يقدم لنا الشاعر محمود نايف الشامي المجموعة القصصية يباس يبتكر المطر للكاتب و الفنان التشكيلي شادي نصير، بالإضاءة التالية
أن تعاود قراءة كتاب ما (قصة ،شعر، رواية، مسرح…إلخ)
هذا يعني أن للكاتب نكهة مميزة تشدّك إلى تذوقها بين الكلمة والكلمة
وبين القصة والقصة..
إلى جانب عنوان المجموعة وما يحمل من إثارة.
لفت انتباهي عنوان إحدى القصص (( الموت الأبيض ))
وهذا العنوان شدّني أكثر لقراءة المجموعة من بداية الإهداء حتى الفهرس.
في هذه المجموعة العديد من المحاولات لتسليط الضوء على حالات إنسانية "بحتة" نعيشها في حياتنا اليومية.
اشكال كثيرة ميزة هذه المجموعة. منها: وأعتقد أنهُ أهمها هو طول القصة
بحيث أن القارئ لا يصيبه الملل بل على العكس
تأتي القصة كما نسيم الصباح على شاطئ البحر.
وأسلوب الكاتب "السلس" البعيد عن التكاليف في اللغة
ما يميز قصص المجموعة أيضاً النهاية المدهشة (القفلة)
والصور الشعرية التي أضافت للقصص إحساس عالِ
ينقل لنا "الأديب شادي نصير"عالمه الذي يعيش يضعه بين دفتي كتاب يحمل عنوان (يباس يبتكر المطر)
وهو ابن البحر والمقهى يحيا كإنسان لا يملك إلا أن يكون مليء بالأمل رغم الحزن ..
يباس يبتكر المطر
شادي قيس نصير
قصص قصيرة
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف
تصميم الغلاف : حسان خديجة
الطبعة الأولى 500 نسخة 2008
موافقة وزراة الإلام برقم 4655
وموافقة اتحاد الكتاب العرب رقم 677 تاريخ 25/8/2007
دار المرساة للطباعة والنشر والتوزيع
سوريا – اللاذقية – هاتف 311442
يباس يبتكر المطر
قصص قصيرة
يباس يبتكر المطر
أبحث عن شيء ألملم فيه شظايا روحي المبعثرة في كون فضائي مليء بمئات التذبذبات المخيفة، لأدفنها في الظلمة فقد مات الشعاع البراق الذي اخترق السماء بفرح ساحباً وراءه خيطاً طويلاً من الأمطار والسيول. ساومني القدر على تلافيف بشرتي المهترئة ووقفت مترنحاً لا أقبل العبث بأيام عمري الطويل وأراهن على الحاضر والمستقبل وكأنني عراف بقبعة زرقاء مطرزة بنجوم الدببة الكونية. ولكنها مجرد ورقة صغيرة، دسها في جيب قميصي وربت على كتفي وابتسمت عيناه الباردتان، اشتعلت ناراً ولم أدر ما أفعل ولبرهة طفى على السطح الصقيع المختبئ في معطفي القديم ومدفئة الجطب الميتة جوعاً، ورقة صغيرة خضراء تفيدني كثيراً ولا تخسره الكثير وأدفن رأسي في الأوراق وأنا أنتحب ألماً.
أربعون عاماً مضت على عملي في المكتب، امتطيت الخيال فرساً وطرت فوق أجنحة الحلم إلى هناك حيث لا سياط تدك جسدي بألوان الزرقة الغامقة ولا فقاعات الهواء الخارج من رأسي المدكوك بالماء الحار سحبت الورقة بارتجاف مراراً لكن ثقلها أرهق يدي، وسقطت الورقة في قاع الجيب … من أين أتيت يا زمن الجوع، لم يكن لك مكان في قبو حارتنا الضيق، ومن أدخلك مصطلح أبجديتنا … فيما مضى كنا جماعة نشكل أسرة وبيتنا ووطنا يزخر بالحب، وتبقى الأقدار صنيعة الحب والجشع، الكره والعطاء، ويبقى لون الشقائق في الأرض أحمر قان لا تزعزعه ألوان الحقد في الأفق. عدت إلى غرفتي الصغيرة تدثرت بالغطاء الصوفي محاولاً جره إلى الأعلى حتى تكشفت أصابع قدمي، علي أخفي عاراً جديد ألصقته بكفني الأبيض، وتدور الدقائق وتهتز العقارب ولا أزال أشد خيوط النوم من غير فائدة ترجى … صعدت إلى السطح واجهت برأسي نحو البحر، صوت صافرات البواخر يجفل الهدوء من حولي يحيل تذبذبات الشروق في الأفق إلى ألوان تضج بالأزرق ومشتقاته الفيروزية، وأصرخ مناجياً الحاجة، الأعذار والفقر والمساعدة ويأتيني صوت الصدى، فارغاً بارداً وأيقن بأتتي أصبحت الورقة صفراء بدأ الشيب يجتاح مسامها وكالبقية سأسقط أرضاً أعود إلى غرفتي أنظر إلى زوجتي في السرير، استلقي قربها أضمها بقوة واعداً إياها بقطع أخرى من اللون الأخضر والأحمر فالبرد قارس على ما يبدو هذا الشتاء.
مشروع يومي
خطابه في التلفاز فاجأها، أطلقت زغاريدها الكبونة، واتجهت نحو نافذة كان قد أقفلها لأعوام طوال. بعد ساعات من الانتظار صوت صلصلة المفاتيح أثار فرحتها، دخل أغلق النافذة، أسدل الستائر، جلس فوق عرشه المنزلي وبدأ مشروعه اليومي في قهرها.
الكبير
سأضمك أيها الكبير، سأعترف على سر لونك، وسيكون اللون الفيروزي آخر شيء يراني، كما كانت عينا والدي الطبيب ، الكبيرأول عينين فيروزيتين تشاهدانني عند الولادة .
مجنون ليلى
في زيارة لحيها رآها تسير بغنجٍ، تشابكت أعينهم وغرس الحب جذوره في قلبهما ومن لحظتها تفجر العشق نبعاً لتنمر فوقها شجرة الحب وتعشش الطيور ضمن أغصانها. صاغ أشعاراً وأشعاراً تناقلتها أفواه الجميع بافتخار لكن كره حارته لحارتها صدمه، حاول التوفيق بينهما، وعندما نجح نمت أحلامه كشجرة تفاح ارتوت من أنهار جنة الخلود. وعندما تجوّل بنظره باحثاً عنها كانت عصفوراً نبت ريشه وراح يؤسس عشاً جديداً، من شدة الفاجعة مس أصابه وأصبح لليوم مجنون ليلى.