
ورد الليل للروائي محمد شويحنة
- أبريل 27, 2014
- 0
أعزاءنا في عالم نوح، يسعدنا اليوم ونحن نقدم رواية “ورد الليل” كان لنا هذا اللقاء مع الروائي محمد شويحنة.
– البطل كان مسحوراً بالأجواء المتحررة التي يتيحها فكر الحزب ، إضافة إلى مسألة الإمكانية المتاحة بالنسبة إليه للخروج من حالة الجوع العاطفي
عالم نوح ـ نوح حمامي
أعزاءنا في عالم نوح، يسعدنا اليوم ونحن نقدم رواية "ورد الليل" أن نقدم أيضاً هذا اللقاء مع الروائي محمد شويحنة.
أستاذ محمد، لنبدأ إذن من بداية الرواية … وملاحظتنا أنه لكي يستوعب القارئ أحداث الرواية خاصة في بدايتها بحاجة لخريطة حلب و إشارة إلى مسرح أحداث الرواية.. فما هو رأيك؟
– بالنسبة لابن المدينة لا مشكلة لديه لأنه يعرف الزنار الشرقي للمدينة الذي تناسل من مجموعة القرى المتاخمة له ، والمكان هنا فضاء ملائم للحدث من حيث الطبيعة الاجتماعية والجغرافية ، لكن بالنسبة للقارئ الآخر يغدو المكان افتراضياً يرسمه تبعاً لثقافته ، وبالتالي يتاح المجال لانفتاح القراءة وتعددها .
في بداية الرواية اعتمدت كثيرا على الجمل القصيرة والقصيرة جداً .. كما بدا أنك تكتب قصصاً قصيرة ضمن الرواية؟ ثم هناك الاسترسال في الجمل الأدبية الجميلة لمشاركة القراء نشوة القراءة…
– في البداية يسرد الراوي / البطل مجموعة من الأحداث تتضافر معاً لتشكل المسارات التالية للرواية ، وهذه الاستعادة ستكون مؤثرة حقيقة في الأحداث والانعطافات الفكرية لاحقاً ، وفعلاً رأيت أن شكل القصص القصيرة كما في البداية كان المناسب ، والملاحظة في مكانها .
ذكرت الحزب الشيوعي بكثير من "الاعجاب" !؟
– البطل كان مسحوراً بالأجواء المتحررة التي يتيحها فكر الحزب ، إضافة إلى مسألة الإمكانية المتاحة بالنسبة إليه للخروج من حالة الجوع العاطفي ، وهذا ما بدا من خلال تعلقه بأروى التي تخيب آماله وتكون من نصيب عمر . لكن ما تسميه إعجاباً كان يمتزج في كثير من الأحيان بالانتقاد وبالسخرية من الخطاب الفكري والسياسي الذي كان سائداً في ذلك الحين ، عبر مسكوكات لغوية وسلوكات تتكرر دون طائل .
عدة مرات تحدثت عن الحرية ثم تذكر بعدها أنه يوجد حرية أخرى .. كأنك تتبنى طرح وجهتي النظر في آن واحد.
– الحرية مفهوم نسبي من خلال فهمها المشروط من قبل الآخرين ، ولكل أن يتصور حريته كما يحلو له ، لكن الديقراطية تظل مطلباً أساسياً لكبح هذا الجماح .
إلى أي مدى يمكن للإنسان أن ينأى بنفسه عن مجتمعه والحوادث التي تحيط به؟
– هذا مستحيل ، وتلك مقولة الرواية ، فالبطل ، ستلاحظ ، أن مشكلته الأساسية الإقصاء وليس النأي بالنفس ، فهو في كل سلوكه كان يحاول رد الاعتبار لذاته ، والدخول في مصالحة ما ، وهذا ما أتاحه مجتمع الدين ومجتمع التصوف والذكر والأوراد والشيخ والحضرة ، هذا ما دُفعَ إليه دفعاً ، فثمة في الرواية بحث مرير عن الذات ، ومقاومة للتجاهل والقمع والإقصاء ، لكن النتائج مزرية ولم تعد تليق ببشر يدخلون القرن الحادي والعشرين .
هل تحدثنا عن هذه الفكرة أو الجملة (ص222) : امتدت يدي فقطفت ورقة وتذوقها فمي … تتسارع الأيدي في خطف الورقات الخضر … كأن جرادا مرّ عليها…
– مطيع هنا في صدد صناعة أسطورته الخاصة ، كشيخ طريقة له كراماته السائرة ، والحدث ليس بعيداً عن الواقع ، فشيء من هذا القبيل كان يجري كل عام وفي موعد محدد في قرية من قرى الريف الشرقي للمدينة .
كأنك وأنت تتحدث عن الماضي … تصف المستقبل القريب … فهل هي فعلا قراءة للمستقبل … أم هي الصدفة؟
– كل الأمور بالضرورة تسير إلى خواتيمها، الرواية مقطع عرضاني مجسم لواقع مأزوم ، علامته الأساسة التراكم الذي يقود إلى الانفجار، أحد أصدقائي قبل الأحداث الجارية حالياً كان يسأل بمرارة : ( يارب أعرف بس كيف رح تكون القفلة ) والواقع أن الشهوة إلى السلطة أصبحت فطراً ساماً أخذ ينمو في ذات مطيع كما في الصفحات الأخيرة ، حتى وهو في السجن يروي، فكل محجوب مرغوب، أليس كذلك ؟!
هل قصدت فعلا أن الخلاص في الحضرة أو الزاوية؟ (ص238)
على الإطلاق ، هذه المآلات الطبيعية للبطل، هكذا حياة مريرة ستقود إلى الزواية والشيخ، وبالمناسبة البطل كان قد استخدم الأسلوب ذاته في تعاطيه مع زوجته ومشكلة عنانته، مطيع يصنع خلاصه الشخصي لا الجماعي، ثم إن التصوف منذ أن وجد في العالم الإسلامي كان وما زال تجربة شخصية وخياراً فردياً، وهذا ما يفسر كثرة الطرق الصوفية، وتنافرها .
هل من كلمة أخيرة تحب أن تضيفها ؟
– ما قدمته في العمل أخذ شكل رواية سيرية يسرد بطلها ( مطيع العبادي ) بعض أهم البؤر المشكّلة لتكوينه، وصولاً إلى رسم حالة من التهميش الاجتماعي والسياسي ومن ثم التجاهل الأعمى لدواعي الوجود البشري على المستوى الإنساني، كل ذلك سيدفع إلى ارتدادات على شكل تشوه روحي وجسدي ثم اجتماعي كامل الأوصاف، ما يدفع البطل عبر مراحل مختلفة من حياته إلى تعاطي الأفكار والأحزاب لينحاز بعدئذ بفعل المكون الإشكالي إلى جهة الدين في نسخته الصوفية محاولاً أن يجد طريقاً وطريقة تخص تجربته دون سواه، أو تؤكد ذاته المهشمة والمهمشة، لكن هذا المنحى لن يعفيه مستقبلاً من الاكتواء بنار الصراع الدائر بين جماعة الأخوان المسلمين وبين النظام في مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم، فيدفع الثمن على شكل حياة بائسة ومعاناة لا تنتهي لتبدأ من جديد في السجن.
و كل الشكر لعالم نوح على هذه المبادرة وهذا الاهتمام .
صفحة من الرواية:
من خاف أدلج، وأنا سأنطلق في جنح الظلام، باكراً سأمضي إلى ما نُذِرتُ لأجله، سأنطلق في سيري وأخرج إلى أطراف البلدة وحيداً، وستتيه عيناي وقدماي في طرق كثيرة، ومن ثم سأصل إلى قرى ميتة تنهض في أنحائها بعض بعض بيوت الطين، وبجانبها زرائب، ستدب فيها الحياة، وأول ما سيلقاني فعلاً عدد من الصبية الحفاة ولابنات مشعّثات الشعور، ستف تتسمر عيونهم فيَّ، فأبتسم لهم ثم أجمعهم حولي، وأبدأ بالحكايا الساحرة التي ستشدهم إليّ، وسوف أقيم فيهم اياماً، حتى تكون الإشارة اللاحقة، فأدعو إلى نفسي حقيقة، وأشرع أردد الأناشيد التي سأنظمُها للمهمة الجديدة، وسرعان ما سألقى الاستحسان وأقابَل بالحب، وأنا أهب من نفحاتي ما أهب.. ستتقاطر جموع الصبية من قرى أخرى، فتنتظم عن يميني وعن يساري وأرتالا بالعشرات خلفي، أقول ما أقول فيرددون ورائي بأصوات حادة صاعقة ترح الآفاق فيسمعها الكون كلّه، تصافح أسماع من هب ودب، وسأمضي بهم صعداً في طريق انفتحت على بيداء، سأمضي نحو الآفاق، وأنا ارفع عصا طويلة اتخذُها لمسعاي الجديد، بعد أن آمر صبيتي فيقتدون بمثل ما فعلت، فيحمل كل منهم عصا أو حجراً أو نقَّافة..
www.assafir.com
ثقافة تاريخ المقال: 31-08-2013 12:00 AM "
وِردْ الليل" لمحمد شويحنة…
صناعة الاستبداد
الصحفي أنور محمد
أكثر ما يُثير في رواية محمد شويحنة الجديدة "وِردْ الليل" (دار نون، حلب) بطلها "مطيع العبَّادي" فهو العنين لكنَّه يرى نفسه الفحل، وهو الأمِّي المتعلِّم المتشوِّع المتصوِّف الإخواني، حسب ما يلزم. وكأنَّه فقدَ بوصلته، ولا يعرف إن كان سيموت من أجل سوريا أو من أجل الحزب الشيوعي، كرمى عيني (أروى)، أو من أجل جماعة "الإخوان المسلمين". يمكنك أن تنسحب من الأحزاب، تغادرها لأنَّها كيانات سياسية، لكن سوريا كيف تقدم طلب انسحابك منها، ولمن؟ وأنتَ في ذروة الصراع ما بين السلطة بقلاعها الأمنية وترساناتها العسكرية، وبين معارضيها من "الإخوان المسلمين" والشيوعيين وقوى سياسية أخرى؟ مطيع العبَّادي مأساته أنَّه صاحب عقيدة هشَّة، فهو يمسك كأستاذ مدرسة ابتدائي بالسيف الثيوقراطي ليقصَّ البوط الأوتوقراطي. ولا يمنع أن يحب (أروى) الشيوعية التي كان سينتسب للحزب بسببها لولا أن باغته الرفيق عمر وتزوَّجها، وهو العنين الذي لم يستطع أن يفضَّ بكارة (سعاد) التي بقيت عنده أشهراً، ثمَّ جنَّت وطلَّقها مرغماً وهي لا تزال بكراً. مطيع العبادي وهو العرفاني الإخواني كان يموِّه/ يضلِّل أجهزة الأمن بالجلوس في مقهى السعد حيث يجتمع المثقفون الشيوعيون ليخبِّئ إخوانيته، وكان جباناً لم يقدر أن يصطدم مع السلطة التي سجنته سنين طويلة على ذمة الإخوان، ولا أن يصطدم مع غرائزه وعواطفه فبقي خصياً. إنَّ فكره الديني لم يكن أكثر من ثمرة لجلساته العرفانية في زاوية شيخه (جابر)، هذه الزاوية التي يستذكرون فيها الله كل يوم خميس في مسجد قرب مقبرة الشيخ يوسف بحلب، يسبحونه ذلك لتحقيق حب الله/ ليس الحب العقلي/ النقدي البحثي عن المعرفة، بل سعياً نحو السعادة الروحية. الروائي محمد شويحنة وإن لم يقدِّم بطله محمد العبَّادي على أنَه مثقف إسلامي، إلاَّ إنَّه لم يرنا أنَّه عندما كان يُعتقل من قبل أجهزة الأمن السورية أنَّه اصطدم معها باعتباره صاحبَ فكر أو انَّه كان يؤسِّس لوعي إسلامي شعبي، أو لرؤية عقلانية نقدية، أو لظلامية سلفية متطرِّفة. لقد كان شخصاً ملتبساً كما عنوان الرواية. ملتبساً مريداً ببَّغاءً حين هو وشيخه جابر خلعا لباسهما إلاَّ من السروال الداخلي في جامع العثمانية، وصارا يجريان في الأسواق المحيطة به مثل المجانين؟!!
محمد شويحنة يوثِّق، يؤرِّخ، ينتقد مرحلة مفصلية من أخطر المراحل التي مرَّت فيها سوريا في بداية الثمانينيات من القرن الماضي: السلطة والمعارضة الإخوانية في صراع دموي كما يحدث الآن منذ آذار 2011 وحتى الآن. صراعٌ يهدم، يدمِّر، يحرق، يفعل كل شيء باسم (الدين والثورة والحرية) ولا علاقة لهذه الأقانيم الثلاثة بما يجري حقيقة على أرض الواقع. مطيع العبَّادي الذي كان خصياً ولم يفض بكارة سعاد وكانت عقدته الحياتية. مطيع بقي صغيراً، بقي مهزوزاً لأنَّه كان يدافع عن ذاته وليس عن دينه، كان يربي (مستبداً) في أعماقه، يمجِّده مريدوه، وباسم اجتماعهم على الوِرد يستسلمون له كما حال الشعوب العربية مع حكَّامها تسلِّم أو لا تسلَم. غير أنَّه يفيق، يحس بعد أن تداهم السلطة زاويته فتذروها كالهشيم، ومن ثمَّ يفتضح أمر إبراهيم ورفاقه عندما تقع عين "المختار" على الأسلحة بخصورهم، فيُخبر السلطة، ويتمُّ قتلهم، ويُقتاد مطيع إلى السجن فيرى الرفيق عمر الشيوعي نزيلاً مثله، وتبدأ أحلام اليقظة تشتغل، فيرى ممَّا يرى شيخ أشياخه الإمام (الدندراوي) وقد حضر إليه يسأله: إيش بيك يا عبَّادي؟! فيجيبه: جتلونا* يا شيخ، إيش نسوِّي؟ فيرد الدندراوي: النوبة الجاي نجتلهم. ولعلَّ هذا أعظم ما في الرواية، وهو ما أراد أن يقوله محمد شويحنة، ولكن من دون أن ننسى أنَّ الغلبة للأقوى، وأنَّ تاريخنا العربي والإسلامي هو تاريخ يسقي جذور التسلط والاستبداد، ويرعى القهر والطغيان، وقد غلَّف خطابه بلحاء قدسي ما أن تقشره حتى تُكفَّر ويُستباح دمك.
جتلونا* يا شيخ: قتلونا
ملف رواية ورد الليل للتحميل