وجوه الفنان دريد الأسد تولد من جديد.
عالم نوح -اللاذقية – شادي نصير :
يعمل الفنان “دريد الأسد” من خلال التعبير عن موضوع بياني تصاعدي بقدر كبير من البساطة الشكلية، البساطة التي هي نتاج عمل دؤوب ومستمر من اختزال الشكل وتبسيطه ليشكل كتلة من المفاهيم و الإيديولوجيات الفلسفية والنفسية.
6 أيلول 2014

وجوه الفنان"دريد الأسد" تولد من جديد.

عالم نوح -اللاذقية – شادي نصير :

يعمل الفنان "دريد الأسد" من خلال التعبير عن موضوع بياني تصاعدي بقدر كبير من البساطة الشكلية، البساطة التي هي نتاج عمل دؤوب ومستمر من اختزال الشكل وتبسيطه ليشكل كتلة من المفاهيم و الإيديولوجيات الفلسفية والنفسية.

إن لبساطته في العمل الفني المدروس نوع من ضبط الإيقاع اللوني وضبط المفردة المقدمة على قماش لوحته، وماهي إلا رهافة في التعبير المقتضب، فلا يوجد في أي عمل أي خط لا يخدم سير الحركة التشكيلية للموضوع المطروح ، وتكون شخوصه أشكالا خاصة في الرؤية والتفكير، وحتى في النظرة إلى المتلقي.

الفنان دريد بحث عن طريقه الخاص، غاص في تجاربه المستمرة ، ساعيا وراء حلول بديلة لمفردات التشكيل الفني التي تتكرر عند الفنانين ، فكون مفردته الخاصة ولونه الخاص، فكانت لوحته ذات بناء متين وتنظيم لوني صارم وكانت نقطة جديدة في التفكير التشكيلي السوري وعلى هامش معرضه الذي أقيم في 6 أيلول، كان معه الحوار التالي لموقع عالم نوح بالمحبة…..

– تعتبر اللوحة حقل إبداعي، ولوحاتك تعيش الفرادة في المفردة التشكيلية، هل ترى أن عصر المفردة التشكيلية بدأ ببلورة صورته الخاصة في الشرق؟

المفردة التشكيلية هي شكل مناسب لإبراز الخصوصية الفنية لكل رسام ، وخصوصا إذا استطاع الفنان أن يجد لنفسه مفردة تشكيلية خاصة وجديدة ومن هنا جاء التعبير عن هذه المقولة في عنوان معرضي "وجوه تولد من جديد".

من خلال قراءتي لمجموعة من أعمال الفنانين السوريين أجد أن المفردة التشكيلية موجودة وليست غائبة موجودة منذ بدايات ظهور الفن التشكيلي السوري. لكن هذه المفردة تغيب ثم تظهر تبعا ورهنا لظروف تمر فيها الحركة التشكيلية في سوريا.

أميل شخصيا إلى فكرة تبني الفن السوري لموضوع المفردة التشكيلية للأسباب التي ذكرتها آنفا وهي الخصوصية وإبرازها.

مع الفنانة التشكيلية الكبيرة ليلى نصير

– في أعمالك نوع من الضوء من الألق ، ضوء سري المكان، ويخيل للكثيرين ممن يتلقون لوحاتك أن مكان الضوء مبهم، اسميه الضياء. من أين يأتي دريد الأسد بالضياء الذي يشع ويشبع لوحاته؟

في أعمالي لم أراع الإضاءة بمعناها الفني ولم أدرس موضوع توجيه الإضاءة سواء أكانت أمامية أو من زاوية معينة بل راعيت إضاءة العنصر ذاته، واعتبرت أن العنصر هو منبع الضوء وليس انعكاس لمنبع إنارة موجه ومسلط عليه.

عندما تعمل وتوجه طاقتك على اعتبار أن العنصر هو منبع الضوء فلن تكون بحاجة إلى إلزام نفسك بتسليط أضواء خارجية على العمل لإبرازه، ومن هنا أتى حسن انتقاء اللون وكما يقولون في الفن نظافته وشفافيته أيضا. وتناسقه حينا وتضاربه أحيانا أخرى من أجل إبراز القيمة اللونية والضوئية للعمل.

– في مجموعة البورتريه التي تقدمها هناك تفاصيل دقيقة فيها الكثير من الدقة التصاعدية مضاف إليها البساطة في كل لا ينفصل، من أين يختار "دريد الأسد" تفاصيل أعماله التشكيلية؟" و أقصد التفاصيل الداخلية".

كما يعلم الجميع أن الرؤية الفنية التصويرية هي رؤية تراكمية ناتجة عن مخزون بصري حسي مضاف إليه السلسلة اللامتناهية من إدراك العقل الباطن أو اللاواعي.

هذه المعادلة الخليطة من البصري والحسي والعقل اللاواعي تتفاعل فيما بينها لتلد فيما بعد عناصر فنية إن كانت بورتريه أو غيرها. ذات طابع ملتصق أو يعكس شكل الفنان ذاته كما قلت في سؤالك حقيقة الوجوه تتحلى بخطوط منحنية بعيدة عن الاستقامات دقيقة يقال أن فيها طفولية. وبساطة. وهذه الخطوط تطبع بشكل قوي هذه الوجوه وتعطيها صفاتها الفنية الخاصة.

– بين الدقة والبساطة نلاحظ قوة الخط، إضافة إلى الصدق في الحركة والعمق الفلسفي ماهو المضمون الذي يسعى الفنان "دريد" لتحميله لأعماله الفنية "البورتريه"؟

الشق الأول هو فعلا خط سلس ودقيق ومستمر أما الشق الثاني فالرسالة تقرأ دائما من العنوان وعنوان المعرض هذا "وجوه تولد من جديد"، فالوجوه التي تعرض اليوم ماهي إلا انعكاس لتلك الذاكرة والمخزون البصري والحسي والباطن الذي يجسد شكلا مختزلا ومحورا مبسطا للأشياء.

– في لوحتك نوع من التجريد الشكلي، هل تعتقد أن التجريد الشكلي أو المعنوي في العمل يساهم في طرح رؤية الفنان وتقديم طروحه الإبداعية و الاجتماعية والثقافية الخاصة؟

التجريد عموما هو أعلى مراحل الحس وأعمق مراحل التطور الفني لدى الفنان ، إن كنت استطيع أن أوصل فكرة انطباع بورتريه في إحدى لوحاتي بمجرد نقطة ووضع نقطة على هذه اللوحة فعندها أكون في أعلى مراحل التجريد.

– من يتابع التشكيل عند الفنان دريد يلاحظ المدلول اللوني المشبع واستبدال العنصر "الكتلة" بالخط البسيط، إلام ترمز من خلال التبسيط في عملك التشكيلي؟وهل للون علاقة بالمفردة التي تقدمها، سواء بورتريه أو إيغوانا أو أية مفردة أخرى؟

الفن هو السهل الممتنع فهو سهل على من يدرك الفكرة والصعب فيه والممتنع فيه مرتبط بالقدرة على الإنتقال إلى السهل، وهكذا تكون قد حققت الغاية.
طبعا التبسيط هو أحد غايات الفن ذاته. إن كنت قادر على إيصال الفكرة أية فكرة بشكل جيد بأبسط الطرق فلماذا سلوك الطرق الأطول؟…. لست مع سلوك الطرق الأطول وخصوصا في الفن.

– هل تعتقد أن أعمال الفنانين تعكس صورة حياتهم الداخلية وما تجيش به نفوسهم بمعنى هل اللوحة هي سر من أسرار الفنانين؟

بلا أدنى ريب، اللوحة ابتداء من السكتش ومرورا بتجسيده على القماش ومن ثم الدخول إلى مراحل التلوين ودراسة التفاصيل والخطوط وكل ما يتعلق بعناصر العمل الفني يعكس بلا أدنى شك الشكل الداخلي أو البعد العميق للفنان.

أعمالنا هي نتاج أرواحنا وهي بالتالي أصدق تعبير عن الحالة التي يعيشها الفنان.

– الألوان عند الفنان "دريد" لها كينونة خاصة تشبه هدوءه وهدوء ورقة ريشته من أين تأتيك القوة في مغامرة الألوان وخصوصا أن بعضها لا يقبل المجاورة إلا في أعمالك؟

تعتمد أعمالي على المساحة اللونية "بقع لونية" موضوعة بعناية ومسألة تعايش الألوان أو تحاببها ، يمكن أن تتضارب الألوان، بمعنى وجود الحار و البارد ومن حيث الصفات العامة لكنها أن تتضارب و أن تتعايش بمحبة شيء آخر.

لا بد للألوان أن تحب بعضها البعض بغض النظر عن درجة الإختلاف اللوني، كأن تجد الألوان الحارة متجاورة مع الباردة يفصل بينهم خط واهي يكاد لا يرى.
أرى أن الأعمال فيها تعايش ومحبة بين الألوان وهناك انسجام لوني.

– هل تساهم الذاكرة البصرية للفنان برأيك في نضوج رؤيته للوحة وتجربته التشكيلية، وهل تساهم في ابتكارات وحلول العمل الفني المقدم ، للخروج من التكرار السائد على الساحة الفنية؟

الذاكرة البصرية لها التأثير الأول لدى الفنان، الذاكرة التي تعتمد على الذائقة البصرية . فالفنان بحاجة مستمرة لإشباع هذه الذاكرة بمزيد من التجارب والإطلاعات وتمتيع القدرة البصرية والحسية بمعالم الجمال ومكنوناته.

عطفا على موضوع الذاكرة البصرية بإيجاد تقنيات جديدة في إضافة ملامح للعمل الفني فأرى أن للذاكرة البصرية المنطلقة من أرضية ثقافية وهنا الثقافية لها علاقة كبيرة بالمكان والزمان وبالبحث عن كيفيات جديدة من أجل ولادة أعمال غير مستنسخة وبلا شك أن الفن هو مسألة ثقافية تراكمية بمعنى أننا وجدنا الثور أو الغزلان والوحوش مرسومة على جدران الكهوف منذ نشأة الإنسان الأول ونجد ثيران ترسم اليوم، لكن ثيران اليوم لها علاقة بالمرحلة الزمنية والمكانية والثقافية، وفيما يلي ذلك أيضا للظروف الأخرى الإقتصادية والاجتماعية والسياسية والمعيشية لها تأثير يتضمن كيفية رؤية الفنان لعمله.

– أين مشاريعك الإبداعية بعد سي آرت غاليري الصالة الأولى الفنية والتي هي ثمرة مهمة للحركة التشكيلية في مدينة اللاذقية؟

تم افتتاح معهد "سي آرت كلب" معهد تعليم رسم للأطفال والشباب ملحق بالغاليري والمعهد يلقى نجاحا ويلقى تجاوبا له دلالات إيجابية على أن الطفل السوري والشباب السوري مقبل بشغف وحب على إبراز وجهه الثقافي والإنساني والمدني والحضاري وهذا أمر جيد.

الخطوة المرتقبة معهد موسيقي ملحق بمؤسسة "سي آرت" وسيتم أيضا افتتاح معهد للرسم الحر إتاحة لأصحاب الشرائح العمرية المختلفة ولأصحاب الهوايات لممارسة هواياتهم في الرسم.

– في أعمالك قوة في التعبير، قوة في النظرة والرؤية، كيف يتبلور التعبير في العمل والمفردة؟

أرى أن هنالك علامة تعبيرية فارقة في جميع الأعمال المقدمة في معرض "وجوه تولد من جديد" وهي "العين" فالعين قادرة في هذه الأعمال على التحدث عن ذاتها وشرح حالة كل عمل من هذه الأعمال وأدعوكم للنظر في هذه العيون وسؤالها وسيصلكم الرد من خلال بقية الأعضاء الحركية في هذه الأعمال.

يؤكد الفنان دريد من خلال جدية بحثه العميق ومن خلال مراحل تجاربه المتتابعة أهمية المفردة التشكيلية وما تشكله أعماله "البورتريه" التي يقدمها في هذه التجربة إلا نوعا من التجريد في التشكيل الذي لابد من أن ينطلق متمردا على مواريث سابقة.

إن الأعمال عند الفنان دريد ماهي إلا لحظة واحدة مفعمة بالأمل والحب والألق والنظرة نحو المستقبل، وتتحول اللوحة إلى نتاج مليء بالأفكار والألغاز، وما على المتلقي إلا البحث والغوص فيها لإكتشاف الدر بأسرارها.