هشام شربتجي: الفن بيئة غيرة
- ديسمبر 13, 2011
- 0
هشام شربتجي من الأشخاص الذين لهم أياد بيضاء كثيرة على الدراما السورية إلى الوقت الحالي، فهو مخرج “يوميات مدير عام” الذي بقي في الذاكرة على الآن، بالإضافة إلى “عيلة خمس نجوم” و”أحلام أبو الهنا” و”يوميات جميل وهنا”والعديد من الأعمال الأخرى.
هشام شربتجي: الفن بيئة غيرة….
هشام شربتجي من الأشخاص الذين لهم أياد بيضاء كثيرة على الدراما السورية إلى الوقت الحالي، فهو مخرج "يوميات مدير عام" الذي بقي في الذاكرة على الآن، بالإضافة إلى "عيلة خمس نجوم" و"أحلام أبو الهنا" و"يوميات جميل وهنا"والعديد من الأعمال الأخرى.
وقد استضاف المخرج الكبير عالم نوح في مكتبه بدمشق في 9/11/2011 وكان معه هذا الحوار:
إلى أي حد برأيك تساعد البيئة المحيطة في ظهور الفنان أو عدم ظهور، وكيف كان الأمر بالنسبة لهشام شربتجي؟
كنت أعيش في عائلة غنية ومع أسرة متوسطة الحال، ودائماَ أقول أن الفن هو نتيجة أحد أمرين فإما أن تحاط بالاستقرار العائلي وهذا ما كان متوفراً لي سواء في العائلة الكبيرة أو ضمن الأسرة الصغيرة حيث التماسك العائلي والتفاهم بين الأب والأم، وهذه البيئة كانت جميلة جداً ومناسبة ليظهر الطفل مواهبه، وإمّا أن يعيش الشخص في معاناة كبيرة جداً، فبين هذين الطرفين برأيي يظهر الفنان، والعائلة التي كنت أعيش فيها كانت كمعظم العائلات الدمشقية القديمة حيث لم تكن تعتبر الفن مصدراً للرزق ولا حتى الاحترام، فكل العائلات في تلك الفترة كانت تتمنى أن يصبح أولادهم دكاترة أو مهندسين أو محامين وما شابه، وتعود هذه النظرة كون هؤلاء الأشخاص من الممكن أن يأتوا بدخل جيد ويجدوا فرص عمل بسرعة بالإضافة إلى حاجة المجتمع لهم واحترامهم لهذه المناصب، أما بالنسبة للفنان فإن هذا الكلام لم يكن موجوداً وعلى الرغم من ذلك فإنّ جدي"كبير العائلة" كان يتذوّق كافة أنواع الآداب من شعر ورواية بالإضافة إلى ولعه بالموسيقى إذ كان يعزف على العود والناي وهذا ما سهّل الموضوع قليلاً بالنسبة لي، فقد بدأ اكتشاف موهبتي مبكراً أي في المراحل الأولى من طفولتي عندما كنت في المرحلة الابتدائية ولم يتجاوز عمري وقتها السبعة سنوات عمري تقريباً، عندها فزت بمسابقة رسوم الأطفال العالمية حيث حصلت على المرتبة الأولى على مستوى العالم في مجال رسوم الأطفال، لذلك فإن اكتشاف موهبة الطفل لا يأتي فقط من العائلة وإنما للمجتمع دور مهم في ذلك، وصراحة كان لهذه الجائزة نواح إيجابية عن كونها ساعدت عائلتي الصغيرة في التعرف على ما أحب وما أهتم به، وعلى الرغم من أنها عرّفت الكثيرين بي على نطاق العائلة وحتى المحيط الأكبر خارج القطر إلاً أنها كانت جائزة كبيرة بالنسبة لي وجعلتني "طفلاً كبيراً" ليس من ناحية غرور الطفل وإنما من ناحية الهالة التي رسمها لي المجتمع، وقد حاول والدي مساعدتي في متابعة هوايتي وحتى جدّي نسّبني إلى بعض الأندية المهتمة بالفنون كمركز" أدهم إسماعيل" الذي درست فيه لفترة لكني لم أتابع، ورغم مساعدة عائلتي لي إلا أنها لم ترغب ضمنياً في أن أتابع في مجال الفنون وكانت تتمنى أن أميل في اتجاه آخر، لذلك أعتقد أن الفرق بيننا وبين الدول المتقدّمة هو من هذه الناحية فقط، فاليابانيون والألمان مثلاً ليسوا أذكى منّا ولكن الفرق في أنّهم يبحثون عن المواهب ويطوّرونها ولا ينتظرون الموهبة لتأتي إليهم جاهزة.
ماذا عن المرحلة الثانية والتي هي فترة المراهقة لدى هشام شربتجي؟
اعتبر أني عشت هذه المرحلة بخلاف بقية الأطفال، فقد كانت عائلتي في تلك الفترة تهتم بالصيد فوجدت نفسي تلقائياً منجرفاً معهم في ذلك ولكن في نهاية هذه المرحلة شعرت بذلك وقررت أن أبتعد عن كل شيء بعيد عن تفكيري وعن رؤيتي، فالتجأت إلى رياضة الرماية بالرمح، فأن أسدد الرمح باتجاه قرص أو أي شيء أهون من أن أقتل روحاً حيّة، وصراحةً كنت أحب الرياضة كثيراً كباقي الشباب حتى أني كنت منتسباً إلى نادٍ كان اسمه"نادي الغوطة" والذي هو "نادي الوحدة" حالياً، إذ كنت أمارس نوعين من الرياضة هما كرة السلة وكرة الطاولة بالإضافة إلى هوسي في النظر إلى السماء حيث كان سماء دمشق وقتها يسمح بمرور طائرات مدنيّة فكان حلمي أن أكون في إحدى هذه الطائرات وأن أكون طيّاراً، ففي مراحل مبكّرة جداً من حياتي كنت أجمع نماذجاً وطوابعاً للطائرات، فكان حلمي أن أكون طياراً لأني منذ الصغر أحب المهن القيادية ولا أفضّل أن أكون منقاداً أو تحت إمرة أحد ولذلك كنت أكره المدرسة والإجحاف في طريقة تربية الطفل وكأن الأطفال يدخلون إلى معمل ليتم تخزينهم بالمواد والمعلومات وليخرجون جاهزين للحياة دون وجود حالة إبداعية في العملية التربوية، أيضاً كنت أحب الترحال وأن أشاهد مناطق جديدة والطيران كان من الممكن أن يحقق لي هذا الحلم، وقد انتسبت فيما بعد لمعهد الطيران في جمهورية مصر العربية ولكن تم قصف المعهد وقتها أثناء حرب 1967 وكنت منتسباً في الوقت ذاته إلى أكاديمية الفنون "قسم المسرح" في القاهرة أيضاً وعندما تأخر بناء المعهد تابعت في الفنون ولم أعد إلى المعهد، ولا أستطيع القول أنني نسيت الطيران ولكن مات هذا الحلم وماتت الرغبة فيه.
لماذا نرى برأيك أن إلى حد كبيرة مرتبط بعدم الطهارة أم عدم الاحترام في مجتمعاتنا؟
أعتقد أن ذلك يعود إلى أن مجتمعاتنا ارتبط احترامها للشخص بما يملك وما يحقق من ربح، فقد كان هنالك العديد من العمالقة ولكن الفنانون سابقاً كان غير محترمين اجتماعياً وهذا كلام خطير جداً يدعوا للدراسة، فأكبر الخطاطين في العالم هاجروا من دمشق وحتى المطربون أمثال"فريد الأطرش، نجاة الصغيرة، فايزة أحمد، هدى سلطان" والكثير غيرهم، وقد كانت بداية الهجرات مع "أبي خليل القباني" وجميعهم برعوا في الخارج دون سورية، وصراحةً لم يكن الفن يأخذ احترامه من قبل المجتمع وقتها أبداً، وأرى أن هذه الصورة تغيرت بنشوء وزارة الثقافة بعد الوحدة بين سورية ومصر ودخول التلفزيون إلى المنازل وقد شاركت بتغيير هذه الصورة محبّة الناس لبعض الكركترات كشخصية "غوار الطوشة" مثلاً، بعدها بدأت الدفعات الأولى من الخريجين تأتي لتقدّم حركة فنية، وهنالك فرق بين "البيريود" و"الموفمنت"، فقد استطعنا كخرجي مسرح وسينما وتلفزيون أن نقدّم"الموفمنت" التي دخلت إلى المنازل ولاقت استحساناً لدى الجمهور.
قدّمت الكثير من الأعمال ولك فضل كبير على الدراما السورية، ورغم ذلك لاقت أعمالك نقداً وهجوماً من قبل النقاد…
يجب ألاّ ننسى الجيل الذي سبقنا وما بذلوه، وصراحةً كان لدي مشكلة الانتماء إلى الوسط الفني على الرغم من أني درست الفن ولكن لم أكن راغباً في أن أكون فناناً "ويمكنكم أن تفسروها كما تريدون"، فعندما دخلت الوسط الفني كنت في صراعٍ بين ما أحبه وما تعلمته وما هو واقع، فلو عملت فيما أحبّه كنت من فناني النخبة"مع محبتي لهم" فلا يوجد شيء اسمه"الصفوة المختارة" لأن الفنان يظهر من طين الأرض وهو كباقي الناس جميعاً ولا يختلف عنهم وصراحةً لا أستطيع أن أفهم كلمة "فنان مشهور" فهو إنسان يأكل كباقي الناس ويشرب مثلهم وهو ابن لأمه وأبيه وصديق لجاره ولكن يمكن أن يتعذب في أنه يرى محبّة الناس في الطريق وعندما يأتي إلى المنزل يمكن أن يلف كلبه وينام وحيداً، فلو أردت أن أكون في هذه الدوامة لكنت منهم بكل بساطة ولكن لكنت نشازاّ وهنالك الكثير من الفنانين من هم "نشاز"حيث يعيش في برج عاجي وينظر إلى الناس من الأعلى، وهذا خطأ كبير برأي، ثانياً إن عملت فيما يحبه الناس فإني سأكون أقرب إلى الفنان الشعبي وسيكون هنالك صدام وشرخ كبير بين ما عرفته في حياتك من أوركيسترات وأوبرا وأنواع الفنون التشكيلية لتعود بعدها إلى الربابة، لذلك ضمن هذا الصراع رأيت أن من السهل جداً أن يستخدم الإنسان معارفه ومعلوماته وما تعلمه سابقاً ونقل هذا الكلام إلى بيئة مختلفة تماماً "مع احترمي الشخصي لها" وتصنع دمجاً بينها عبر فن يسمى"الفن البسيط" كالحوار الدبلوماسي أي أن تقترب من الآخر وتأخذ منه ما تريد دون أن تعطيه شيئاً، فقد اكتفيت بمكتبتي ومعلوماتي لنفسي وقدّمت هذا الفن البسيط الذي يحاكي البيئة السورية البسيطة ولذلك أتت أعمالي بسيطة مما جعل بعض النقاد يخلطون بين البساطة التي كنت قاصداً لها في أعمالي وبين السطحية، لذلك اعتبروا أعمالي سطحية دون محتوى, وقد أتتني شتائم كثيرة حول هذا الموضوع ولكن كنت على قناعة تامة بهذا المنطق لأنني في النهاية ابنٌ لهذه البيئة وهذا المجتمع، ويمكن أن تعتبر أن ما فعلته هو أقرب لما فعله "منير بشير" بالنسبة لآلة العود التي استطاع إدخالها إلى الأوركيسترا على الرغم من بساطتها وضعفها دون تعقيد وتعالٍ على المشاهدين، وهذا ما استطعت أن أفعله في الدراما السورية عن وعي وسابق رصد وإصرار.
فهل ترى أن هنالك نتيجة لما قدّمته من أعمال وما تعبت لأجله طيلة تلك السنوات؟
لا يوجد شخص يرضى عن كل نتاجه إطلاقاً، فلو تم إعادة الزمن لقدّمت نفس الأعمال وسلكت نفس السلوك ولكن لتمنيت نهايات مختلفة ففي النهاية أنا قطب من أقطاب اللعبة كوني مقدماً بينما القطب الآخر هو المتلقي.
هل صحيح أنك تعرضت لقلة وفاء من بعض الممثلين الذي قدمتهم للمرة الأولى والآن أصبحوا نجوماً من الصف الأول؟
هذا كلام صحافة، وأنا أعتبر الأمر عادياً وطبيعياً جداً وهذه سنّة الحياة، فالفن بالمجمل هو بيئة غيرة ومن دون الغيرة لا يمكن أن نرى الحركات الفنية سواء هنا أم في هوليوود، ولكن المشكلة أن هنالك مجتمعات تخلق الغيرة فيها نوعاً من التنافسية وتقديس المبدع وحالة جميلة للإبداع، ومع الأسف هنالك مجتمعات تنتقل الغيرة فيها إلى حسد وهنا تكون قلّة الوفاء، فالغيرة هي الماء الأساسي للحياة في المجال الفني أي السعي الدائم لأن تكون الأفضل لأنها مهنة مفضوحة للجميع لذلك يجب أن تكون هنالك غيرة لتقديم الأفضل، فإن لم يكن لدى هشام شربتجي غيرة من عمل التغريبة الفلسطينية الذي قدمه حاتم علي فيجب ألا أعمل في المجال الفني، وهنا تلعب تربية الشخص في منزله دورها، فإن كانت الغيرة تتحول إلى حسد فمن الممكن أن أوافقك الرأي ولكن بالمجمل لا أعتقد ذلك.
بالإضافة إلى أنّ هنالك أشخاص يخجلون من تاريخهم ويعتقدون بأن الناس لن تتعامل معهم إن عرفوا تاريخهم فيحاولون جاهدين محوه نهائياً ولكن الحائط يقع عليهم ويخسرون في النهاية لذلك يجب على الإنسان التمسك بتاريخه مهما كان ويجب ألا يخجل منه لأنه جزء من ماضيه وجزء من شخصيته ولا يجوز نكرانه.
قلت سابقاً أن الدراما السورية في انهيار، كيف ترى وضعها حالياً؟
الوضع أسوء من ذي قبل، وسأشرح لك ذلك، فهنالك ما يسمى "المنحنى الجرصي" وعليه خط يبيّن مدى التطوّر أو الانهيار وكلّما ارتفع ذلك الخط فإن الأمة في تطوّر وازدهار ولكن الأمم تصل إلى نقطة تسمى نقطة "الكلايمكس" وعند هذا الحد يتوقف التطور وتبدأ الأمة بالانهيار وينحدر هذا الخط البياني، ولكن هنالك أمم ذكية وبناؤها يكون متيناً لذلك فمدّة نقطة "الكلايمكس" تمتد لفترة طويلة جداً ومن ثمّ ينحدر الخط ليبدأ بالانهيار كالسينما الإيطالية والفرنسية التي استمرت لفترة طويلة في فترة الستينات لأن بناءها كان متيناً، ولكن عندما يكون الفن طفرة أو "ضربة حظ" فلا يمكن أن يكتب لها الاستمرار لأن الفنان لا يقاس بعمل أو عملين ولا بنجاح أو اثنين وإنما يقاس بتاريخه الفني كله، فإن ظهر عمل ناجح لمخرج لم يخرج في حياته كلها سوى ثلاثة أعمال مثلاً فهذا لا يعتبر نجاحاً وإنما هي طفرة لا بدّ أن تزول، وأمر نقطة الكلايمكس ينطبق على كافة الحضارات التي تظهر وتتطوّر لفترة ومن ثمّ تنهار وكذلك الأمر بالنسبة للإنسان الذي يبدأ طفلاً ثمّ شاباً ذو حيوية ونشاط ومن ثم يصل إلى مرحلة الشيخوخة والانهيار والأمر كذلك بالنسبة للدراما السورية التي ظهرت فجأة لعدّة أسباب أهمها أنها اقترنت بظهور الفضائيات والمحطات بالإضافة إلى اقترانها بانهيار الدرامات الأخرى والتي أسباب انهيارها ستكون نفس أسباب انهيار الدراما السورية، أيضاً إن الذي ساعد على ظهور الدراما السورية هو ظهور بعض الفنانين الذي حببوا الناس باللهجة السورية كالفنان دريد لحام، وقد صدقنا أن الدراما السورية ستستمر وتتطور ولكن الحقيقة ليست كذلك فالدراما السورية هي "موفمنت" بسيط تم تسليط الضوء عليها من قبل بعض الأشخاص الواعين سواء كانوا مخرجين أو فنانين ولكن أساس الصناعة غير موجود، ففي عمل مثل "المفتاح" في كثير من الأحيان يكون خيارك واحد في اختيار الممثل كأن تختار خالد تاجا ولا أحد يستطيع تجسيد الدور سواه أو أن تكون الشخصية لمنى واصف ولا تستطيع أن تعطي الشخصية لغيرها لعدم توفر الممثلين من النمط نفسه فحسن دكاك بوفاته لا يوجد له بديل وكذلك الأمر بالنسبة لأي ممثل آخر، لذلك أقول أن الدراما السورية هي "كذبة" بمؤسساتها وفنانيها وفنييها وحتى بمخرجيها، أيضاً عندما ترتفع سعر السلعة فإن المشتري يقل وبالتالي فإن إمكانيات الانتشار تقل أيضاً فنحن لم نصل إلى مرحلة نفرض فيها السعر الذي نريده على السوق لأن استقطاب الأموال الخارجية سواء من الخليج أو من أي دولة أخرى أساءت للدراما السورية إذ لا يجوز أن يأخذ فنان ما أربعين ألفاً عن عمل عشرين يوماً وبالمقابل هنالك فنان يأخذ ثمانية ملايين عن عمل شهر واحد فقط، إذاً فكيف من الممكن أن تحقق معادلة صحيحة إن كان ثلاثة أرباع من ميزانية العمل تذهب لسبعة ممثلين فقط والباقي يذهب لبقية الممثلين والفنيين والمصاريف الأخرى..!؟، وكل هذا بحجّة أنهم نجوم مطلوبون فمن الذي قرر أنهم نجوم مطلوبون؟ وإن أردنا القول بأنه الشارع فإن الشارع هو الذي صنعهم لذلك أقول بأنها لعبة من شركات الإنتاج والتوسيع الأكبر، فشركات الإنتاج تطلب هؤلاء الممثلين وتطلب منا أن نزيد سعرهم وبالتالي فإن سعر المسلسل يزداد أيضاً فيكون هنالك مشكلة بالتسويق لأن السعر يكون كبيراً وحتى إن تم بيع المسلسل لسنة أو سنتين فإننا سنقع في أزمة كبيرة جداً إن تم سحب التمويل منّا.
هل ترى أن أعمال البيئة الشامية هي من ضم تلك السلسلة التي تنذر بانهيار الدراما السورية؟
هذه الأعمال تم حياكتها من الخارج أكثر من أن تكون من الداخل، وقد أتت من بذور كنت أعمل عليها في"مرايا" تحديداً وأنا مسئول عن كلامي، حيث كنت أرسل أشرطة الفيديو إلى السوريين في الخارج ليتذكروا البيئة الشامية وكيف كانت لذلك فهي نشأت من بيئات خارجية وليس من ابن البلد، فدمشق القديمة التي هي أقدم مدينة مأهولة في التاريخ ما تزال مسكونة إلى الآن والمنازل التي يتم التصوير فيها ليست استوديوهات وإنما هي بيوت حقيقة من الممكن أن يكون لأحد أقربائنا أو أقربائك أو أي شخص نعرفه، فهذه المناطق نحن نعرفها جيداً وعلى علاقة معها ولكن الذين خارج القطر يفرحون بمشاهدة هذه الأعمال ليتذكروا كيف كانت الشام وكيف كانوا مثلاً يشربون من نهر الفيجة أو يجلسون أمام البحرة، أي هي نوع من الترويج السياحي لا أكثر، والآن تم استغلال ذلك تجارياً من قبل بعض المحطات فنشأت مجموعة الأعمال الشامية التي رأيناها والتي برأيي شوّهت جزءاً من عاداتنا وتاريخنا وتراثنا.
إلى أي حد يساهم المخرج في تنميط الممثل في شخصية واحدة برأيك؟
أعتبر هذا كسلاً من المخرج وعدم قدرة على قيادته، فالمخرج الجيد يستطيع قراءة الممثل بالشكل الصحيح بغض النظر عن الأعمال التي قدّمها أما المخرج الكسول فإنه يكتفي بالمعلبات الجاهزة أي أنه يكون قد رأى ممثلاً في دور ما وأحبه في ذلك الدور فأتي به في دور مشابه للعمل معه أيضاً، وكذلك الأمر بالنسبة لشركات الإنتاج التي تنمّط المخرج من حيث رؤية الشركة لمخرج في نمط معين من الأعمال فتطلبه إلى أعمال مشابه، وبرأيي أن المخرج الذي لا يستطيع تقديم كل شيء بغض النظر عن النمط الذي يفضّله فإنه لا يسمّى مخرجاً.
ما رأيك بتجارب المخرجين الشباب الذين نراهم يظهرون بشكل أكبر في السنوات الأخيرة، وهل أخذوا أماكن المخرجين الأقدم؟
بعضهم أخذ مكان من هم أقدم، فالذين يتمتعون بموهبة قوية وتجاوزوا مرحلة الدراسة فإن البعض منهم حل محل المخرجين القدماء، فلا شك أنّ هنالك تجارب شبابية جميلة جداً كالمخرج الليث حجو ومثنى الصبح ورشا شربتجي بالإضافة إلى بعض تجارب الفنانين الذين حاولوا أن يكونوا مخرجين ولكني أفضل أن يعودوا إلى مهنتهم الأساسية.
إن أردنا أن نحدد التجربة بالمخرجة رشا هشام شربتجي، ماذا تقول عنها؟
تجربتها جميلة جداً وتعتبر في الصف الأول من المخرجين ونتائجها مرضية على كافة الجوانب، ولكن هنالك بعض إشارات الاستفهام حول السلوك الإخراجي الذي تعمل عليه ولكني أعتبر ذلك ذوقاً شخصياً خاصاً بها.
نلاحظ تناقضاً بين كونها كانت تدرّس في رياض الأطفال وبين القسوة والسوداوية فيما تقدّمه من أعمال، من أين هذه الحالات المشوّهة برأيك؟
صراحة لا أدري بالضبط، ولكن من الممكن أن نجاح عمل ما يغدر الإنسان ويأخذه على هذا المنحى، فأنا لا أعتقد أنّ الإنسان بطبيعته يمكنه أن يخلق هذه الحالات أو أن يوجد مصاصي الدماء في الدراما السورية، فأرى أن نجاح تجربة ما لدى رشا شربتجي دعتها إلى أن تعيد أعمالها، ليس العمل كتجربة وإنما من حيث طريقة المعالجة، وصراحةً أن أستغرب من فتاة رقية وحساسة "تعرف كيف تربي القطط وكيف تلبس وتضع عطرها وكيف تسمع الموسيقى وتضع خاتمها" أستغرب جداً من أن تظهر هذه القسوة والسوداوية في أعمالها.
سمعنا أنك قلت من الممكن أن تسمي نفسك "هشام رشا شربتجي"، ما صحة ذلك؟
أنا لم أقل ذلك إطلاقاً، ولكني قلت بأنه سيأتي يوم وتكون فيه شهرة هشام شربتجي عن طريق رشا وهذا حق برأي ولا أرى أن هنالك مشكلة في ذلك، إذ من الممكن للناس أن يؤشروا علي في يوم ما ويقولوا أن هذا هشام شربتجي هو والد المخرجة رشا شربتجي.
أي أن لديك إيمان تام بها؟
على صعيد الإخراج أقول نعم، ولكن الإيمان ليس بها وإنما بالفسحة الزمنية التي من الممكن أن تعيشها، فأنا لن أعيش لفترة طويلة ولكن قياساً بالمنطق فإن لديها مساحة أكبر من المساحة التي أملكها للحياة، فبينما كنا في الماضي نقدّم عملاً طوال السنة أصبح الآن بعض المخرجين سواء رشا أو غيرها يقدمون عملين أو ثلاثة في سنة واحدة.
كونك كنت مخرج الجزء الأول من"يوميات مدير عام" والآن تم إعادة العمل بعد خمسة عشرة عاماً، كيف وجدت التجربة؟
أولاً أنا لم أكن مخرجاً للجزء الأول، فقد كنت صاحب مشروع "يوميات مدير عام"، وبالنسبة للجزء الثاني منه فإني أفضل ألا أتحدث عن الموضوع لأنني كلما تحدثت عنه فإني أتألم أكثر، فهل من الممكن أن يعاد عمل بعد خمسة عشر عاماً بالطريقة "القنوعية" التي رأيناها؟، هذا ما أتركه للجمهور.
هل قدّمت أعمالاً ندمت على تقديمها لاحقاً؟
هنالك الكثير منها، فطالما أن عملك مرتبط بشكل من أشكال دخلك فلا بدّ أن نضعف في بعض الأحيان وطبعاً هذا ليس تبريراً إطلاقاً، فأحياناً أندم لتقديمي عملاً على صعيد النص وأحياناً على التعامل مع شركة الإنتاج وأحياناً مع الممثلين فكل مرّة يكون الندم بطريقة لا تشبه الأخرى، ولكن بشكل عام أعتبر أن خياراتي أخلاقية وليست بعيدة عنها.
ماذا عن مسلسل المفتاح وتفاصيله؟
النص لخالد خليفة، وأتمنى أن أثبت من خلال هذا العمل كيف أن لسم الأفعى مفعول قوي يمكن أن يقتل شخصاً في لحظة واحدة ولكن في الوقت نفسه له فوائد كثيرة لمعامل الأدوية والترياق وللشفاء، فهو عمل يتحدث عن الفساد الاجتماعي والأخلاقي والتربوي والمادي خلال العشر سنوات الماضية ومن دون أن نظهر من هو المسئول لأننا في النهاية نحن المسئولون، وأتمنى أن نحوّل هذا السم المكتوب به العمل إلى ترياق جميل.
والنص فيه إشكاليات كبيرة جداً والكاتب لا يعي قدرة الدراما السورية على الاستيعاب ولكني رغم ذلك أحببت النص كثيراً، فلدي 260 شخصية وكل واحدة منها ليس لها سوى مشهد واحد، والعمل ضخم جداً ويحوي الكثير من الفنانين، فمن النجوم"باسم ياخور، فايز قزق، أحمد الأحمد، سلمى المصري، وفاء موصللي، أمل عرفة، نسرين الحكيم، عبد المنعم عمايري، جمال القيش، قمر خلف، ديمة قندلفت" بالإضافة إلى أربعمائة اسم بعدهم، وأود هنا أن أشكر كثيراً كل الذين قبل العمل مع هشام شربتحي ولو بأدوار صغيرة لا تتعدى الخمسة أو العشرة مشاهد وذلك احتراماً منهم لهشام شربتجي مثل" جمال العلي، غادة بشور، جرجس جبارة" فهؤلاء أشكرهم من كل قلبي وأتمنى لهم التوفيق دائماً.
أغيد شيخو _ عالم نوح