر القرارات إصابة في حياتي, و من أهم مميزات تلك الفترة أنني كنت قد تعرفت على التراث الأوروبي بشكل عام من خلال سفري و تجوالي في أنحائها و دخولي إلى جميع مسارحها أثناء العطل و أيضاً درست الثقافات و الأديان و المذاهب الأوروبية من خلال دراستي و هذا الأمر كوّن على مدى سبع سنوات عشتها ما أسميه بخلطة نبيل المالح حيث كنت منفتح على العالم و متعلّماً منه و كل هذا كان بالاعتماد على ذاتي بشكل مطلق و أنا لا أزال في عمر الثانية و العشرين، كل هذا كان نوعاً ما مرحلة أولى في حياتي هناك.
أما المرحلة الثانية والتي أثرت بي كثيراً هي عندما أخذت جائزة على فلم التخرّج الذي قدّمته في إحدى المهرجانات في أوربا وبالتالي فهو حدد لي النوع والمستوى الذي يجب أن أعمل فيه، وكوني خريجاً فقد تم طلبي إلى أكثر من جامعة في أوربا لأحاضر فيها وبالفعل فقد حاضرت في أكثر من عشرين جامعة في أمريكا ولكني لم أتأقلم مع البيئة الأمريكية كوني تعودت على الحياة الأوربية لذلك عدت إلى أوربا ، كنت أبحث من خلال تجوالي عن وطن حقيقي فبقيت أبحث كثيراً إلى أن استقريت في سويسرا لمدّة سنة ونصف بين ومن بعدها في اليونان لحوالي إحدى عشرة سنة ومن ثمّ أتيت إلى سوريا لأصوّر فلم الكومبارس فشاءت الظروف أن أبقى هنا.
في هذه المرحلة بالذات كيف كان دور أهل نبيل المالح في مسيرته ؟
والدي كان طبيباً و صاحب رتبة عقيد في الجيش العربي السوري و كان ممن تم تسريحهم من الخدمة أثناء الوحدة بين مصر و سورية ، فقد تم تسريح 450 ضابطاً من الجيش العربي السوري, و أمي من عائلة الغزّي و كان خالي سعيد الغزّي رئيس مجلس الوزراء آنذاك لكن هذا الأمر لم يساعدنا بشيء فرئيس الوزارة آنذاك لم يكن بمقدوره أن يلعب دور الواسطة على الإطلاق, فكانت عائلتي من العائلات البرجوازية ذات النفوذ الضيق, و عندما قررت السفر كان الأمر أن أخفف العبء عن أهلي و أعتمد مبدأ العصامية في الحياة فمرّت عليّ أيام كنت فيها ثرياً و أخرى كنت فيها مفلساً تماماً, طبعاً أنا لا أنكر وجود بعض الأشخاص الذين لعبوا دوراً إيجابياً و مهمّاً في حياتي حيث فتحوا أمامي مجالات عديدة وزادوا من مقدار ثقافتي و إطلاعي على الحياة.
في المرحلة النهائية من أيام الدراسة كنت في حالة من التشبع أي أنني كنت قد عشت و جرّبت أعلى الحالات الإنسانيّة و أدناها و أنا أشكر الظروف على أنها مشت بي بهذا التنوّع الكبير.
عرفت بانتقادك الشديد للفساد وللدوائر الحكومية منذ فترة أديب الشيشكلي إلى الآن، هل يعني هذا أن شيئاً لم يتغير منذ تك الفترة إلى الآن، بالإضافة إلى أن البعض قال أن هذه الانتقادات كانت ردة فعل نتيجة أشياء أخرى خاصة بنبيل المالح ؟
في ذلك الوقت استلمت العسكريتاريا مقاليد الحكم في سوريا كان المنهج واضحاً في الانتقال من المجال الإبداعي في صناعة دولة حديثة إلى حالة حكم عسكري, و أنا من حيث المبدأ ضد هذه الطريقة و أذكر أنني عندما كنت في عمر السابعة تعرّضت لصفعة من جندي فقمت برمي حفنة من التراب في وجهه ثم هربت و منذ ذاك اليوم إلى الآن لم أنسى الصفعة و لم أفرّط في حفنة التراب التي بيدي وأنا مستعد لأن أرميها في وجه أي ظالم أو مستبدّ أو فاسد أينما وجدته .
لننتقل للحديث عن البيان الذي وجهته ضد المؤسسة العامة للسينما وبالأخص لمديرها محمد الأحمد فقد أدلى بتصريحات كثيرة حول هذا الموضوع ولكننا لم نعلم ما موقفك من تصريحاته ؟
تحدث الكثيرون عن هذا الموضوع كونه أخذ أبعاداً كثيرة وفي غير محلها بالإضافة للمداخلات التي أبعدت الموضوع عن جديته. أمّا ردّي فهو أن السينما السورية كانت ذات قيمة ومكانة إن كان محلياُ أو عالمياً ولكن محمد الأحمد أضاع هذه القيمة وقام بهدر مشروع ثقافي سوري مهم وبالتالي هو يتحمل النتائج السلبية للذي فعله.
اعتماداً على تصريحات للأستاذ الأحمد مفادها أن للمؤسسة سنوياً خمسة أفلام بالإضافة إلى كتاب، وحتى نبيل المالح مرحب به في المؤسسة على الرغم من شتمه لنا وتوقيعه بيانات ضدنا..، فإلى ماذا تحتاج المؤسسة أكثر من ذلك برأيك?
المؤسسة تقدّم أفلاماً معقّمة لا تتعدى كونها سهرات تلفزيونية، وقد أعلنتُ في جريدة السفير أني و بوجود هذه الإدارة لن أمنحها شرف انتمائي إليها والتعامل معها على الإطلاق، على كلٍ.. سنرى ما تحمله التحقيقات بهذا الشأن.
هو أيضاً تحدث عن هذا الموضوع قائلاً " عندما يكون لدى هؤلاء وثائق تثبت اتهاماتهم بالفساد فليتفضّلوا بنشرها وسننحني أمامها "، فهل من الممكن أن يأتي هذا التصريح من شخص مذنب برأيك ؟
ليست مهمتي تقديم الوثائق فأنا لست محققاً ولست جهة أمنية.. فملفاته موجودة في التفتيش ومن التفتيش تحولت إلى القضاء بعد أن تلكأت على طاولة الوزارة على مدى سنتين وتم إخفاؤها ولم يتم تحويلها إلى القضاء وقتها والآن ملفاته لدى القضاء، وهذه آخر المعلومات التي لدي وأرجو أن يكون القضاء نزيهاً.
بالانتقال إلى موضوع آخر، برأيك هل استطاع السينمائيون السورين تجسيد بيئاتهم بالشكل الصحيح و إيصالها إلى العالم ؟
إن كنت في مؤسسة ثقافية فإن أهم شيء في هذه المؤسسة هي مساحة الحرية التي تتمتع بها فإن كانت جميع الأمور خاضعة لرقابة شديدة فلن تستطيع تقديم شيء.. المنطق الأمني موجود في كل تفاصيل الحياة على الإطلاق وبالتالي يجب أن يمرّ كل شيء عبر هذا الفلتر الأمني … ولكن ليست النقطة هنا، النقطة أن الأفلام التي تمّ إنتاجها في عصره والتي تراوحت بين العشرة والخمسة عشر فيلماً لم تعرض حتى الآن..!؟ فالفيلم يموت بعد سنة واحدة إن لم يعرض فوراً فما بالك بأفلام على مدى عشر سنوات.. إذاً لا بدّ من التساؤل هنا " ما الذي منع عرض هذه الأفلام" هل هي فضيحة ما.. أم مستوى الأفلام أو أنه مستوى الطروحات التي تم تقديمها فيها أو مستوى الشكل الفني… فأنا من حقّي كمواطن عادي وليس كمخرج أن أرى هذه الأفلام التي كلفت المؤسسة للفيلم الواحد حوالي العشرين مليوناً، أي عملياً أن للمؤسسة مئة مليون ليرة مخصصة سنوياً للأفلام، لذلك فمن حقّي على الأقل رؤيتها.. لأن هذه الأموال هي أموال عامة وبالتالي أتمنى من المؤسسة أن تعرض الأفلام التي أنجزتها وأرجو أن تكون من بينها أفلام مهمّة وعظيمة وتحقق نقلة نوعية في السينما فإن وجدت…إذاً اعرضوها …
هل من الممكن أن يقدّم المخرج تنازلات تخفّض من قيمة العمل نزولاً لدى رغبة الجهة المنتجة ؟
نعم، إن المخرج يمر بمجموعة من التنازلات ابتداءً من قولهم: أن الميزانية محددة ولا نستطيع الخروج عنها.. وأن النص فيه كلمة من الممكن أن يتم فهمها بطريقة أخرى فيجب تغييرها، بالإضافة إلى موقف من الممكن أن تتحفظ عليه الرقابة.. فيتم حذفه.. إذن .. ضمن هكذا ظروف يضطر المخرج أن يقدّم مجموعة من التنازلات تتلخص بأن لا يمسّ شيئاً ولا يرمز إلى شيء ولا يتحدّث عن شيء.. و بهذه الطريقة أنت تقدّم فيلماً معقماّ تماماً والفيلم المعقّم ليس له لا لون ولا طعم ولا رائحة، فإن لم يكن هذا صحيحاً فلتعرض هذه الأفلام ليتم تقييمها من الجمهور … ولكن هذه الأفلام لا تعرض إلا نادراً وفي المهرجان السينمائي فقط.. هذا إن عرضت.
بالحديث عن المهرجان السينمائي، هل برأيك أن مهرجان دمشق السينمائي قد أضاف شيئاً إلى السينما السورية ؟
نهائياً… بل أضرها بدل أن ينفعها، لأن المهرجان يكّلف حوالي الخمسين مليوناً ويقوم بدعوة شخصيات تكون نسبة عشرة في المائة منهم مهّمين والباقي فعلياً غير مهمًين.. فأنت هكذا لم تحقق حضوراً يذكر، و المهرجان أيضاً على الرغم من محاولة تصبيغه بالصبغة العالمية إلا أنه غير مصنّف عالمياً وليس له أن ترتيب عالمي، وبالتالي إن صرف هذا المبلغ الكبير كان من الممكن أن تبنى به صالات لعرض الأفلام أو حتّى تموّل به خمسين مخرجاً شاباً ينتظرون فرصة صغيرة لإنتاج فيلم لا يتجاوز تكلفته المائة ألف ليرة، فلماذا لا يتم دعم هؤلاء الشباب المبدعين بدل صرف هكذا مبالغ ضخمة على الطعام والحجوزات والشكليات وهي بالنهاية لا تضيف شيئاً إلى السينما ..!؟، المناخ السينمائي ليس مناخاً جامداً بل يجب أن يكون مناخاً حراً ومجدداً ومبتكراً ويحقق إضافات على الساحة الفنية والثقافية وليس من المنطقي أن تقدّم خلال السنة أفلام تعرض عشرات الآلاف مثلها في العالم، وحتى أن التلفزيون أصبح يقدّم مواضيع أهمّ من السينما، والجميع يعرف أن " بقعة ضوء" خلال إحدى فتراته تجاوز كل شيء أنتجته المؤسسة العامة للسينما بالمقولات والأفكار التي قدموها وحتى أن مسلسل مرايا قد قدّم مواداً أهم بكثير من كل ما قدّمته السينما السورية خلال العشر سنوات الأخيرة، وبالتالي بدلاً من أن نصرف الخمسين مليوناً على نوع من الاستعراض الكاذب والذي لا يفيد شيئاً … نقوم بإنشاء مدرسة أو معهد لرفد وتصقيل كوادر السينمائيين الشباب وتبنّي أفكارهم لتُقدّم من خلالهم جيلاً كاملاً من السينمائيين والتجارب الشابة.
هل هذا ما يدعوا نجوم سوريا إلى اللجوء لخارج سوريا لتقديم أنفسهم ؟
عملياً الممثلون التجئوا إلى مصر وللتلفزيون أكثر من السينما لأن السينما في سوريا ليست واعدة، فالممثل يلتجأ إلى السينما لأن الفيلم إن كان جيداً من الممكن أن يخلّد الكادر الذي عمل في الفلم فأديب قدوره من خلال فيلم الفهد أصبح أيقونة سورية وبسّام كوسا من خلال فلم الـ كومبارس أصبح أيقونة سورية أيضاً وهو الآن يعرض في البرازيل وعلى الرغم من أنه مقدّم منذ عشرين سنة إلاّ أنك تراه معاصراً وجديداً لأن الفلم بشكل عام يحمل روحاً خاصة باختلاف الدراما التي تستهلك ولكن أيضاً يجب أن يكون الفيلم جيداً لكي يخلّد الفنان ولهذا يلجأ الفنانون إلى السينما بشكل عام.
لماذا نحن كجيل شباب لا نسمع بالأسماء التي لها آثار واضحة في نواحي إبداعية معيّنة إلا بعد وفاتهم كعمر أميرالاي، لماذا لا يأتي التكريم في حياتهم ويتم تقدسيهم بعد رحيلهم برأيك ؟
صراحةً أنا لم يأتني تكريم من سوريا على الإطلاق على الرغم من أني حاصل على أكبر عدد من الجوائز على مستوى الوطن العربي والتي تبلغ سبعين جائزة .. ولكن لم يقل لي أحد " مبروك" فأنا أكرّم خارجياً دائماً، أصلاً أنا أعتبر التكريم هنا يأتي متأخراً ومرفوضاً إلى حد كبير، فالذي يجابهك طوال حياتك ليس من المعقول أن تقول له (شكراً على تكريمي) فأنا أفضّل ألا يكرّمني أبداً، وعمر أميرالاي واحد من أهم التسجيليين في سوريا وعمل في أنواع مختلفة من الأفلام وهو نقطة علامة للسينما التسجيلية العربية على الإطلاق وله حضوره العالمي بنوعية الأفلام التي قدمها وليس بعددها، وأفلامه أعتبرها وثيقة للعالم الذي نعيش فيه، وهو كان غائباً لأنه تم تغيبه وليس لأنه لا يريد الظهور، وهو رغم رحيله مكانته مضيئة دائماً بين زملائه والذين يقدّرون الفن الذي قدّمه.
بالحديث عنه، من برأيك كان صاحب أو مؤسس السينما في سوريا بشكل عام؟
عندما بدأت السينما السورية في فترة السبعينات كان هنالك ثلاثة أسماء معروفة على الساحة السينمائية السورية وهي التي عملت في السينما وكوّنت ما يسمّى بسمعة السينما السورية عالمياً، كان هنالك قيس الزبيدي والذي منذ بداياته كان مهتماً بالموضوع الفلسطيني وقد أنجز أعمالاً مهمّة جداً وله فيلم روائي طويل نعتبره من أجمل الأفلام السورية وهو تحت اسم "ليا زرلي" والذي تمّ إغفاله ومنعه نهائياً والآن أعادوا اكتشافه حيث تم عرض الفيلم في برلين ونيويورك وباريس ودول أخرى، والشخصية الثانية كانت شخصية عمر أميرالاي الذي بدأ في الريف السوري ولفت الأنظار إليه بعينه السينمائية المدهشة، وبالجانب الروائي فالاسم الذي شكل السينما السورية هو نبيل المالح، فهؤلاء الثلاثة هم الذين بدؤوا بالسينما فعلياً وكل الذي نعرفهم الآن أتوا لاحقاً كمحمد ملص وسمير ذكرى وعبد اللطيف عبد الحميد جميعهم أتوا بعد فترة السبعينات بخمس أو ستة سنوات.
نرى العديد من المخرجين يمثلون في سينماهم بيئات غير بيئاتهم، إلى أي حد من الممكن للمخرج أن يجسّد البيئة على حقيقتها وهو لا ينتمي إليها ؟
حقيقةً هذا السؤال فعلياً إشكالي، لأننا الآن نرى الكثير من الأعمال التي قد يكون فيها المخرج ألمانياً ويصوّر فلماً عن الحرب اللبنانية مثلاً .. كالمخرج شولن دورف الذي صوّر حرب لبنان مع العلم أنّ الفلم كان جيداً لأن مخرجه جيد ووجهة نظره السياسية كانت جيدّة ولكن عامةً إذا أردت أن أتحدث أنا كنبيل المالح عن نفسي لا أستطيع أن أعمل إلا ضمن بيئتي أي في حال مباشرتي بأي عمل يجب أن أكون على علم بالبيئة التي أصورها مباشرةً فأتعامل معها جيداً بكل تفاصيلها ودقائقها التي من الممكن ألا يشعر بها المتلقي الذي هو من خارج المنطقة فلنا نحن طريقة كلام خاصة وطريقة ملامسة خاصة وحتى لغة الجسد وفهم الأشياء لنا طريقة خاصة بها. أنا عشت على مدى ثلاثين سنةً في أوربا ولكن حتى وإن قدّمت فيلماً عن تلك البيئة فإنني في الحقيقة لن آخذ الروح الأوربية أو اليونانية ولن ألمّ بالتفاصيل الدقيقة التي ذكرتها مثل مخرج تلك البيئة ولكننا نرى الكثير من المخرجين يصوّرن في بيئات غير بيئاتهم ورغم ذلك فإنهم ينجحون في ذلك فمن الجائز أن المخرج يستقر في تلك المنطقة لمدّة سنةٍ كاملة حتى يستطيع التعرّف على تلك البيئة جيداً وهذا جائز في الإنتاجات الأوربية ولكن هذه حالات نادرة فالآن المخرجون والإنتاج يقولون فرضاً خذ هذا السيناريو وجسّد فلماً عن تانكانيكا مثلاً حتى دون أن تعرف تلك المنطقة وأي تقع.
هل التطوّر الطبيعي للدراما في سوريا من الممكن أن تخلق سينما توازيها أو حتى تنافسها برأيك ؟
إن كل شيء مرتبط بشكل أو بآخر بمدى الحرية المتاحة للتطوير والإبداع وجميعنا يعلم أن كل نتاج فكري إن أردت أن تقدّمه فهو مرتبط بمدى حريتك بالضرورة، ولكن إن لم تكن تملك تلك المساحة لتقدّم نتاجك فإنك ستبقى مكانك دون أن تتطور بشيء، فقد ذهبت إلى دبي مثلاً ووجت هناك أن أغلب الذين يكتبون في الصحافة المعروفة و الحقيقية هم كتاب سوريون ولكن هل هؤلاء إن عادوا إلى هنا سيكتبون بنفس الروح والمستوى..!؟، لذلك أقول أنّ كل شيء مرتبط بالحرية التي تملكها في الإبداع .
ماذا عن آخر ما أعمالك ؟
انتهيت منذ شهر تقريباً من تصوير فلم " متحدون في المهجر" والآن بدأت بفلم وأنا أخطط له منذ عشرين سنة تقريباً هو فلم " فيديو كليب " سيعرض قريباً بإذن الله أتمنى أن ينال إعجاب الجمهور …..
نريد منك كلمة أخيرة لعالم نوح ولكل من يتابع أخبار نبيل المالح ولكل عشاق السينما، ماذا تقول ؟
اسم عالم نوح يوحي لي بأشياء كثيرة منها أن سيدنا نوح حمل في سفينته الكثير من الكائنات ليخلق عالماً حرّاً جديداً فأتمنى أن يتم خلق عالم نظيف وجديد من خلال عالم نوح تسود فيه الحرية والإبداع والأفكار الجديدة.
وبالنسبة لمتابعي نبيل المالح أقول أن القيمة الوحيدة المرتبطة بحياتي كلها أن هذا الإنسان الفقير والمقهور والمغلوب على أمره هم من يأخذون مني كل وقتي وهم محور حياتي دائماً وسيكونون شغلي الشاغل إلى الأبد.
أغيد شيخو_ عالم نوح