يكلمنا عن عابد عازرية وفايز مقدسي وسعيد رجو والفنانين المزاجيين و رغدة ووعد مجلة روز اليوسف بالتكريم والرد العجيب من مجلة دبي الثقافية و نصيحة لهيفاء وهبي ونانسي عجرم..

ونقدم الجزء الثاني من لقائنا مع الكاتب سمير طحان

وكان لدي أصدقاء كثيرون في الحارة والمدرسة والأدب, من بينهم عابد عزرية، كنا في مدرسة واحدة وكان صديقي الحميم في ذلك الوقت, لديه هوس في الموسيقى مع انه لم يكمل تعليمه.. كان يسعى دائما لكي يحصل على احدث الاسطوانات وكان يحب الاستماع إلى انريكو ماسياس, آدامو والموسيقى الفرنسية بشكل عام, وكان بعيد كل البعد عن الموسيقى الشرقية فكنت أحاول أن أناقشه عن أبو علاء المعري والمتنبي لكي يتقرب بفكره من الثقافة العربية, وبالرغم من ذلك كان منجذبا نحو الثقافة الغربية بشكل كلي, وبعد أن حصل على الشهادة الثانوية ذهب إلى فرنسا, وبعد سنوات طويلة جاء لزيارة حلب، التقيت به وذهبنا إلى مقهى في المشتل وكنت حاملا معي كتاب أدونيس "المسرح والمرايا" وكتاب"ملاحم وأساطير" من ترجمة "أنس رويحة", وجرى حوار بيننا عن الغرب والثقافة العربية وبدأت اشرح له عن شعر أدونيس وملحمة جلجامش وقيمتها الأدبية وفي خلال النقاش صدف وأن فتحت الكتاب على قصيدة تقول:

سكنتُ وجه امرأة
تسكن في موجة يُسلبها المد إلى شاطئٍ ضيع في أصدافه مرفأه
سكنتُ وجه امرأة
تُميتني تحب أن تكون في دمي المبحر حتى آخر الجنون منارة مطفأه.

وأيضا فتحت كتاب ملاحم وأساطير على قصيدة تقول:

إن الآلهة عندما خلقت البشر
استأثرت لنفسها بالخلود
أما أنت ياجلجامش
البس أفخر الثياب
تعطر بأطيب العطور
اشرب ألذ المشارب
كل أفخر المآكل
واسعِد المرأة التي في حضنك
هذا هو حظ البشر من الحياة
أما الأبدية فهي للآلهة.

بعد أن قرأ عابد هذه القصائد أصابه نوع من الذهول والانجذاب إلى الأدب العربي حتى انه قام بمصادرة هذان الكتابان, فكان هذا اللقاء نوع من مفترق طرق بالنسبة لحياته, واستمرت الصداقة بيننا وكان هناك مشروع مشترك في فرنسا ولكن للأسف أن زوجتي مثلما تعاملت مع كل المحبين حاولت إبعادي عن كل الأصدقاء المقربين لي وحصلت بعض المشاكل وانقطع المشروع الذي كنا على وشك تنفيذه في باريس.

وفي آخر زيارة له إلى حلب رجعت المياه إلى مجاريها والآن هناك مراسلات بيننا.

وفي نفس الفترة كان لدي صديق "فايز مقدسي" نجم إذاعة مونت كارلو حاليا وكان يكتب الشعر وما زال, التقيت به أول مرة في مرحلة كان فايز في وضع نفسي سيئ جدا, فكانت هذه المعرفة خلاص بالنسبة إلينا وأصبح هناك شيء من التآلف الروحي والثقافي والفكري وكنا نتبادل القصائد, وما زال فايز مقدسي مهتما بسمير طحان كأديب وشاعر وباحث مفكر حتى انه في كل سنة يقوم فايز بعدة لقاءات معي على الهواء من إذاعة مونت كارلو, وكانت اللقاءات مميزة ليست على أساس الاسطوانات المتكررة حول إصابتي وإنما كانت عن كل كتاب قمت بكتابته: الحالات, مجمع العمرين, العين الثالثة، وعن كتابي الأخير "أحبك" قام كذلك بلقاء معي، وهو أكثر إعلامي يهتم بسمير طحان وأنا اعتز بالصداقة التي تجمعني مع فايز مقدسي, فهو إنسان مثقف وزادت ثقافته عندما تابع دراسته في الأدب الكنعاني والآشوري والآداب السورية الرافدية القديمة,

وأقدم ثناء إلى مجلة المعرفة لنشرهم مقالات فايز مقدسي حول الأدب السوري الرافدي.

وهناك أيضا صديق التقيت به من خلال عابد وفايز في مقهى القصر,وهو شاعر حلبي "سعيد رجو" كان يعمل في كوي الملابس ويكتب الشعر, كنت أذهب إلى مكان عمله في الجملية كنا نتحدث عن الثقافة ونلقي القصائد وهو من أكثر الناس إخلاصا للصداقة ومازال إلى الآن يأتي لزيارتي ولم ينقطع عني أبدا فكان إخلاصه منقطع النظير وله مواقف محفورة في داخلي لأنه في فترة إهمال زوجتي لي وسفرها كان سعيد رجو أحد أكثر الناس رعاية لي من بيني أصدقائي أمثال الدكتور عمرقلطنجي, بشير ونعمت بدوي, جوني طوبال, وجورج صلونو
واعتبر سعيد رجو صديق صدوق ندر أمثاله في هذا الزمان.

أنا من مواليد برج الحوت, يتصف برج الحوت بالبرود وله صفة سلبية وايجابية من كل الأبراج لذلك أملك روح حلوة وبشعة في نفس الوقت ولا أعتبر نفسي مزاجيا وأعتبر الذي أساء للفن وللثقافة السورية هي ميل أدبائنا والفنانين في الخمسينات إلى الآن بما يسمى المزاجية… وفي نفس الوقت التقيت فنانين كبار وأدباء ورجال سياسة كانوا ناجحين لأنهم كانوا منظمين… ليسوا بمزاجيين وفي حين إن الغالبية العظمى تطبعوا بشخصية مزاجية وخاصة في فترة "رامبو و بودلير" الفرنسيين حتى أصبحت المزاجية صفة مميزة تدل على فنان حقيقي!, لذلك أرفض بما يسمى مزاج أو مزاجية, وإذا قمنا بإحصاء للفنانين أو رجال الفكر والأدب في مرحلة الخمسينات والستينات والسبعينات من الذين اتبعوا المزاجية كانوا فاشلين, وأمثالهم من كان منظم ومناقض للمزاجية كانوا ناجحين فكان أدونيس منظم في كل حياته كان يخصص وقت للطعام وللقراءة والكتابة والنوم.

أما فكرة ارتباط جودة المزاجية بالفن فأعتقد هي التي قتلت الفن في سورية, وهناك ممن يعتبرون أن الفنان الحقيقي يجب أن يكون فوضويا… وهذه اعتبرها فكرة مقلدة عن بعض أدباء الغرب الناجحين.

لم أكن أعرف رغدة الإنسانة وإن كان أحد معارفي يربطه برغدة مشروع زواج, وفي فترة لاحقة تعرفت على رغدة الفنانة… أرى في تمثيلها مايسمى بـ "الڭروتيست" أي تقوم بتهويل الدور الذي تمثله… هذا قد يكون جيدا في بعض الأدوار وقد يكون سلبياً في أدوار أخرى, واكتشفت أيضا أنها تجيد كتابة الشعر, وفي مرة كنت في زيارة سمير كويفاتي فقال لي: هناك فنانة تريد أن تتعرف عليك وكانت بصحبة الفنان أيمن زيدان, التقيت بها وكانت متأثرة بما حصل لي وكانت ردة فعلها تجاهي ايجابية بل وفعالة، لذلك أعتبرها واحدة من أهم النساء في الشرق … حيث أنها وبسرعة أدركت معاناتي في عدم توفر الوسائل المادية لمتابعة إنتاجي فقد كانت كل أعمالي على نفقتي الخاصة, لهذا السبب انتقت من كل عمل خمسة وعشرون نسخة بل واكتتبت على ثلاثين نسخة من أعمالي التي لم تكن منتهية بعد, لذلك أقول أن كل انفعال يجب أن يحمل نهضة, وإذا لم يحمل نهضة كان افتعالا, وانفعال رغدة كان انفعال حقيقي لأنه أدى إلى خطوة عملية مباشرة, وفي اليوم التالي أتت إلي بيتي وسألتني عن أعمالي الغير مطبوعة وأرادتني أن أكتب بشكل دوري في "مجلة دبي الثقافية" … واستشارتني في قصيدة كانت تكتبها اسمها "قاسيون" والحقيقة أن القصيدة أثارتني، لكن كانت بحاجة إلى التنويع في الإيقاع … بعدها قامت بشكري على إبداء رأيي بالقصيدة وقالت لا تستغرب أنه في يوم من الأيام أترك العالم وأقيم عندك في المنتجع, وكان لها الفضل في انتقال أعمالي إلى مصر. وبناء على اقتراح رغدة قامت  مجلة روز اليوسف  بنشر كتابي"أرواح تائهة قناع في الطباع" على حلقات وعلى أساس أن تقوم المجلة بتكريمي وإعطائي مكافأة ولكن للأسف الوعود العربية كما هي, ومنذ عام 2005 لم التق رغدة نعناعة ولكن مازلت أحمل لها في قلبي كل الامتنان والشكر, وكنت في كل كتاب أذكر شكر خاص لها وأمثالها من الذين ساندوني بإخلاص, وبالنسبة لمشروع مجلة دبي الثقافية أرسلتُ للمجلة أنماطا متعددة من كتاباتي على أن أقوم بنشر مقال شهري في المجلة ولكن فوجئت من جواب المجلة باختلاقهم أعذاراً غير منطقية وقالو لي أن كتاباتي أعلى من مستوى القارئ! مع العلم أن مجلة دبي تعتبر على قمة الثقافة العربية.

أنا من أنصار الشعر المغنى وأناصر نفسي في الشعار الذي أطلقته:
ماعاد الشعر هو ديوان العرب وإنما أصبحت الأغاني هي ديوانهم.

 وأدعم الكلمة التي قالها كونفوشيوس والتي كتبتها في بداية كتابي الجنك…لاتحدثني ..لاتسرد لي تاريخ هذا الشعب..غني لي أغانيه, لان الإنسان يتعلم الغناء قبل أن يتعلم الكلام والطفل في بطن أمه يسمع كل الأغاني بكل المقامات, لذلك يولد الإنسان والغناء في دمه, وكل شيء اكتبه أحوله إلى موسيقى أو غناء, وأذكر أن مخطوط كتابي الهجارس والذي فقدته وإن لم يكن قد ضاع… كتبت فيه هجرس من الهجارس حولت فيه اللغة العربية إلى موسيقى أطلقت عليها الطريقة الفرعونية في الكتابة لكوننا نعيش في حلب وموقعها الجغرافي جعلها مصب لجميع الثقافات، وهذه لمحة من بعض الكلمات:

سراديب السراديبي……ياسنانيرو السنانيرون,
وهجرس يتألف من خمسون صفحة قمت بكتابته على الطريقة الهيروغيرفية بحيث أذا قرأت هجرس على مسامع أي إنسان حتى لو انه لايعرف اللغة العربية سيصله شيء عن طريق إيقاع الكلمات والجمل ومنها:
حال…حلا. سال…سلا
سلا…سلا..سال
بلا…بلا..بال

وكله عبارة عن تركيبات هيروغرافية للغة العربية واستغرقت في كتابة هجرس ستة أشهر, ومازلت أؤمن أن هناك خطأ كبير في كل مؤسسات الدول العربية لأنهم يهتمون في الكتاب المطبوع ولا يهتمون بالأغنية, أما في الدول الغربية وحتى الصليب الأحمر العالمي هناك مكتب خاص ينتج أغاني تدعم فكرة الصليب الأحمر, ونحن في سورية لا نملك حتى أغنية طلابية أو طفولية, لذلك يجب إن يكون في كل المؤسسات والوزارات المعنية بالثقافة مكتب لإنتاج أغاني, لأن الأغنية هي عبارة عن جمل بسيطة تعبر عن خلاصة تفكير وأحاسيس الناس حتى أن أحد بائعي الكاسيت قال لي: أغرب وأعجب أغنية مرت علي هي أغنيتك يا غالي التي كتبتَها وغنتها (ميادة بسيليس) بحيث كل شخص يسميها كما يحلو له، البعض يسميها "مافي شي مستاهل مافي شي حرزان" والبعض يسميها " دخلك مين الكامل مين اللي مو غلطان" وهذا يدل أن كل جملة في الأغنية تصلح لتكون عنوان الأغنية, والاهتمام في الأغاني من الأشياء الواجب القيام بها ويجب أن تدرس في المرحلة الابتدائية وأن تكون علامة الموسيقى مثل علامة الرياضيات, لأن الإنسان الذي لا يعرف أن يغني أو يسمع الموسيقى لأاعتقد انه يستطيع أن ينجح في الرياضيات أو الفيزياء, لأن الموسيقى أكبر منظّم وصمام أمان في تركيب الإنسان ولكن للأسف الأغنية أخذت اتجاها وبعدا واحدا هو البحث عن الأغنية الضاربة, وان تغنى في المطاعم الكبرى والفنادق والكباريه , وهيفاء وهبي أكبر دليل على ذلك حيث أنها تغني كلام ليس له أي معنى, يجب عليها أن تبحث عن شاعر يعطيها جملا بسيطة ومهمة … ما تغنيه ليس خطأها…لكن المشكلة بالشعراء الذين يكتبون لها ولنانسي عجرم هم الشعراء الغير مصنفين, لو أنهم مع غيرهم من المطربين يرتقون في البحث عن شعراء مثقفين لكانت الأغنية العربية بألف خير, كان الغناء في الماضي أكثر رقيا حيث كان هناك مغننين حقيقيين مثل ليلى مراد،  والشاعر بيرم التونسي كان كاتبا عظيما, فعندما يكتب أغنية يكون لها دور ومعنى ونفس الشيء في الموسيقى, يبحثون عن موسيقيين لا يفقهون في الموسيقى إلا الأغنية الضاربة التي لها إيقاع شبابي, وكلها تسميات خاطئة ليس لها معنى وأصبح من النادر البحث عن ملحن يستطيع أن يخلق موسيقى نابعة من روح الناس فأصبح سيد درويش والرحابنة وعبد الوهاب عملة نادرة في هذا الزمان.

حوار : نوح

تحرير: أيمن نداف