ياسر الحكيم وصرخة الأمل
- يناير 23, 2015
- 0
ياسر الحكيم وصرخة الأمل
شادي نصير
اللاذقية ـ عالم نوح
في عمله النحتي جرأة في طرح المشكلة، وتحديداً مشكلة المعاناة من الألم النفسي والجسدي، النابع من داخل المنحوتة والمستمدة ذاتها من ذاته كفنان
ياسر الحكيم وصرخة الألم
شادي نصير
اللاذقية ـ عالم نوح
في عمله النحتي جرأة في طرح المشكلة، وتحديداً مشكلة المعاناة من الألم النفسي والجسدي، النابع من داخل المنحوتة والمستمدة ذاتها من ذاته كفنان، فنراه يرسم من خلال تشكيل تفاصيل المنحوتة مع الفراغ المحيط بها، والذي يشكل جزءاً هاماً من تكوينها التشكيلي والنفسي، روحهُ وآلام مجتمعه الذي قاسى الكثير من الأهوال، فتكون ذاتيته من ذاتية العمل النحتي الذي بين يديه، وتكون صرخة معبرة عما يجول في داخله كفنان وإنسان، كونه لصيق بيئته الاجتماعية، وناقلٌ صادق عن أحوالها.
نرى في أعمال النحات "ياسر الحكيم" نوعٌ من النزاع في الروح وأهوائها، والصراع بين داخل الفنان وما يعيشه خارج ذاته الخاصة، ليتحول النحت عنده طريقاً لتقديم الدراسة والرؤية التي لها خصوصية بحتة من خصوصيته كنحات، مستمدة التعبير والأداة والتفاصيل من محيطه الغني بالمفردة التشكيلة والتي بحاجة لعين ثاقبة لتحررها وتقدمها ككتلة نحتية..
بعد تخرجه من محترف كلية الفنون الجميلة عام "2002" تحول الفنان إلى طرح رؤية خاصة للنحت، فدخل صلب الجسد وغاص في حيثياته، كان في بداية الطريق يدخل الجسد معاناة من حوله من خلال صداقات أجساد أخرى لها نفس الحالة الاجتماعية ومن ثم النفسية، ولكنه طبع مع الوقت طابعه الخاص في جسد منحوتاته فتحول الجسد إلى رسالة صريحة للتعبير عما في ذاكرته التعبيرية، عن رؤيته المتكررة للأحداث الحياتية والاجتماعية، منذ أن لفت الشكل والكتلة نظره، فكان هذا التحول في ترك المفردة النحتية "الجسد" وحيداً نوع من تحد الذات ونقلاً لأحاسيسه ومشاعره الخاصة دون رقيب على كتلته النحتية، فنطقت أعماله بالألم الذي تخفيه أجساد من عايشهم، وتحول إلى لغة خاصة يقرأها المهتمين بالنحت، رسالة عن رهافة حسه وإحساسه العالي بكل ما يحيط به من أهوال.
لم يكن النحت ما يهم "ياسر الحكيم" فقط بل كان يشاركه همه تحميل الكتلة التي بين يديه الأحاسيس والرؤى الخاصة، حيث نرى في أعماله رغم أنها محملة بالألم نوعٌ من الحالة الإنسانية النقيضة والمواجهة للألم في نفس الوقت، من خلال الحركة التي يرسمها الوجه وتعابيره، أو من خلال تكور الجسد بحركة لا نرى تشكيلها عند باقي النحاتين الباحثين في إظهار معاناة الجسد، ومن هنا أخذت أعماله خاصيتها البحتة، في التعريف عن المكون الجسدي للمنحوتة وعن الألم ومعاناته وعن النقيض له، والبحث عن الحلول لإيقافه وكان هنا بداية التجريد وعالمه الباحث في أجزاء المنحوتة التي تحمل الروح في الكتلة ومغيبة الجسد البالي، لتظهر الوجوه تعبيراً عن إنهاك الجسد وحالاته التعبيرية.
في وجوه "ياسر الحكيم" نوع من قداسة الأيقونة، نوع من البحث عن روح المتلقي للعمل من خلال محادثة سرية تجري بين العمل ومتلقيه، فتظهر العيون غائرة ومفرغة من أي تعبير بينما الفم ناطق بكل ما تجيش به النفس، فكثير من أعماله فيها الكثير من حالة الإنسان العام من شهوانية، وجشعٍ، وحبٍ، وكراهيةٍ، وإنفعالٍ حقيقي من الحدث المعاش، فتكون صرخة مدوية ولكنها في جميعها تحمل الحالة الإنسانية الحقيقية، فالمنحوتة هي نقل لصورة الحياة عند النحات "الحكيم" مضمناً إياها كما الجسد الألم النابع من ذاتيته المتوحدة بذاتية العمل.
في منحوتات النحات "ياسر الحكيم" نوعٌ خاصٌ من التشكيل، يستمد جذوره من طبيعة "مصياف" مدينته الجبلية، من تكوينها، فتعطيه طبيعتها وصخورها، رؤيتها الخاصة، ليشارك في خلقٍ جديدٍ للنحت السوري الخاص من خلال ترجمة الإحساس بكثير من الشفافية والجمال، وما مشروعه في تقديم الرؤى والإحساس إلا رسالةٌ خاصةٌ للعالم عن إمكانية معايشة الألم للعمل النحتي ومن إمكانيته في نقل تفاصيل الحياة بكل تناقضاتها وآلامها إلى شكل نابض بالحياة والجمال.