وديع الصافي بقلم علي نصار
- أكتوبر 19, 2013
- 0
وديع الصافي بقلم الكاتب والموسيقي علي نصار
لا شك في أن وديع الصافي أهم صوت مر في تاريخ الغناء العربي، منذ اخترعت اسطوانة التسجيل، وأكثر، هو معجزة بكل ما للكلمة من معنى. فالمساحة التي يلعب فيها صوته لم يشاركه بمثلها إلا قلة، كأم كلثوم وصباح فخري وبعض المقرئين،
يقدم لنا الكاتب والموسيقي علي نصار لمحة عن فن الفنان الكبير الصافي
لا شك في أن وديع الصافي أهم صوت مر في تاريخ الغناء العربي، منذ اخترعت اسطوانة التسجيل، وأكثر، هو معجزة بكل ما للكلمة من معنى. فالمساحة التي يلعب فيها صوته لم يشاركه بمثلها إلا قلة، كأم كلثوم وصباح فخري وبعض المقرئين، أما الإعجاز والتفرد اللذان يميزانه فيكمنان في قدرته على التحرك على كامل تلك المساحة، وبدون أي تبدُّل أو تناقص في جودة الصوت وقوته، تماما كآلة الكمان، وبسهولة وطلاوة كانسياب صوت الناي في التقاسيم، أضف الى ذلك قدرته على إخراج الصوت من الرأس والصدر في الوقت عينه، وهي خاصية لم تتوافر سوى لقلة على المستوى العالمي، كالإيراني شهرام ناظري وبعض مغني الأوبرا كبافاروتي وبلاسيدو دومينغو، هذا من الناحية البيولوجية، أما من الناحية الفنية فنرى ان الصافي لم يستفد من موهبته على أكمل وجه، بحيث لم يخترق الوجدان العام، ولم يتحوّل الى أيقونة بحجم إمكاناته، ولو أنه حافظ طيلة حياته على التاج الذي منحه إياه معظم الفنانين والمختصين بالموسيقى والغناء.
كانت موهبته الصوتية أكبر من نجاحه الجماهيري، فبالرغم من شهرته الواسعة، لم يكن الصافي ساحرا للجماهير كفيروز وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم… لا بل ان مغنين يُعَدّون أقزاما، مقارنة بقامته الصوتية، تفوقوا عليه في ملامسة الشغاف السري للمستمع، وهذه حقيقة جارحة: لم يكن وديع الصافي فنانا بحجم صوته، ظل يفتقد تلك اللمسة الفنية التي ميزت نصري شمس الدين أو صباح أو ليلى مراد… وصولا الى جورج وسوف وغيرهم، بغض النظر عن القدرات الصوتية لكل منهم، والمفارقة ان قدراته الصوتية الهائلة لم تطغ على النواحي الغنائية عنده وحسب، لا بل أوقعته – كموسيقي – في ظلم النقاد، فحتى يومنا هذا لم يسلّط الضوء عليه كملحن من الصف الأول..
بالرغم من رفده المكتبة العربية بأغنيات خالدة مثل «الليل يا ليلى يعاتبني» و«نْدَقّ باب البيت عالسِكّيت» وهي من الأغنيات النادرة، في تلك المرحلة، أما أغنية «ولو»، مثلا، فقد اجتمع فيها جمال اللحن وتأثيره الطربي من دون الخروج من مضمون الكلام، فأتت أغنية بمنتهى الكمال، اذ نجح بالتطريب والتعبير في آن، وهذه من النماذج القليلة ضمن الموسوعة العربية، كون الجمل الطربية لا تنسجم كثيراً مع المواضيع العامة.
تطرق الصافي، الملحن، الى عدة أشكال وأنماط غنائية ونجح في معظمها، فقد لحن الطقطوقة الخفيفة (عاللوما)، وحلّق في الموال اللبناني والغناء الفالت (عصفورة النهرين)، وجال في الطرب (ويلي لو يدرون)، ولكنه التزم الكلاسيكية في كل المجالات ولم يغامر. باختصار، ظل فطريا صافيا كاسمه، ولم يختلس من هنا وهناك ليدّعي تطويرا أو تحديثا فكان الأكثر لبنانية، ان من الناحية الفنية أو الوطنية أو في ما يرتبط بنمط العيش والعقلية.
قد لا يكون وديع الصافي أكثر من غنّى للبنان، لكنه، من دون شك، الأكثر التصاقاً باسمه.. أو قل مؤذِّنه الرسمي.. رغم فارق العمر بينهما، فوديع يكبر الجمهورية اللبنانية بخمس سنوات، ولعله اعتبر ولادته إيذانا بولادتها، فنذر نفسه لتجميل صورتها وحمل رايتها أنى وجد، لذا، نأمل ان يكون رحيله قربانا لقيامتها وليس إيذانا آخر لاختتام الأسطورة.
الكاتب والموسيقى علي نصار