واقعية مفرطة لأغيد شيخو
- ديسمبر 13, 2012
- 0
سألتك حبيبي لوين رايحين، خلينا خلينا، تسبقنا سنين”، كان يعيش على هذه الأغنية ومثيلاتها طوال حياته، فلا يعير لشيء انتباهه ولا يكترث إلا للحظة التي يعيش فيها، فالمستقبل لديه مجهول الهوية وشخصٌ ثقيل الظل غير محبب.
واقعية مفرطة
"سألتك حبيبي لوين رايحين، خلينا خلينا، تسبقنا سنين"، كان يعيش على هذه الأغنية ومثيلاتها طوال حياته، فلا يعير لشيء انتباهه ولا يكترث إلا للحظة التي يعيش فيها، فالمستقبل لديه مجهول الهوية وشخصٌ ثقيل الظل غير محبب.
تعوّد عليه جيرانه بهذه الحلّة، فهو على الرغم من عدم اكتراثه بالمستقبل وما يحمله إلاّ أنه بدى مواظباً جداً على تلقين نفسه العلوم والفلسفة والآداب وكان محباً للمغامرة، فهو حالم ومجد إلى جانب كسله واسرافه، وهو في كثير من الأحيان كان معترفاً بهذا التناقض معتداّ به غير ناكر وجاحد له.
مرّت سنوات كثيرة على حاله هذه لم يستطع فيها أحد من أقاربه وأصدقائه إقناعه بالتفكير جدياً بحياته ومستقبله، وقد وصل بهم الأمر إلى مقاطعته نهائياً وعدم السؤال عنه وإن كان مريضاً، الأمر الذي أحزنه قليلاً كونه كان محور كل جلسة وصاحب أيّة مبادرة في الرقي بالنفس، فاكتظت جلساته بكل من كان يحلم مثله ولكن يبدو أن الحلم توقف ولم يعد من شيم أصدقائه السباحة في بحار لا يدرون مدى عمقها، لذلك فقد التجأ كل منهم إلى عمل يدّر عليه بعض المال ليستطيع ولو في ساعات الليل الأخير أن يحلم قليلاً وإن بدت هذه الأحلام مثقّلة بقيود العمل اليومي، وإن كانوا عارفين تماماً بأنهم لن يتذكرون من أحلامهم شيئاً في الصباح، إلا أنه بقي متمسكاً بأفكاره التي تدعو على الرقي بالروح والفكر والنفس أكثر من الانغماس في روتين الحياة الممل وعملها الذي هو باقٍ ما بقيت الحياة.
بعد فترة، بدت ملامح الناس مختلفة وغريبة وبدت كلماتهم منطقية إلى حد الجنون، حتى أنهم وصلوا إلى مرحلة رفضوا فيها أن تكون للشمس رائحة على الاطفال -ولو جدلاً- وأنّ القمر له شرفات مضيئة كعيني ملاك، وحتى أزهاره في المنزل بدت منطقية جداً وقاسية مع النسيم فلا تتحمل أحداً ولا تجامل أحد، وإن صدف واجتمع بقربها حبيبان فلا بدّ مقابل كل لمسة إعطاءها كأس ماء…
جلس في غرفته حزيناً لا يدري ما يفعل وكل ما حوله جامد لا يتحرك، ففي حين كانت الجدران مكحّلة بعينين من صدأ فإنها الآن أصحبت مجرّد جدران صماء لا تعي ولا تغني ولا حتى تكحّل عينيها، وبينما كانت الأشجار تلاطف النهر الساري أسفل قدميها برقة ووداعة، فقد أصبح كل واحد منهما يفرض ضريبة مرورية على الآخر، وعلى الرغم من كل هذا فقد كان مقتنعاً بواقع الأحوال وراضياً به، إلاّ أنه لم يتوقع يوماً أن تتغيّر ملامح الأغنية الوحيدة التي كانت تؤنسه وتخفف عنه أوجاعه فسمع فيروز تغني وقد أطلّت من شرفة القمر بملامح واقعية وجادة كالشتاء "سألتك حبيبي لوين رايحين، خلينا خلينا، مفيش بنزين…..".
*إلى أهل غزّة
أغيد شيخو_ عالم نوح