هيثم شكور ولقاء مع شادي نصير
- يوليو 14, 2010
- 0
في لقاء مع شادي نصير، الفنان التشكيلي هيثم شكور يقول: في لوحاتي تشاهد وشاحاأو نورا ساقطا .. له حالته الطقسية، ليس له علاقة بعالم المادة .. هو من عالم الروح.
الفنان التشكيلي هيثم شكور هو أحد أهم الأسماء السورية في الحركة التشكيلية، وله رؤية خاصة جداً بطريقة إبداع اللوحة. ساهم بتصميم ديكورات المدينة الرياضية في اللاذقية وله عدد كبير من الأعمال اقتنتها وزارة الثقافة وأعمال أقتنيت ضمن مجموعات خاصة. شارك في معرض خمسة فنانين من اللاذقية في صالة الوفاء بدمشق بالإضافة إلى معارض جماعية كبيرة.
يقول الفنان في افتتاح معرضه السادس ضمن النشاطات الفنية المرافقة للمهرجان “ملامح آوغاريتية “ : من هذه القدسية وهذا التسامح الروحي من فكر الشرق الأوسط القديم المصري- البابلي- الصومالي- والكنعاني- الآرامي, ظهرت الأيقونة الشرقية مجردة وروحانية واستمرت هكذا غير مكترثة بتطور الفكر الروماني ولا بما رافقه من تطور في الفن الهيليني.
إنه اليوم معنا في موقع عالم نوح من مرسمه الفوضوي الأنيق:
أبتسم قائلاً أهلاً وسهلاً بكم…
الأيقونة: إنا تفردت في رسم الأيقونة و إن أردتم التحدث عنها سأتحدث عنها فيما بعد لأن تجربتي لها محطات بدأت من الطبيعة وتعلمت منها ورسمتها بشكل عام : جبل- بحر- بيادر…
وكانت مرحلة أساسية تمكنني من الفن هي عبارة عن مرحلة تعليمية تعاملت فيها بمواد كثيرة منها الزيتية والمائية كأي فنان في بدايته, كانت خطواتي الأولى ممزوجة بالتعلم وفي الحقيقة بقيت هذه الفكرة معي حتى يومنا هذا حتى الآن أحب التعلم وأشعر بهذا كل يوم.
الأيقونة بحد ذاتها أثرتني من البداية أنا أذكر عندما أخذتني والدتي رحمها الله إلى الكنيسة، كانت أول مرة أشاهد فيها لوحة فنية وانبهرت بالألوان الذهبية والألوان الزاهية للأيقونات دون أن أعرف ما معناها, هو تفاعل مع الصورة كأول مرحلة.
" وبالنسبة للنساء" في الحقيقة لا يوجد عندي نساء بالمعنى الحرفي, مثلاً يوجد بعض الرسومات تختلف معالمها بين الأنوثة والذكورة في تحييد. مثل اللوحة التي اتخذت من الفنون الشرقية "بوذا" لم يعرف أمرآة أم رجل وبالتالي كل شخص من خلال نظرته ممكن له أن يميز بأن هذا ذكر وتلك أنثى.
وعن بداياته حدثنا مبتسماً: بدأت بالطبيعة خاصة الصيادين وهي أكثر مرحلة أحببتها حتى أصبح مرسمي البحر، تفاعلت مع الصياد ورسمت البحر والمراكب والسمك تعلمت من البحر الكثير .. كيف أعمل بقع زرقاء وحمراء .. فأول لقاء لي مع البحر كان في حلته الزرقاء. كان هذا اللون هو كل شيء، وبقيت متواصلة معي هذه البقعة الزرقاء حتى علّمتني كيف أجرد الألوان جميعها … وذات مرة قرأت قصة لجانكيس آتماتوف (الكلب الأبيض الراكض على حافة البحر) بقيت حوالي الثمانية أشهر أو السنة وأنا أشتغل على قصة لجانكيس اعتماداً على سيناريو للأديبة (غلاديس مطر) فرسمته في حوالي الـ50 صفحة متقطعة مثلما يعملون بأفلام الكارتون…. هذا أعطاني قوة بالحالة الخطية للأشكال وأصبح التجريد بالنسبة لي أحد سماتي, ثم إن عملي في الديكور والانتيريار والرسم الهندسي علمني كيف أكون قوياً في المناظر والخطوط كما أن الإشباع في الطبيعة والصيادين ..جعلني انتقل لحالة مقدسة روحانية أوصوفية باللوحة وخاصة عندما أتناول موضوع الصيادين, وبدأت أتفاعل مابين الأيقونة وقصة جانكيس آتماتوف التي رسمتها وطبيعة عملي. وأخذت هذه الحالات الثلاثة ومزجتها بروحانية.
كنت أتسأل ماهو الشيء المقدس؟ أين سأشاهد هذه المقدسات.. ؟ ولأن الشرق يعتمد على المقدس؛ طبعاً أي عمل فني ناضج هو عمل مقدس, اتجهت لأقرب شيء لي وهي الأيقونة لأنها تمثل حالة سورية محلية.
عندما حاول البيزنطيين أن يقدموا فنا خاصا بهم اتجهوا إلى الشرق وأخذوا منه معالم الأيقونة، هذا الذي جعل تأثير الفنون القديمة؛ كالفن التدمري و السومري و الفرعوني وحتى لوحات الفيوم، على الأيقونة كبيرا، بل و أثروا هذا النتاج المقدس. أيضا عينت بالمنمنمات العربية أو الإسلامية وتأثرت في الهندسة بالتجريد الإسلامي الذي كان ينطلق من مربع بداخله مربع آخر إلى لا نهاية…..هذا العالم بأكمله جعلني أنتج لوحة إن لم تكن صوفية فهي قريبة منها.
العمل الفني يملك أبعاد فكرة:
في لوحاتي تشاهد وشاحا- نورا ساقطا .. له حالته الطقسية، ليس له علاقة بعالم المادة .. هو من عالم الروح.
وامسك الفرشاة بيده وبدأ يرسم على اللوحة بطريقة فنية مندمجة مع القليل من الانفعال…وأكمل: في الحالة الصوفية أقدم مابين السكون والحزن.. لا يوجد فرق.. وفي الحقيقة هو ليس حزن، هو حالة سكونية … وجه معدوم التعابير في حالة ثابتة. وهذه الحالة في الواقع تنقسم إلى قسمين: تشاهد اللوحة حزينة ولكن الذي يتعمق فيها يشاهدها في حالة من السكون.. أنه تعبير أزلي، لا يوجد غضب … لا يوجد فرح .. بل حالة من الراحة والطمأنينة، فأنا لا يوجد بلوحاتي حزن.
في المرحلة الانطباعية كان اللون يتفاعل مع الواقع، كانت الحالة الطقسية للرسم أو الحالة الزمنية تتواجد في لوحاتي الانطباعية، لماذا؟ لأنني كنت أنصهر مع الطبيعة وكانت تتولد هذه النقلة و تنصب في اللوحة بحالة طقسية أو زمنية.
عندما يكون الفنان جالسا في مرسمه ويرسم من خياله … المؤثرات التي بداخله تفرز ألواناً…مثلاً ممكن أن تتفاعل أحاسيسه مع اللون الأزرق- الأحمر- الأخضر جميع هذه التفاعلات اللونية تأتي بمثابة البقعة الزرقاء التي شاهدتها لأول مرة في البحر … لم يتغير فيها شيء.
عاود الإمساك بالفرشاة مرة أخرى ولكن بطريقة عفوية جداً..لامس لوحته من خلال ألوانه ومن ثم أكمل الحديث: هذا يكون ضمن البيئة والثقافة والرغبة أو الحب وأذكر عندما كنت صغيراً كان يراودني سؤال :هل أنا رسام أم شاعر أم موسيقي؟
بالحقيقة جميع الأطفال يحبون الرسم ويرسمون ولكن أكثر شيء تتناوله يدي هو الألوان وبدأت أعمل باللون .
ما هي البيئة بشكل عام: هي أنا ورغبتي وحبي لأن في أبعض الأوقات البيئة والأهل يرفضون موضوع ما، فلا يتوفر لديك الجو الفني أو الثقافي المساعد ولكن يبقى لديك أهم شيء وهو حبك.. جميعنا أعمالنا ذاتية. إن كان كاتب أو شاعر أو موسيقي عندما يتملكه الحب ينعزل لا تستطيع أن تسأله عن نفسه بل عن أعماله..
عمل الأيقونة:
إذا خالف الشخص القواعد والنظم للأيقونة تبقى (هرطقة) ومع ذلك استطعت أن أجد لنفسي نسبا وتشكيلا روحانيا عاليا، كانوا يطلبون مني رسم الأيقونة مثلما أرسمها أنا … لأنهم وجدوا في لوحاتي حالة من الروحانية المقدسة، وبالتالي نموذجي حولته للأيقونة وقد بلغ طولها (8) أمتار وعرضها (8) أمتار أي جدارية ضخمة تمثل حياة قديس عاش باللاذقية " القديس أريكس"، الموارنة أسموها (ماريشا)على اسمه لأن (ريشو) تعني بالسرياني رأس أوحاكم (ريشا) تعني باللاذقية ابن حاكم روما.
"الحديث عن الفن السوري"
يوجد فنانين كبارا ولهم تجربتهم الكبيرة والعريقة تفاعلوا مع الفن بشكل رائع وجميل، لا أستطيع أن أصفه إلا بكلمة واحدة من بدايته حتى اليوم إلا بأنه "فن حر" هذه الحرية في الفن السوري أعطته تطورا جعلته يصبح فنا معاصرا ومتطورا.
بالتالي الفنان السوري بشكل عام متحررا من القيود التي فرضتها المدارس المتزمتة … وهو ملتزم بقضاياه مجتمعه كما أن بعض الفنانين يطرحون بيئتهم المحلية بطريقة جديدة ومعاصرة .
جديد الفنان هيثم:
دائماً في عملية التجربة لابد من شيء جديد…الأحاسيس تتغير المواضيع أيضاً والأماكن أيضاً.
لا أخفيكم أيضاً بأن هناك أثر لهذا الصياد .. أغادر وأعود … وأشاهد نفسي جالساً أمامه وأتحدث معه…. وهو بالحقيقة يعطيني حالات من الواقع وغير الواقع وفي أكثر الأوقات أرفعه عن الحياة المادية وأطلقه من هموم الحياة ومشاكلها إلى السكون.
وأشكر استضافتكم لي ومع فائق احترامي للأستاذ نوح.
لقاء: شادي نصير
تحرير: رنا ماردينلي