نضال كرم شاعر الياسمين
- أكتوبر 30, 2012
- 0
عالم نوح وشادي نصير: مع الشاعر “نضال كرم” تعشق الحروف كلماتها، وترقص على إيقاع قصائده القلوب بأحاسيس مرهفة وصادقة، يحتضن العقل بواعث الإبداع، وينسج منها بألوانه وذائقته مملكته الشعرية التي يمتلكها دون منازع .
نضال كرم
شاعر الياسمين في بوحه لعالم نوح :
" أسكبُ مِنْ عِطْرِ الرُّوحِ ما تَهواهُ الروحُ وأمضي "
دمشق ـ عالم نوح ـ شادي نصير:
مع الشاعر "نضال كرم" تعشق الحروف كلماتها، وترقص على إيقاع قصائده القلوب بأحاسيس مرهفة وصادقة، يحتضن العقل بواعث الإبداع، وينسج منها بألوانه وذائقته مملكته الشعرية التي يمتلكها دون منازع .
في كلمته التي يصوغ منها شعراً، شلالاً من الإبداع اللغوي والإنساني، يرسم من خلال قصائده عالماً سرمدياً مزيناً بالصور والأخيلة ….
يرسم "كرم" في "عالم نوح" قصيدته، مذيّلاً إياها بباقة حب لقراء الشعر والقصة، مُطلاً عليهم بحوار التقاه فيه "عالم نوح" في محرابه وبين أوراق قصائده التي يفوح منها شذى الياسمين وهو من أُطلِقَ عليه (شاعر الياسمين) مع ابتسامة قاسيون الشامخ.
أنتم مع "نضال كرم" شاعر الكلمة الصادقة، والقلم الجريء في تناوله لقضايا الشعر وأكثر ما جال في فكره أثناء لقائنا به .
في بداية الحديث عن الشعر : في خطابك الشعري الكثير من البوح والشغف تجاه الشخص الآخر … كيف يرى الشاعر نضال اليوم الأنا الشعرية فيما يكتبه من قصائد؟
الشعر حالة انفراج عن المسكوت عنه .. حالة تماهي مع الآخر ، إن دمج الأنا الشعرية بذات الشعر وجعل الاتصال بينهما اتصالاً إشكالياً يُفضي بالقارئ – الآخر إلى الإحساس بالكلمة بأدق تفاصيلها وأبعادها دونما إنهاك وذلك بمحاولة المقاربة وإمكانيتها بين أناه وما يقرأ من نصوص شعرية.
حينما أضم الضمائر بجملة شعرية قادرة على أن تصل لكل منها أكون على يقين بأن جملتي الشعرية قد حققت الهدف وتركت أثراً وإن غبتُ بعدها، والآخر ليس وهمياً، لا أبتدعه أو أفترضه فهو موجود وينتظر القول مني لأني أعبّر عنه بشكل أو بآخر بقصيدة أو أكثر .. وبهذا أكون قد خرجت من عباءة الأنا لأجسّد الآخر وإن انطلقتُ من أناي.
في الشعر يجب أن تكون سرعة البديهة حاضرة لدى الشاعر ولدى المتلقي وإلا بات الشعر ضرباً من عبث وإن لم يحرّك الشعر ساكناً فالأفضل ألا يكون .. وأن لا ندّعيه .
إن الشعر في بعض الأحيان وإن انطلق من الأنا فمن الطبيعي أن يحيط بالآخر كائناً من كان ويعبّر عنه .
يعتمد شاعرنا على أسلوبية خاصة من القليل أن نراها عند شعراء ما يسمى بشعراء قصيدة النثر. كيف ترى قصيدة النثر التي تكتبها وما هي الآليات التي تسوغها في نسجك؟
حينما أكتب قصيدة النثر أول ما يعنيني هو التحرر من قيود الحياة بكل أشكالها، حينما أكتب أنسى كل ما حولي وإنْ كان يملأ الكون بضجيجه، أعيش الحالة وأحاول اقتناص الومضة، أشتغل على الفكرة الجديدة والصورة الشعرية التي أهِبُها أجنحةً بعدما أطلقُها من قفصٍ طالَ المكوثُ به، إنها تجسيد الحالة في أدقّ تفاصيل الحياة والتعبير عنها بعفوية وبساطة حيناً، وببلاغة وإيجاز حيناً آخر، وبتركيز على المألوف ومعالجته من جديد بحيث يخرج وكأنه للتو وُلدَ ولم يكُ معروفاً أحياناً أخرى، وبعد هذا وذاك وذيّاك، فقصيدةُ النثرِ تحتملُ كل ما ذكرت لا بل تطالبني به في لحظة الخلق، لأكون ابن اللحظة، فأمسكُ بقلمي وأدع الروح تُحلّقُ دونما تقييد، أراعي التكثيف والتصوير الدقيق للحظات وما يعتمل في الصدور لأخرجَ في النهاية منتصراً في رهاني مع المألوف وجعله بحالة تمايز عن نفسه وعني .. أحاول تحقيق المعادلة التي لن تُكشَفَ أسرارُها ببضعِ كلمات، أشتغلُ وفي النهاية فإنَّ المتلقي موجودٌ وهو من لديه يستقرُّ القولُ فيما أكتب.
يتبين لنا أن الصور الشعرية لها ارتباط وثيق بفكر محدد يطرحه شاعرنا حول مواضيعه في العادة كيف تأتي بهذه الصور وتزرعها في وجداننا كمتلقين؟
لكل شاعر فلسفة تجعل القصيدة في تطور دائم لديه، أرى أنه من الضروري أن يكون الشاعر حُرَّاً في تعبيره عن فكره وفلسفته الخاصة به، أما مناقشة القصيدة فيبدو الأمر مُبالَغٌ فيه، فالقصيدة إما أنْ تقبلها بالكامل أو لا تقبلها ، والصور الشعرية تتوالد في قصائدي حُرَّةً من أيّ قيد، ومسموحٌ لها بالوصول إلى مطارح عصيَّة على التحديد، من أهم ما أنظر إليه هنا هو عدم الاستسهال في طرح أي قضية أو موضوع، وإن كان إشكالياً، لا بل ربما أحاولُ الجنوحَ بقصائدي نحو ما يسبب إشكالاً ما وتفكيراً عميقاً لدى المتلقي الذي لا يمكن الاستهانة بذكائه وقدرته على الوصول إلى أبعد مما أذهب إليه … وهذا يُحسَبُ للشعر لا ضده ، إذ إن السمة المميزة للخطاب الشعري هو في الصورة الشعرية التي هي لُبُّ الشعر بل هي الشعر ذاته وليست شيئاً يُضاف لتزيين المعنى بل هي جزء أصيل من المعنى ، وتشكيل لغوي يستقيه خيالي الحر وفق معطيات الحواس والنفس والعقل .
في شعري وما تحتويه القصيدة لديلا أتقصَّدُ صورةً شعريةً واحدة ، وإلا لما كنتُ لآتي بالجديد ، أسكبُ مِنْ عِطْرِ الرُّوحِ ما تَهواهُ الروحُ وأمضي .
هناك الكثير من اللغط حول قصيدة النثر . من وجهة نظرك لماذا هذا اللغط في مكان يعتبر أن اللغة هي أساسه ؟
أعتبر أن اللغط انتهى زمنه ومضينا في قصيدة النثر، ولن يتوقف البحث عن ولوج أي شكل يمكن قول الشعر من خلاله، فالشعر موجود وسيبقى، وليس الهمُّ في لَبوسِهِ بل في رُوحه ومَضمونه .. هذا هو المعيار الذي يجب النظر إليه واعتباره الأهم .. لن نقبل استسهالاً كما لن نقبل مهادنة في قبول جملة شعرية جديدة تتأتى وقد حققتْ عنصر الإدهاش لنا كمتلقين، ولا أظن أنني سأكبحُ جماحَ مُخيلتي عن تصوُّرِ شكلاً آخرَ للشعر إنْ كانت قصيدتي هي الأولى بطرحها أم سبقني إليها أحد غيري .
– نرى اليوم الكثير من الشباب يتجهون لكتابة الشعر وبصفة خاصة لما يتداول بأن قصيدة النثر ليس لها مقومات، كيف ترى اليوم الشعر ، وهل لا يزال محافظا على أصالة الكلمة والنسج؟
الشعر مستمر ما دامت الحياة مستمرة لن يوقفه شيء ولن يحدَّه شيء، هو حقيقة كما الحياة والموت .. الشعر مرافق لحياة الإنسان لأن الحس بالوجود لا يمكن إماتته أو إسكاته حين يُراد البوح بمكنونات النفس البشرية، وأحلى ما في الشعر أنه يحاكي الإنسان ويحافظ على وجوده كإنسان رغماً عن كل مظاهر القسوة والإجرام والانحطاط الذي ربما يسود، لكن يأتي الشعر ليضيء شمعة للنفس البشرية التوَّاقة للجمال والحرية والإنسانية وسط الظلام وإن بدا كثيفاً وعميقاً ، أما عن مشاكله اليوم لا بأس … فلتكن موجودة وهذا أمر طبيعي والأبقى للأكثر جودة واقتراباً من البشر .
في انتقالنا إلى القصة القصيرة بين الشعر والقصة عالم غريب كيف تستطيع أن تكون شاعر وقاص وأيهما تفضل؟
إن المقولة التي أريد طرحها تفرض بطبيعتها أي لبوس تولد وتخرج إلى مسرح الحياة، ما يمكن قوله في القصة يتخذ القصة كمبنى له وهيكلاً عدا عن الفكرة التي هي الأساس، فالنص بدون فكرة لا بقاء له وأعتبره شيئاً من الهذر، وما يقال في الشعر لا يمكن إلا أن يتخذ القصيدة بيتاً له وموئلاً يسمو به وإليه، ومن الجميل أن يستطيع الكاتب امتلاك أكثر من أداة ليعبّر عما يجول في خاطره وفكره .
لم يسبق لي أن تعمّدت كتابة قصيدة لأن الشعر يأخذني لمكان ما في هذا الكون لا أستبدله بمكان آخر ولا أرتاح إلا ضمن أجوائه وطقوسه فأرمي بأثقال روحي وأفرد أشرعتي ومن ثم أحلّق لأستقر فوق غيمة وربما أبعد، لتكون القصيدة وليدة الروح، أما في القصة فما يحرّضني على كتابتها مقولة ما، أريد أن أوصلها إلى القارئ وبغير القصة لا يمكنني قول ما أريد فتستدرجني وألبّي مع محاكمة منطقية عقلانية لشروط القص وبنائه المتفرد .
بالنسبة لي فالشعر يمدّني بطاقات روحانية أقرب إليّ من أي شكل آخر في الأدب وله أرفع قبعتي مع انحناءة مني لروحه الحبيبة الساكنة وسط أعماقي وأبدو وفياً له ولا أستطيع مغادرة الحياة دون أن أفي بوعدي في كل لحظة يناديني فيها فأكون أنا لا أحد غيري ..
ـ في عالمك القصصي نرى أن السرد هو الحقيقة الهامة، ونراك عرّاباً للشخصيات التي تتحاور ضمن العالم الذي تخلقه بفرضياتك، لماذا العرّاب، وماذا تريد أن تقوله في القص ولم تقله في الشعر؟
في تجربتي القصصية نواحٍ إيجابية وأخرى سلبية أدركها تماماً ولي فيها ( التجربة ) خصوصية أردتُها أن تكون، أبدو عرّاباً ولا أنكرُ ذلك، وربما حدث ذلك لما أتمتع به في الحياة عموماً بشخصيتي فنقلته إلى أجواء قصصي، لكنني بذات الوقت كنت أترك مساحات قد تضيق وقد تتسع حسب المناخ القصصي الذي أردته أن يكون ( ويضحك )، لا بأس ، هي تجربتي الأولى في القصة وتعود كتابة قصص المجموعة فيها إلى مرحلة الشباب الأولى لكنني طبعتها في وقت قريب، وبعد طباعتها جذبني الشعر بصورة أكبر فلبّيت النداء وانحزت أكثر له ، لن أهجر القصة، هذا مؤكد، وإن ابتعدت قليلاً لابد من عودة، لكن آمل أن تكون عودة حميدة، وعلى الرغم من ذلك أعتبر أن هناك بصيصاً يبدو لمتلقي فن القص والمهتم به أو للقارئ المتابع لي، يبدو له بصيصاً من روحي الشعرية أيضاً سرّبتها إلى قصصي كما تبدو لقطات على قدر بساطتها فهي تحمل من المضمون ما يلفت النظر إليه .
أما عن الشق الثاني من سؤالك ، فالشعر مختلف عن القصة، لكل منهما جَوّه الخاص وأدواته المتفرّدة والرُّوح التي لا تشبه روحاً أخرى أو نفسها بكلتيهما .
في كل ديوان من الدواوين الشعرية التي تم طباعتها باسمك تحمل مضمونه الكثير من الأفكار… حتى أننا ننتقل من حدث لآخر ضمن الديوان، هل ترى أن مهمة الشاعر أن يكون موجهاً أم له مهمة أخرى؟
ليس توجيهاً بالمعنى الحرفي للكلمة بل هو خلاصة تجربة الحياة في بعض ما أكتب، وربما يكون الشعر أقدر وأبلغ من يوصله، ولنا في الشعر الكثير منه مما تعجُّ به مكتبتنا العربية، جميل أن يكون الشعر حاملاً لحكمة ما في الحياة تريد لغيرك أن يستفيد منها فتقدمها له بصورة شعرية متميزة أو بومضة ربما تحرّض بركاناً على أن يثور في نفس المتلقي فتدهشه وبذات الوقت توقظه من غفلة أو غفوة، ولا يمكن أن تُختَصَر تجربة شاعر بقصيدة أو بديوان، لك أن تقرأ ما أكتب وتتابع ما أنشر وفي النهاية تكون تجربتي الشعرية قد اكتملت في اللحظة التي ألجُ فيها الحفرة التي ستضم جسدي ، لكن قبل ذلك لا يمكن اختصاري، لأن الحياة غنية ومن الطبيعي أن يتناول الشاعر مواضيع كثيرة لا يتمحور فيها حول ذاته بل يتعدَّاها إلى تجارب مَنْ هم حوله حين يتأثر بهم، والشاعر ليس منقطعاً عن الحياة بل هو أكثر من يتأثر بالمحيط ودرجة حساسيته تفوق ما يمكن تخيّله، فيطلق لها الأجنحة التي ستوصله إلى السماء وليس إلى بر الأمان حيث لم يعد هناك أمان في هذا الكون، وبذات الوقت يتحرر من ذاته بذاته فيحيا ليكتب ويكتب بعد أن يحيا ، إن كان ذلك في أرض سهلة أم صعبة وفيها من المنحدرات والمرتفعات الكثير لكنها في النهاية الحياة بكل تأثيراتها فينا وتأثيراتنا بحروف نتركها بعد أن نسجّل موقف من الحياة وبكل ما فيها .
تمتاز بعض قصائدك بالاختصار الشديد وفي بعضها الرمزية حدثنا حول الصورة الرمزية في شعرك؟
حين لا تتحقق الآمال والأحلام على أرض الواقع أراني أستنجدُ برمزٍ يدلُّ عليها أو يحثُّني على إيجادها، يكون فيما بينها تشابهاً يقاطع بين الشيء والتوق إليه، أتبنّاها على نحو شفيف وأحاول .
في الرمزية لابد من أن تكون فيها تراكيب شعرية جاذبة، في الصورة الرمزية تبدو الحالة متجاوزة للواقع الحسي تكتشفها القوة الحدسية، وفي امتلاكهما معاً تكون الصورة بأبدع حالاتها، إنها كالرسم التجريدي الذي ينقلك من المحسوس إلى عالم العقل والوعي الباطني وإنْ حملت مثالية فهي نسبية لأنها تتعلق بعواطف وخواطر دقيقة وعميقة تحاول اللغة كَشْفَ الغموض فيها وبذات الوقت تصويره بصورة أعمق، والغموض هو صفة الجمال لكن دونما تعمّد له، وإلا فقد وقعت القصيدة في شرك ساذج يُفسِدُها .
إن الصورة الرمزية يجب أن تثير الأسئلة وتستثير الفضول ولا يمكن بحال من الأحوال أن تؤدي إلى الاسترخاء أو الموت المجازي للكلمة .
وفي الختام لا بد لنا أن نتمنى للشاعر نضال كرم المزيد من النجاح والتألق في عالم الأدب والجمال.
وهذه قصيدة "عادة" من ديوان " أعيشُ بكِ وبالحب " الصادر عن دار بعل عام 2010
عادة
لن أعتادك
فأنت أقوى من أي عادة
يمكن أن تأسرني حيناً
وأقوى لكي أتخلص منها يوماً
لن أعتادك
لأنك خارجة عن حدود العادات
لأنك داخلة في نسيج الكون
تسرين في شرايين وجودي
فيتوحد بك الغياب مع حضور الفرح
لن أعتادك
لأنني شعرك الحي
وجدائل الشمس التي تغطي الأرض بحنان
لحظة ذوبان ثلجي
لن أعتادك
لأنني اعتدت الحياة
فاخرجي عن نطاق المعتاد
وانطلقي في تسريح القيود
الممسكة برقبة الحياة
لن أعتادك
لأنك معنى الحياة