واليوم الخامس لسمير طحان
- أبريل 28, 2010
- 0
اليوم السابع والعشرون والثامن والعشرون من العين الثالثة، وختام كتاب أحبك وطبعا الرسومات لهاكوب دولمه جيان، وكتابات لـ سعيد رجو، ودار بعل للطباعة، وأيمن زيدان، جوني طوبال وليلى مقدسي و سالبي بغده صاريان دولمه جيان، بيانكا ماضية و رانيا كرباج قهواتي وهذه الكلمات تعتبر كذلك تمهيداً لكتاب سمير طحان ولا ويل بردى.
السابع والعشرون من نيسان
أَلْمَظ: مُبْتَقِع الشفّة السفلى.
حلم: ذوّاق بن أشداق، جنِيّ الطعمة. علم: الإخماد الوقّاد.
1 ـ عقابيل قلق على المستقبل ـ 2 ـ يقظة القوى الخلاّقة ـ 3 ـ إعداد ما يجب أن يُقال وما لا يجب أن يُقال ـ 4 ـ نقص الغذاء الروحي وفرط التغذية المادّية ـ 5 ـ دعوة إلى التشبُّث بالواقعيّة ونبْذ الإغراءات الروحيّة ـ 6 ـ ضرورة التعلّق بالأفكار البنّاءة والمحيية والمُطمئِنة والمُنشِّطة ـ 7 ـ آثار تناقض بين العالم الظاهري والباطني ـ 8 ـ نزوع العقل إلى رفض التعويل على العواطف ـ 9 ـ زيادة الاعتماد على المنطق العقلاني في حلّ المشاكل ـ 10 ـ تقوية الفعاليّة بتفعيل الانفعال ـ 11 ـ التجهُّز للإنتقال من معرفة الحقيقة وإدراك الحقّ إلى تحقيق الحقيقة وإحقاق الحقّ ـ 12 ـ التأهُّل للتقدّم من الفاضل إلى الأفضل والتطوّر من الكامل إلى الأكمل ـ 13 ـ نخوة الخروج من النعيم الذاتي إلى النعيم الموضوعي ـ 14 ـ الارتقاء من إسعاد النفْس إلى إسعاد الغير ـ 15 ـ التحوُّل من التعلّم إلى التعليم ـ 16 ـ كظْم الغيظ وامتصاص الصدمة لتحويل الانفعال إلى فعل.
الثامن والعشرون من نيسان
أَلْمى: أسمر أو أسود الشفّة.
حلم: لاماص، عفريتة الإخلاص. علم: الانحلال الاحتلالي.
1 ـ تجلّي الطاقة السحريّة ـ 2 ـ تبدّي القدرات الخارقة ـ 3 ـ كُمون قِوى الخيال الخلاّق ـ 4 ـ امتلاك البراعة على تحريك الأحداث ـ 5 ـ ابتداع الطرق الممكنة لإجراء التحوّلات المستحيلة ـ 6 ـ الانتقال من النقيض إلى النقيض دون مُقدِّمات ـ 7 ـ الخيال المُعَوِّض عن الإخفاق في الواقع ـ 8 ـ رسولة الغرائز إلى العواطف ـ 9 ـ رسولة المشاعر إلى العقول ـ 10 ـ السّعي إلى الوصال في كلّ الأحوال ـ 11 ـ السِّحر الطبيعي الذي لا يُقاوَم ـ 12 ـ السِّحر الحلال ـ 13 ـ ضَفْر الحِسّي بالعاطفي بالفكري لِربْط الحبيب بحبْل الروعة الشاملة والمُتعة الكاملة ـ 14 ـ البراعة في سلب القلب والعقل بلحظة ـ 15 ـ مهارة التكيُّف مع الواقع وقبول الذات كما هي واستثمار الطاقات المُتاحة إيجابيّاً وإلى الحدّ الأقصى ـ 16 ـ التفوّق في إزالة التجارب الفاشلة بإحلال تجارب ناجحة ـ 17 ـ التحكُّم بالمصير الذاتي ـ 18 ـ رفْض وصاية الغير على الذات ـ 19 ـ نبْذ حماية الغير للذات ـ 20 ـ التشبُّث بحرّية تقرير المصير والاستقلال الذاتي ـ 21 ـ الصعود الجدَلي من الروحاني إلى الجسماني ـ 22 ـ الشعور بالعيش قبل الحياة الحاضرة وبالاستمرار في العيش بعد الموت القادم ـ 23 ـ وجوب تعاقُب الحضور والغياب لتقوية الحبّ بين الأحباب ـ 24 ـ الانطلاق من الوضوح إلى الغموض ـ 25 ـ ضرورة الحِفاظ على بعض الغموض لإدامة التشويق.
أحبك
/ أحبّك ونحن ننتظر تكسي
الدنيا على وشك أن تُمسي
والسائقون لا يقفون
وبنا لا يأبهون ولا يكترثون ولا يُبالون
ماذا لو أنّنا في حالة إسعافية
أو في مهمّةٍ ضرورية؟
المدنية على وشك أن تُمسي
المشاكل تُنسي
ويصفّ قبلنا مارد
ويقول بصوت بارد:
إنّهم الآن ينصرفون
ولهذا السبب لا يقفون
ويقف تكسي أمامنا بالضبط
فيركض المارد ويأخذه بالخبط
الإنسانية على وشك أن تُمسي
وأكاد أحتقر نفسي
ويقف تكسي لفرفورة بالميني
ويقف تكسي لعصفورة بالميدي
ويقف تكسي لصرصورة بالمكسي
القيم على وشك أن تُمسي
وأغالب يأسي
يقولون في مدريد:
عند انتظار التكسي المديد
أشعل لفافة فيأتي تكسي أكيد
وا أسفاه، بطّلنا التدخين!
ولا نقدر أن نقطع التخمين باليقين…
وتمرّ التكاسي ونحن نقاسي
ونعاني دون بلوغ الأماني
وتمرّ عجوز عجول
وتقهقه وتقول:
يا ناطر تكسي
إقرأ آية الكرسي!
ونقرأ آية الكرسي وسورة الرحمن
والصافنات والأنعام والفرقان
ونظلّ نُراوح في المكان
الماشي عصفور والواقف حجر
هيّا نمشي! قبل أن يفجّرنا الضجر
والغيظ والقيظ والنزق والحنق والكدر
مليح مافي برد ومطر
ونمشي مكسوري الخواطر
وندعوا لكلّ النواطر
أن لا يصيبهم نحسك ونحسي
وأن يلاقوا بسرعة تكسي
ويُمسي الجمال والخير يُمسي
ويُمسي الحقّ والمحبّة تُمسي
فانتظري فجر الصبح يا نفسي!
71/ أحبّك يا منيتي
كما لو أنّك حفيدي أو حفيدتي
أو ابني أو إبنتي أو أخي أو أختي
وأحسّك في دمي
كما لو أنّك أبي وأمّي
وجدّي وستّي
أحبّك يا فرحتي
كأنّك كل أسرتي
بلا عنوان
رانيا كرباج قهواتي
1/على كرسيِّ العتيّق…
وطاولتي الأبداً مستديرة..
بين أوراقي اليتيمة…
وأحلامي الكسيرة…
وقصص تطلّ من الذاكرة…
وعيون لم تزل في الذاكرة…
تراءى لي…
نورٌ كما القمر…
لطيفٌ…
بعيدٌ…
ظلّ كما النغم…
يرقص في خيالي…
يسكر من ثماري…
نتهادى على شفير الجسد…
نتعاطى العيون…
نتبادل الأحلام…
ونشتهي الأبد…
تبدّى كما النسيم…
طيفٌ حميم…
أعشقه منذ بدء التكوين…
هطل في غفلة من حزني…
لوَّن مكاني…
ونوَّر زماني…
أعلن ثورة على العدم…
تمرَّد
أشهر الخصب…
وأضاف قصّتنا إلى ملاحم الخلق
2/لطيفك لون البنفسج…
عطرٌ أبيض…
عبيرٌ…
ورونق…
لجسدك سحرٌ معتَّق…
لعينيك أحلام…
ولراحتيك قصص…
لأحاديثنا عمر البشر…
وآمال وُلدَت مع الزهر…
حين نتراقص يشتهي الكون…
يرنِّم السكون…
ويتناثر فوق جسدينا القمر…
حين نتبادل الأحزان…
والقُبل…
حين نتعاطى الوجد…
ونقترف الهيام…
تشرق الشمس في بيتنا…
ويزورنا الأبد…
تزهر أناملنا…
تولد قصائدنا…
ويتلو الدهر حكايتنا…
حلب ر . ك . ق . شباط 2008
أنين الصمت
بيانكا ماضية
تلك الشوارع التي امتدّت على عشق وأحلام
في هدأة ليل وأشواق
لم تعلم أنّ لوقع أقدامنا الرحيل
وأنّ هواءها سرقناه خلسة ومضينا
تلك الشوارع لمن ترقص اليوم
بعد أن أودعناها فصلاً من غياب؟!
هناك كان العاشقون
يرتّلون هيامهم على أرصفة الحنين
وكان قلبي يتسلّق جذوع أحلامهم
هناك تركنا ليل بهائه لهم
وامتشقنا نحن عتمة أسفاره
ليت الشوارع لم تغادرها الأحلام
ليت الأماني لم تغادر مدننا
ليتنا ما ودّعنا صخب العشق
في تلك الشوارع!!
* * *
أدمنتَ أيّها القلب أنين الصمت
ولم تشأ أن تشكو للسماء أحزانك
وانكفأتَ تعدّ الثواني غربةً في ليالي الأرق
تنسج من دموعك أملاً لغد بعيد قريب
كم ضللتَ الطريق إلى هُداك
وظننتَ أنك تائه عبر الفيافي
وأنّ آلامك جبال بوسع هذا الكون
وأنّ جروحك قروح لن تشفَ منها؟!
هل داهمك الموت أيّها القلب وعرفت سرّ الحنين؟
هل استشرفتَ نهايةً لتسلم بكل ما لديك من نجوم؟!
كنتَ متحفّزاً للإنطلاق
بعيداً خلف سماء الفجر
لم تنتظر أحداً تودّعه وداع الرحيل
أعرفك جيداً : لا تحبّ لحظات الوداع
وسرتَ في دربك يغريك الانعتاق
في ليل داجٍ لا يحفّه نورٌ
كنتَ تظن أن الفجر سيدنو
وأنّ الساعة أزفت لا محالة
وتركتَ فرحي بك يلتهب اشتعالاً
وتركتني أغوص في بحر أحزاني
هل عثرتَ الآن يا قلب على شيء؟
أم مازلتَ تبحث هناك عن ألقك؟!
حلب ب. م. 7/ تشرين الأول/2008
حنين
سالبي بغده صاريان دولمه جيان
سأشم ُّ من جديد
ذاك العطر الذي
قرُبَ مني
هربَ مني
دون َ أن أسكر..
بنفسي…
و دون أن أسكر
سأسهر
بعُتمتي
في النور..
لأقطف َ
قبل َالنور
عطري البعيد
و أشم ُّ من جديد
و أسكر.
* * *
سأضم ُّ من جديد
ذاك َ الزفر الذي
عَبَر َ عِبري
عَمَر َ عِبري
دون َ أن أؤمن…
بِحِسِّي..
و دون َ أن أؤمن
سأدمن
بلمستي
النار
لأسرُق
قبل َ النار
زفري البعيد
و أضم ُّ من جديد
و أؤمن.
2009 س . ب . د . كانون الثاني
أحبك
ليلى مقدسي
1- تورق…. أغصان العشق
النرجس الناعس همس
والورد فوّاح بالشوق
أيها البنفسج الخجول
رشفة وجدك
تسقي كل قلب محبّ
أحبّك
يضحك قمر
وتتناغى نجوم
تتمايل الحروف نشوى
كالبخور تذوب.
2- أحبّك
الألف الألوف دالية
والحاء عنقود حنون
تموج الباء طوّافة
بين الغياب والحضور
كيف تاهت الكاف حيرى
بين لقاء وفراق؟
3- أحبّك أبجدية
اختصرتْ كلّ كتب العشق
اثملي أيتها الروح
ليل المحبّ يطول
أحبّك
حلاوة الفصول
تعتق خوابي الشتاء
ينتشي الربيع
وتهسهس أوراق الخريف
شوقاً لصيف الاحتراق.
4- أحبّك
رعشة الكلمة توهج النور
من قلب لقلب
سأغزل على أساور الحلم
أحبّك….أحبّك
تصطلي الحروف
جمار عشق وشعر
أكان الحبّ طيراً غريداً
يناغم كلّ أوراق العمر؟
ل . م . كانون الثاني 2009
أحبك
جوني طوبال
1- أحبّك كأساً يسكر
أحبّك صمتاً ينثر
أحبّك طعاماً صامتاً
شراباً ساكتاً
أحبّك
وانا في الحب أستغيث منه
أحبّك
وأنا في الحب أتعب منه
أحبّك
وأنا في الحب أهرب منه
أحبك
وانا في الحب أضجر منه
أحبّك ماءاً بسيطاً
رملاً خجولاً
أحبّك قلباً يشرد
أحبّك حزناً يسرد
2- أحبّك قمراً يشتعل
شمساً تنبسط
أحبّك ريحاً اليفة
نسمة عاتية
أحبّك روحاً تشتهي
جسداً يحنو
أحبّك لوناً يحكي
حرفاً يسري
أحبّك قلباً يلعب
مزاجاً يتعب
أحبّك صوتاً يسكن
ضوءاً يهدر
حلب ج . ط . كانون الثاني 2009
اللغم
أيمن زيدان
بعض الأحداث والشخصيات في هذا المقطع بعيدة عن الأحداث الحقيقية وهناك أشخاص تخيليون .
بأصابع مرتجفة وأعصاب مشدودة كان يحاول تفكيك اللغم الأخير.. لم يكن الأمر عادة أكثر من توتّر بسيط يزول تماماً عندما يبتعد مسمار الأمان عن الصاعق المجنون.. خلال خدمته الإلزامية فكّ مئات الألغام المنسية… واليوم يتابع مشواره في موقع ملغّم منذ ثلاث سنوات مضت على النكسة.
(.. الأمر بسيط بل بسيط جداً).. كان يداعب زملاءه الذين يتغنّون دائماً بمهارات الرقيب أول (سمير).. لكنه في هذا اليوم ومنذ الصباح بدا متجهّماً على غير عادته…لكنه سرعان ما حسم الأمر… (يبدو أنني لم أنم جيّداً.. كانت ليلة ثقيلة فالكوابيس جثمت على روحي منذ آويت إلى فراشي… اللهم اجعله خيراً…)، تابع تفكيك اللغم الأخير بيدين مرتعشتين وقلبٍ أطلق العنان لخفقانه…وفجأة خرجت الأمور عن مسارها الطبيعي…ربما أخطأ خطاً قاتلاً… أو ربّما…. لا وقت للتفكير… صرخ برفاقه أن يبتعدوا وأحاط اللغم بجسده النحيل ودوى صوت انفجار مرعب أخذ معه ذراعّي (سمير) والجزء الأكبر من بصره…
(في تمام الساعة الحادية عشرة ظهراً من يوم الاثنين الواقع في السابع والعشرين من نيسان 1970 وأثناء تفكيك ألغام الموقع 30 انفجر اللغم بالرقيب أول المجند سمير… وأصابه إصابة بالغة.. ولم تحدث إصابات أخرى بين أفراد المجموعة…) تابع رقيب الشرطة العسكرية كتابة الضبط بأعصاب باردة وقلب حديدي.
صرخ العناصر بفزع وحضرت سيارة الإسعاف وتمّ نقل (سمير) إلى المشفى العسكري وقد تدثّر بعباءة من الدم القاني.
رنّ جرس الهاتف الملعون كما سمّته أم سمير فيما بعد وجاءها خبر إصابة ابنها البكر كالصاعقة.. فرمت على جسدها المنهك أصلاً أسمالها الداكنة وتوجهت إلى المشفى تسابق الريح.
(عندما دوى الانفجار في رأسي… أحسست أنني أدخل كرة مفرغة من الهواء ثم عبرت نفقاً شديد الظلمة… وفي عمق النفق بعيداً كانت هناك فجوة من الضوء المبهر… فتحة من النور المشعّ.. دلفتُ نحوها… ثم غبت عن الوعي ولم أصحُ إلى الآن… وجدت نفسي كومة من اللحم مسجّاة على سرير لا أعرف لونه لكن له رائحة اللون الأبيض الذي ألفته يوم زرت أمّي في المستشفى منذ سنة تقريباً، كل ما حولي أكثر من الظلمة… ببساطة أدركت أنني فقدت ذراعَي وبصري… لم أصرخ أو أنح، بل استسلمت تماماً لما أنا عليه… كيف أتتني السكينة الخرافية…؟ لم أناقش الأمر كثيراً… كانت يد أمّي الحانية تتحسّس وجهي المشظّى… وبقايا ذراعَيّ… لم أرها في تلك اللحظة لكنني أحسست بكل تفاصيل ملامحها حين سكبت على وجهي ودون قصد قطرات دموعها الغزيرة… لا تيأس من الرحمة يا ولدي… المهم أن يحتفظ المرء بعقله… حين قبلت بي أمي… قبلت نفسي وسافر اليأس عنّي إلى غير رجعة، قوبلت من رؤسائي وضبّاطي بعبارات الثناء والتقدير… وأحطت برعاية استثنائية… لم أكن محبطاً جدّاً…. وكل ما أتمنّاه أن احتفظ ولو بقدر يسير من الرؤية يكفيني أن أتولّى رعاية شؤون حياتي…. أمّا الذراعين فلا بأس ربما أجد حلاً لهذه المشكلة العويصة وغير مستحيلة…)
حصل على قرار إيفاد للعلاج في الخارج… وسافر برفقة (نبيل) شقيقه الأصغر إلى روسيا… كانت المرة الأولى التي يسافر فيها… (كنت أحلم بذلك لكن بذراعين وعينين…)، كل الاختبارات الأولى أكّدت أنه يمكن أن يستعيد جزءاً يسيراً من بصره إذا التزم تماماً بكل التعليمات… أمضى في المشفى شهراً كاملاً وطُلب منه السفر على أن يعود قبل العاشر من تشرين الأول على أبعد تقدير لإكمال المرحلة الأخيرة من العلاج…. كانت التوصيات بالتقيّد بمواعيد العلاج حاسمة وجازمة…. سافر على أمل العودة قبل العاشر من تشرين…
(لا أذكر من تلك البلاد إلى أطبّائها ورائحة المشفى وأحاديث أخي المتكررة عن الأمل والإيمان بحكمة الرب..)
الأشهر التي تلت رجوعه كانت أصعب أيام حياته… (لا أسمع من حولي إلا عبارات المواساة ونشيج الأحبّة وصلوات المقربين ودعواتهم لي بالشفاء… كيف أصبحتُ بين يوم وليلة مدعاة للشفقة؟ مرّت أيام عصيبة ومؤلمة لا يخفّف من وقعها إلا أمل ببعض الشفاء قبل العاشر من تشرين… كانت أمي ذراعَيّ وبصري حبيبتي وبقايا فرحي..لقد أضحت بالنسبة لي كل الدنيا…وسط بحر حنانها كنت أخفي أوجاعي ويأسي رأفة بقلبها المفجوع… فحتى الآن لم تندمل جراح فقدانها لوالدي في ليلة مشؤومة قبل ثلاث سنوات… لا زلت أذكر نحيبها الذي لم يتوقف منذ رحيله المفاجئ… وفستانها الأسود الذي لوّن روحها وأيامها التالية…وجدت نفسي في محنتي هذه أكتم كل خيبتي وأبدي بعضاً من الأمل الكاذب… لكنّ أمي بحدسها المدهش لا تنطلي عليها محاولاتي تلك…. فظلّ بيتنا المتواضع أسير نشيجها الدائم صباح مساء.. ابتهالاتها إلى الله أن يعيد لي شيئاً من بصري).
عاش سمير أيامه التالية مرتهناً للوقت والتاريخ… ينتظر عودة أخيه من مشاويره اليومية في الدوائر الرسمية لإنهاء أوراق السفر قبل العاشر من تشرين….
كانت تطمينات أخيه تخفّف من معاناته… رغم أنه كان يخفي فتور تعاطف المعنيّين مع مصاب أخيه، وطوال رحلة إنهاء إجراءات السفر كان سمير يبحث عن دروب جديدة للحياة وللأشخاص.. كل الطرق والأشياء بدأت تأخذ أشكالاً لم يألفها من قبل… كيف اختفى كل شيء من حوله دون سابق إنذار.. وكيف هاجرت كل ألوان الدنيا وبقي لون واحد الأسود؟…. أسود لا يشبه سواد فستان أمه ولا لون عيني فتاة أحلامه.
(مساء الأول من تشرين زار الفرح المهاجر بيتنا المتّشح بالوجع… اكتظّت غرفتي بالأحبّة والأقارب…. وعبقت رائحة البهجة، فقد انتهت معظم الإجراءات المنتظرة للسفر وأنا أيضاً بدأت أبصر أطيافاً جديدة من الضوء الخجول تداعب عينيّ الغائرتين، أمي التوّاقة للفرح منذ أمد بعيد كانت تطعمني بيدين ترقصان من السعادة… وكان حديثها الذي افتقدته منذ وفاة والدي يضفي على الليلة والبيت ألواناً زاهية، في اليوم التالي بدأت التحضيرات الأولية للسفر…)، (سنسافر الأسبوع المقبل إن شاء الله… أنا يا بني أخاف من ركوب الطائرة…لم أجرّبها في حياتي… الحياة تغيّرت كان الناس يضيّعون قسطاً من أعمارهم على الدروب…. اليوم صارت الدنيا ضيعة صغيرة جداً… الله يرحم أباك.. كان يحلم أن يسافر ولو مرة واحدة… لكن العين بصيرة واليد…) نظرت إلى ذراعيه وغيّرت مجرى الحديث.
في صبيحة الخامس من تشرين لعلع صوت نبيل المبتهج. (غداً ستنتهي كل الإجراءات… وسنسافر بعد غد على الخطوط السورية إلى موسكو… وهكذا سنكون قد وصلنا قبل الموعد المحدد… شدّ حيلك أبو سمرة خلال أيام سينتهي كل شيء وسنتجوّل معاً في شوارع موسكو الرائعة… الله وكيلك في المرة الماضية… الله لا يعيدها… لم اشاهد إلا المطار والمستشفى… أصدقائي أخبروني أن موسكو رائعة… شوارع وأبنية وفتيات جميلات…) رمقته الأم بنظرة لوم فابتسم.. (الله جميل يحبّ الجمال… على فكرة، يا أم سمير أيقظيني غداً قبل الحادية عشرة سأستلم كتاب الإيفاد النهائي الساعة الثانية عشرة ظهراً… عن إذنكم سأذهب لوداع الأصدقاء..) غمز أخاه بعينيه… ثم تذكّر.. فهمس في أذنه (سأودّع نجوى..) وغادر بحيوية لافتة.
في اليوم التالي لم يستطع نبيل أن يدخل مبنى وزارة الدفاع للحصول على الكتاب…. فقد أعلنت حالة الاستنفار القصوى ولعلع في سماء المدينة أزيز الطائرات، ودخلت البلد من حالة حرب عنيفة امتدّت على مدى الأيّام التالية… انهمك الجميع بمعركة الكرامة والعزّة فأغلقت كل الأبواب في وجه نبيل… حتّى أنه بات يشعر بالخجل وهو يتابع أمراً كهذا في ظل الظروف كهذه…
في صباح العاشر من تشرين غادرت أطياف الضوء عيني سمير وجلس في ظلام غرفته ساهماً… يلعن الظلمة والحرب بينما كان نشيج أمه يلف المكان.
أيمن زيدان
ليلة رمادية
دار بعل للطباعة 2007
على ذمة التاريخ…
سمير ليس الابن البكر… توفي والد سمير بعد أن شهد فجيعة ابنه… كان الإيفاد إلى اسبانيا… الأخ نبيل نسج من خيال الكاتب وقد رافق سمير في رحلته العلاجية الرقيب الممرض مصطفى كريكر من الزبداني…
كان سمير يزرع لغما فأدرك أنه عاطل… وفعل ما فعله لإنقاذ جماعة الزرع التي كانت ترافقه..
عدم إعادة إيفاد سمير إلى إسبانيا لاستكمال العلاج ما كان بسبب حرب تشرين بل بسبب الأهواء الشخصية للطبيب المعالج.
فقرات من مذكّرات سعيد رجّو
سعيد رجو
في أواخر عام 1966، اصطحبني الصديق الشاعر فايز مقدسي معه في زيارة لصديق له، قال لي: إن شاعراً يدعى: سمير طحان، وكان مقيماً في بيت أهله وأجرى بيننا التعارف حسب الأصول، ودار بيننا حديث عن الشعر والشعراء ثم اسمعنا بعض قصائده، فأحببتها، إذ وجدت فيها ملامح جدّة ورشاقة أسلوب، إلا أنها شبيهة إلى حدّ كبير، بالشعر المترجم، وكان هذا اللقاء بداية عهد من الصداقة، لم يزل مستمرّاً حتى الآن، وخلال اللقاء رأيته بكامل جسده، وبكل مرارة وأسى، أقول: لم يتكرّر ذلك، إذ أنه ألتحق بالجيش لأداء خدمة العلم الإلزامية، وتمّ فرزه إلى سلاح الهندسة العسكرية وبعد انتهاء الدورة التدريبية، راح يزرع الألغام، ويدرّب الآخرين على زرعها، وخلال حرب الاستنزاف، التي أعقبت نكسة حزيران، تعرّض لذلك الحادث المروّع الذي أودى بعينيه ويديه، وجاء الخبر الجلل المروّع، لقد أصيب سمير إصابةً فادحةً، وكانت تفاصيلها كما يلي: أثناء قيامه بتجهيز لغم أرضي للزرع، أصدر اللغم ما يُشعر بأنّه سينفجر فيما كان يُلقّمه سمير، وكان حوله لفيف من العساكر، فلو ألقاه لقتل الكثيرين منهم، لذا آثر أن يلقي بنفسه على الأرض، محاولاً دسّه في التراب، فانفجر ذلك اللغم اللعين، فالتهم كفّيه، وأغشى عينيه، وإنه الآن في المستشفى العسكري بدمشق، فكان لهذا النبأ وقع الجمرة في صدري، وأغرقني في لجّة، لا قرار لها، من الأسى، يالهول مصابك يا سمير، يالفجيعة أهلك وأصدقائك. وكنتُ كلّما جئتُ على ذكره، لا أتمالك نفسي من البكاء، وعاد سمير إلى بيت أهله في حلب، وراح أصدقاؤه يعودونه وكنتُ أتساءل: كيف سأحتمل رؤيته، دون عينين ويدين، واستجمعت رباطة جأشي وتجلّدي، إذا لا بدّ مما ليس منه بدّ، وعدته، إلا أنني لم استطع الكلام، بل قبّلته وجلست أمامه صامتاً، أفكّر بهول مصابه الفادح، متسائلاً في سرّي: كيف ستأكل يا سمير؟ كيف ستستحمّ؟ كيف؟ كيف؟…. فتمزّقني هذه التساؤلات المريرة، وتتالت الأيام، وتتابعت زياراتي له، وشيئاً فشيئاً، رحت أحتمل رؤيته وأقوى على التحدث إليه، وكنتُ كثيراً ما أرى عنده آنسة مهذّبة أنيقة، عرفت، فيما بعد، أن اسمها منى صنونو، فكان هذا يمنحني شيئاً من الارتياح، كما كان يريحني وجود والدته، تلك المرأة الراقية، الرؤوم، وتبهجني إحاطة إخوته به، هؤلاء الشباب المثقّفون المتميّزون، المتنافسون في خدمته، والترويح عنه، مما يبعث عن الطمأنينة بأن سمير طحان ليس وحده، إلى أن ثمة أمر كان يقلقني، وهو خشية أن لا يكون قادراً على الاستمرار بالعطاء، وقد تجلّى قلقي هذا في قصيدتي «الشهيد الحيّ» التي استوحيتها من محنته، إلا أن قلقي تلاشى حين رأيته يواصل، بكل جبروت، مسيرته الإبداعية، سيّما حين دخلت حياته السيدة منى صنونو، لتكون له اليدين والعينين.
س . ع . حلب 2005
شكر خاص لمن يدعمونني بإخلاص …………………………………… 5
عيد الحبّ = عيد القرندش ……………………..……………………… 7
أغنية طير الأرندش ………………………………………………………… 11
أغنية عيد الحب …………………………………………………………… 11
أغنية جاية الحب ……………………..…………………………………… 12
حول أحبّك ……………………..…………………………………………… 15
اهداء افتتاحي ……………………………………………………………… 19
أحبّك …………………….…………………………………………………… 21
اهداء اختتامي ……………………………………………………………… 201
بلا عنوان – رانياكرباج قهواتي …………………….…………………… 203
أنين الصمت – بيانكا ماضية …………………………………………… 207
حنين – سالبي بغده صاريان دولمه جيان ………………..…………… 209
أحبك – ليلى مقدسي ………………..…………………………………… 211
أحبك – جوني طوبال ………………..…………………………………… 215
اللغم – أيمن زيدان ………………………………………………………… 217
دار بعل للطباعة 2007 – على ذمة التاريخ… ………………………… 222
فقرات من مذكّرات سعيد رجّو – سعيد رجو …………………..…… 223
الأعمال المطبوعة على نفقة الكاتب
– ولاويل بردى: حلب 1976 مجموعة شعريّة تُعالج مشكلة الفقدان.
– Velas de Altamira: مدريد 1978 فيلاس دي ألتميرا رحلة شعريّة بالإسبانيّة ترصد حركة العناصر والكائنات عبر أطوار السحر والدين والفلسفة والعلم.
– هناهين قُوَيْق: حلب 1980 مجموعة شعريّة تُعالج مشكلة النكران.
– الحكواتي الحلبي: حلب 1981 مجموعة حكايات شعبيّة سوريّة مُفصَّحة.
– القصّاص الحلبي: حلب 1982 مجموعة قصص شعبيّة سوريّة مُفصَّحة.
– Oratures Syrienne: Alep 1996 شفويّات سوريّة: حلب 1996 منتخبات من الأدب الشفويّ السوريّ مُترجمَة إلى الفرنسيّة مع تفنيد للترجمة، مع الدراسة لظاهرة استخدام العامّة لغة القواعد الصرفيّة والنحويّة في حياتهم اليوميّة، بالاشتراك مع الدكتور يانيك لوفران عالِم اللسانيّات الفرنسي.
– أنا بحكي عربي سوري دارج: حلب 1997 منهاج لتدريس اللهجة العربيّة السوريّة الدارجة للأجانب. يتألّف من كتاب وثلاثة أشرطة تضمّ ثلاثين درساً تُعطى خلال ستّين ساعة. بالاشتراك مع أخيه مروان طحّان.
– الحالات: دار كنعان، دمشق 2001 رواية في أصوات تُعالج مشكلة الخذلان.
– أرواح تائهة القناع في الطباع: داركنعان، دمشق 2004 دراسة في علْم الطباع النشوئيّ Caractérologie évolutionniste
– حكايات شعبيّة من سورية Folktales from Syria:
Translated by Andrea RUGH. Published by Center for Middle Eastern
Studies, University of Texas at Austin, USA.
ترجمة للحكواتي الحلبي والقصّاص الحلبي إلى الإنكليزيّة، قامت بها الدكتورة أندريا روف. وطُبعَت على نفقة مكتب دراسات الشرق الأوسط جامعة تكساس أوستن الولايات المتحدة الأمريكيّة.
– العين الثالثة: دار كنعان، دمشق 2005. قاموس حيوي – أكوان أشكال ألوان. بالاشتراك مع أخيه مروان طحّان.
– مجمع العمرين: دار كنعان، دمشق 2006. سيرة موضوعية.
– الجنك: دار كنعان، دمشق 2007. رواية في أغاني.
– الحكواتي السوري: دار كنعان، دمشق 2007. قصص شعبية مفصحة باللغتين العربية والإنكليزية.
– رزنامة حلب: دار كنعان، دمشق 2008. ذاكرة شعبية.
تحت الطبع:
– ولاويل بردى Barada’s Ululations : شعثر باللغتين العربية والانكليزية.
– الظواهر: رواية في أصداء.
– قَزَح: مسرحيّة في معادلات.
– الشَيشأ: الإيشِنغ الجديد.ي