
الكاتب فتحي فطوم ونصوص أخرى

شـــــــــجاعة
رآه يهبط درج مبنى المجمع الحكومي ؛ أخذته رِعْشَةٌ . صورتُه ما زالت محفورة في ذاكرته . تسللت قدمه اليمنى إلى كعب اليسرى ، ضغطت قليلاً ، أجابت أصابع القدم اليسرى بحركة مشابهة ؛ تعرت قدماه من النعلين ، انحنى ، خطف فردتي الحذاء ، وقف جاحظ العينين ، توترت أعصابُه ، اهتزت يداه ، تقدم بحذر . لم ينس يوم بادره بصفعة ، أعقبها بصقعة ، ثم صرخ : " ضعوه بالدولاب " . تقدم ... تقدم ، قَدَّرَ أن المسافة بينهما أصبحت تسمح له بالحركة ، رفع يده اليمنى قليلاً حين أمسى قريباً من زاوية طريق فرعية ، انطلق مولياً الأدبار غير مُتَحَرِّفٍ لِلقاء آخر .
الأحد 27 أيلول 2009
شـــفافية
في اليوم الثاني لتكليفه مديراً لفرع المؤسسة دعا إلى اجتماع عاجل ، حيث أكد على ضرورة التقيد بالتعليمات وتلبية طلبات المواطنين دون تأخير، واستقبالهم بوجه بشوش ، وهو ـ من جانبه ـ سيعمل بشفافية ، و ... نظر بطرف خفي إلى هدى ، رئيس الديوان ، التي سبق له أن التقى بها أكثر من مرة ، فأوضح بصريح العبارة أن العاملات كلهن مِثْلُ أخواته ، وهذا موقفه الذي لن يتخلى عنه أبداً .
بُعيد منتصف اليوم كان أحد العاملين بالمؤسسة عائداً إلى بيته بحي التعاون السكني الغربي ، فلفتت نظره سيارة المدير المخصصة مركونة في إحدى الزوايا ؛ حينئذٍ لم يخامره شك بما يدور في شقة هدى ! مدَّ يده إلى جيبه ، سحب سلسلة المفاتيح ، اختار مفتاحاً منها ، تقدم من السيارة ، انحنى بحذر ، لم يرفع رأسه حتى رأى الدولاب ينام متهالكاً .
انتَبَذَ مَكَاناً يَرى منه ولا يُرى ، لم يَطُلْ مكوثه كثيراً ، وقعت عيناه على المدير بشحمه ولحمه وعظمه ، وهو يتسلل من باب البناية ذاتها !
الأحد 27 أيلول 2009
وفـــــــاة
في اليوم الأول لافتتاح الدكان تناول قطعة من الورق المقوى ، وكتب بخط عريض العبارة الشهيرة :( الدين ممنوع والزعل مرفوع ، والرزق على الله ) ، لكن هذا الشعار لم يطبق في قرية تل الزهور كالعادة . ثَمّ شيء لا يختلف عليه اثنان : دكان وعدم مسك دفتر للديون يعني انعدام البيع ، ثم الإغلاق !
دفتر الديون ينتفخ يوماً بعد يوم ، هذا شيء لا يثير القلق ما دام هناك مَنْ يوفي ذمته في أوقات محددة ، أما أن يتهرب أحدهم ، أو ( يطمس) في مكان بعيد مِثْلُ حال ابن حارته خضر موسى ، المكنى بأبي فايز ،فالوضع لا يحتمل ! ومما زاد الطين بلة موقف زوجه ، وتريديها بمناسبة وغير مناسبة : " ظافر ذمته عاطلة،يحتاج إلى دواء يكوي كياً " .
ماذا يفعل ليحصل حقه ؟ فكر طويلاً ، رأى أن أسلوب بعض أصحاب المحلات بنشر أسماء المدينين والتشهير بهم أسلوب قديم ، يريد وسيلة شديدة التأثير وأنجع ..... ركب شاحنته الصغيرة ، وأمسك بيده مكبراً للصوت ، ثم انطلق وصوته يتماوج :" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . توفيت إلى رحمة الله تعالى ذمة خضر موسى ... أبو فايز ... لا صلاة عليها " . أعاد النداء ثلاث مرات ، ختمتها بصوت هادئ : " إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ " .
بعد ساعة كان فايز يقف قبالته في الدكان وهالة من الغضب تهز كيانه ، وإن حاول التخفي وراء ستارة الهدوء . سمعه يقول :
ـ هيك يا جار تفضحنا بالضيعة !
ـ أبوك هو السبب، لا تنسَ أن مَنْ يبَظ ( يفرك المؤشرة بالإبهام ) يبز* .
ـ وأنت لا تنسَ أنك ....
ـ كل شيء قابل للتصحيح بعد التسديد .... جرب وسترى .
فتح دفتر الديون ، وأشار إلى صفحة ظافر ، ثم ركز سبابته في أسفل الصفحة قائلاً :
ـ هنا الحل .
ما كاد يتسلم المبلغ من فايز حتى قفز إلى السيارة ، وأمسك بمكبر الصوت ، وفتح فمه : " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. سُبحانَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ..... أدخلت ذمة ( أبو فايز) غرفة الإنعاش، والوضع في تحسن...ادعوا لها بالشفاء العاجل " .
الجمعة 9 تشرين الأول 2009
ــــــــــــــــــ
* ( يبظ ) : باللهجة الدارجة بمعنى يدفع . وقد جاء في معجم مقاييس اللغة لأحمد بن فارس : " يقولون بَظّ أوتارَه للضَّرْب ، إذا هيّأها " . وفي مختار الصحاح : " في المثل : مَنْ عَزَّ بَزَّ ، أي مَنْ غَلَب سَلَب " .
و( المؤشرة ) : السبابة .
محــــاضرة
ضجرت القرية من كثرة الدراجات النارية ، وقَلِقت من ارتفاع وتيرة الحوادث ، ناهيك عن صخبها وهي تسابق الريح بين الشوارع والأزقة !
يكاد لا يخلو بيت من دراجة أو أكثر ، وكلها مهربة ، فما الحل ؟ ارتأت أطراف عدة أن نقص الوعي بأصول السياقة هو السبب ؛ لذلك اتُفِقَ على ضرورة الشروع بحملة توعية ، تكون بدايتها بدعوة المحامي أشرف لإلقاء محاضرة حول الوعي المروري ،وأثر ظاهرة تهريب الدراجات .
في قاعة المركز الثقافي ما كاد الأستاذ أشرف ينهي محاضرته حتى استرعى انتباهه شاب يشير بسبابته إلى فمه ، ثم يرسلها نحوه بحركة لولبية ؛ فأومأ برأسه أَنْ : اقترب . أقترب الشاب على عجل ، وهمس في أذنه بضع كلمات جعلت الأستاذ أشرف يهب واقفاً ، ثم يغادر القاعة وهو يلوح بيده معتذراً . حين وجد نفسه في الطريق أسرع إلى دراجته غير المهربة ، ركبها وهو يحدث نفسه : " يا بني ! قلت لك : لا شيء يدعو إلى شراء دراجة ثانية . أجبتني : واحدة مهربة بربع الثمن ... تفضل شف نتيجة السياقة برعونة ! " .
الثلاثاء 13 تشرين الأول 2009
تصفيق
دخل قاعة المركز الثقافي مع الداخلين ، سار حتى غدا بمحاذاة الصف الثالث ، اتجه إلى
الجهة اليمنى كالعادة ، اختار المقعد الأول ، التفت خلفه ، ثم هبط بسلام وسط ضجيج الأصوات
والمقاعد . ارتفع صوت عريف الحفل ؛ فعم الهدوء . قبل أن يَصْعَدَ المتكلم الأول المنصة صفق له مع المصفقين ، وودعه بمثل ذلك . ظل التصفيق يعلو ؛ نشل الجريدة المطوية من جيبه ، نظر إلى العنوان الرئيس ، أحس بشعاليل الخَدَر يسري في يديه ، ورمل النعاس يفترش عينيه ؛ دَنَا رأسه من صدره فَتَدَلَّى .
أفاق على صفقة قوية ؛ فصفق بشدة وهو ينظر إلى الأمام والخلف . كانت القاعة خالية تماماً ، وضوء خافت يعم المكان ، وثَمَّ شعاع قادم من البهو يخاتل الباب المتأرجح . داخله خوف ورهبه ، نهض ، بحث بعينيه عن موطئ قدم بين المقاعد ، سار وهو يمكو ويصدي* .
الأربعاء 14 تشرين الأول 2009
ـــــــــــــــــــــــ
* يصفر ويصفق
مــــازوت
في إحدى ليالي الصيف استلقى على فراشه فوق المصطبة كالعادة ، وكان قلقاً ؛ أفكار شتى طرقت باب مخيلته ، برزت أمامه صورة الشيخ علي وهو يتلو : " اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ ... " ، لكنه لم يفلح في تذكر ما قبلها وما بعدها ؛ فحدث نفسه : " كيف لواحد مثلي أن يلعب أو يلهو ؟ " . تأمل النجوم المضيئة في صفحة السماء الصافية : واحد ، اثنان ، ثلاثة ... ضرب فمه بباطن يده أَنْ : أسكت . فجأة لمعت في ذهنه حكاية جده مع النجوم ؛ أشرق وجهه بابتسامة عريضة ، حدث نفسه : " الله يرحمك يا جدي ! فكرتك الغريبة غدت مضرب الأمثال ، كيف خطر لك أن تسأل جدتي : لو كانت النجوم تعمل على زيت الكاز ، فكم بلورة * تحتاج في كل ليلة ؟ "
التفت إلى زوجه الغارقة في نوم عميق إلى جانبه ، فوخزها أكثر من مرة حتى جعلتها تلتف حول نفسها مذعورة وهي تقول :
ـ اللهم ! اجعله خيراً ... مالك يا رجل !
ـ خطر على بالي خاطر .
ـ خاطر !
ـ عصر زيت الكاز ولى ، اليوم نحن في عصر المازوت .. يا ترى ! لو كانت النجوم تعمل على المازوت ، فكم برميل أمريكي تحتاج كل ليلة ؟
تَأَفَّفَت ، ثم قالت :
ـ رُحْ اسأل البيت الأبيض .
الأربعاء 21 تشرين الأول 2009
ـــــــــــــــــــــــ
* وعاء مخروطي سعته / 5 / ليترات
*********************
وقـــــــــوف
أمام باب الدكان غرز صفوت أنبوباً يحمل لوحة معدنية (45 × 75) ، كُتب عليها بخط برتقالي عريض :(ممنوع الوقوف منعاً للإحراج . سيتم إفراغ إطارات السيارة . الإحساس نعمة ).
أسرع جاره عطوان إلى نصب لوحة معدنية ( 75 × 100 ) قبالتها ، كأنها تتحداها بعين ( جقرقة ) ، ليس بسبب حجمها ، بل لأن العبارة التي كتبت عليها بخط أحمر عريض (أيضاً) لم تدع للكياسة مطرحاً ، حيث جاءت صارخة : ( بدون رجاء .... ممنوع الوقوف أمام محلي وإلاَّ بزعجك ) .
لم يكد يمر يوم وبعض اليوم حتى وقفت سيارة (جيب) بين اللوحتين ، ثم نتقت من جوفها أربعة شباب من ... اتجهوا صفاً واحداً كأنهم بنيان مرصوص إلى أحد البيوت القريبة ، وحينما عادوا ـ بعد ثلاث ساعات ـ كانت إطارات السيارة على حالها،كما أن أحداً ما لم يتفوه بكلمة مزعجة .
في اليوم التالي عادت السيارة تقل الشباب أنفسهم ، ووقفت في المكان ذاته ، وهبط منها شابان ، في حين ظل السائق مسمراً خلف المقود وإلى إلى جانبه الشاب الرابع يراقب المشهد مبتسماً . ظلت الابتسامة ترفرف على شفتيه حتى مثل أمامه صفوت وعطوان وهما يتقدمان الشابين ؛ حينها انطفأت الابتسامة ، ثم أشار إلى اللوحتين بالسبابة وهو يحدق بصفوت أنْ : ارفع اللوحة إلى سيارة الشحن الصغيرة الواقفة على بُعد خطوات ، وإلا سيقوم بتعرية رجليه ، ثم نظر إلى عطوان ، وبالحركة ذاتها أشار إليه أن يتبع خطوات جاره ، وإلا سيزعجه . تلك الإشارة كانت كافية لتنفيذ الأمر على الوجه المطلوب بحذافيره ، حيث حمل منهما لوحته على ظهره ، ووضعها بتؤدة في السيارة .
سُمِع صوتُ هاتف داخل السيارة ؛ وشُوهدت يد الشاب القاعد جانب السائق تتحرك بسرعة ؛ فركض الشابان رملاً ، وقبل أن يغلقا البابين كانت السيارة تنطلق مخلفة وراءها صدى زعيق على إسفلت الشارع .
الثلاثاء 24 تشرين الثاني 2009
البعوضة والنخلة
" وقال الحسن بن علي عليه السلام ..... وأما أنت يا مغيرة ! فلم تكن بخليق أن تقع في هذا وشبهه ، وإنما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة : استمسكي فإني طائرة عنك ، فقالت النخلة : وهل علمت بك واقعة عليَّ ، فأعلم بك طائرة عني ؟ "
( ابن أبي حديد : شرح نهج البلاغة ، الجز الثاني ،ص 104 )
دفعت بها الريح من عفونة المستنقع إلى أرض النخيل ، طارت قليلاً فغشَّاها الوَنَى ؛ أسرعت تبحث لها عن مكان آمن ، وقع نظرها على نخلة باسقة ، اتجهت إلى سعفة منها ، وبينما كانت تحط عليها ضربت موجة من الريح النخلة ؛ فتمايلت السعفة تحت قدميها ، حسبت أن وقوعها ترك ذلك الأثر ؛ فاغتبطت بما رأت .
لم يطل مكوثها ، أرادت أن تهرب من مكان رحبٍ لم تألفه إلى بيت العفن الذي اعتادت عليه ؛ فقالت للنخلة :
ـ استمسكي ، فإني طائرة عنك .
تعجبت النخلة ! تساءلت : مَنْ هذا الذي يدعوها إلى الاستمساك ؟ اهتزت سَعَفها ساخرة ، وقالت :
ـ لمن هذا الصوت الغريب ؟
ـ أنا ... البعوضة .
ـ بعوضة ! وهل علمتُ بكِ واقعة عليَّ ، فأعلمُ بكِ طائرة عني ؟
حارت البعوضة، ما كادت تهم برفع صوتها حتى حملتها هبوبة* في طريقها ! نظرت إلى الأسفل ، رأت النخلة تتمايل ؛ عندئذٍ شعرت بنشوة غريبة ! زاد إعجابها بساقيها اللتين جعل النخلة تضطرب مرة أخرى من شدة وقعهما .
الحسكة: 11 نيسان 2005
ــــــــــــــــــــــــــ
* الهبوبة : الريح التي تثير الغبار
فســــاد
أعلنت الحكومة العتيدة عن برنامج لمكافحة الفساد ؛ فاستبشر فرحان السعيد خيراً . كاد يهتف : " جاءك الموت يا تارك الصلاة ! " حين خطر على باله جاره أمين رضوان الذي لم يمضِ على تعيينه رئيساً للجنة المشتريات في إحدى الشركات العامة سنة وبعض السنة ، فإذ به يبني بيتاً (عليه القيمة) ، ويضع لوحة نحاسية على المدخل تحمل عبارة (هذا من فضل ربي)
بينما كان فرحان في دكانه كالعادة ، فإذ بدورية تموين تأتي على حين غِرَّة ، وتبدأ مهمتها دونما استئذان طبعاً . بضعة دقائق مرت قبل أن يقف رئيس الدورية بالباب ، وهو يروز* طبق بيض بين يديه وهو يقول : " البيض فاسد " ، ثم نظم الضبط اللازم ؛ فسيق فرحان إلى القضاء بجرم الفساد ، بينما كان جاره يهز رأسه مبتسماً .
9 كانون الثاني 2010
ـــــــــــــــ
* رَازَ الحَجَرَ رَوْزاً رَزَنَه ليعرف ثقله ( لسان العرب )
تصويت
اكتمل النصاب ، فعُقدت الجلسة ، ودُونت أسماء الحاضرين ، تلا أمين السر التقرير المعد لهذه الغاية ...... أخيراً طُرِح التصويت على المقترحات والتوصيات برفع الأيدي . أز صوت رئيس الجلسة أزاً : " الموافقون ! " ، وأرسل بصره فوق الرؤوس متزامناً مع رفع يده لبدء العد ، فلم يرَ غير يده معلقة بالفراغ ، ثم َزَحَرَ زُحَاراً* :" طيب ...غير الموافقين ! ". ظل الوضع على ما هو عليه . تأمل يده الممدودة كجناح مهيض ، أدار رأسه نحو أمين السر، وهمس : " اكتب ... بالإجماع " .
الثلاثاء 12 كانون الثاني 2010
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إِخراجُ الصَّوْتِ أَو النَّفَسِ بأَنِينٍ عند عَمَلٍ أَو شدَّةٍ ( لسان العرب )
مفاجأة
الورقة الصفراء المطوية في قعر الصندوق لفتت نظره أكثر من غيرها ؛ فقبض عليها بحرص كأنها صيد ثمين ، وبسطها . كان تاريخها يعود إلى أكثر من خمسين سنة خلت ، مرسلها يوسف صديق والده أيام الشباب ، له من العمر ـ الآن ـ سبعة وثمانون حولاً ، أما والده فقد غادر الحياة الدنيا منذ خمسة عشر عاماً .
طواها ، دسها بجيبه ، وخرج وهو يخاطب نفسه : " تصور يا صلاح ! حجم المفاجأة ! سيفرح بها ، ويستعيد ذكرياته " . قصد الحارة الغربية ، كما توقع فقد رآه أمام دكان صالح ؛ فأسرع نحوه ، ومدَّ يده بالرسالة : " لك عندي مفاجأة حلوة " . رآه ينظر إليه فاغراً فمه دون أن يتفوه بكلمة ، فخيِّل إليه أنه لم يسمعه ! وقبل أن يهم بالصياح سمع صوت من خلفه : " يبدو أنك منذ مدة طويلة لم تره ؟ الله يساعده ... اتركه بحاله ، كبر السن بهدلة . الرجل فقد ذاكرته " .
الأحد 17 كانون الثاني 2010
رفق
ارتفع صراخ رجل وسط جَلَبةِ الشارع ؛ تركت ما كان بيدي وأصخت السمع .... كان جَرْس الصوت مألوفاً ، وصاحبه ليس بغريب ! اندفعت خارجاً لأتحقق من الأمر . فعلاً كان هو ... عزيز ، الشهير بـ (عزيز احتيال ) . كان يشتم ويسب ، يهدد ويتوعد ، يدور حول نفسه ، ثم إذ به يُجَدِّف بِنِعَمِ الله ، ويهجم كالثور على سالم ، جَارِي الْجُنُبِ ... وقف بعض المارة في وجهه ؛ فما كان منه إلا أن اتجه إلى باب دار سالم ، وراح يَرْفِسُهُ رفسات متتالية ، أين منها رفسة بغل شموس !
ظل سالم على هدوئه ، يحاول الرد عليه برفق ؛ الأمر الذي دفع أحد الموجودين إلى أن يصرخ :
ـ والله ! أحسدك على صبرك . تتصرف بهدوء ، إنه شخص أرعن ، كيف تعامله برفق ؟ ... قليل من يسلم من شره . لو كنت مكانك لجعلته يعرف أن الله حق . بربك قل لي كيف تحملت رعونته ؟
ـ هل أقابل الرعونة بمثلها ، ثم إن طبيعة عملي تفرض عليّ ذلك .
ـ الذي أعرفه أنك مدرس متقاعد ... يبدو أنك تعمل في مجال آخر !
ـ هذا صحيح ... أنا عضو بجمعية الرفق بالحيوان .
الخميس 8 نيسان 2010
إســـعاف
على بُعد خطوات من باب المدرسة الثانوية المختلطة صدمت سيارة مسرعة دراجة نارية ، وقذفت بسائقها إلى الرصيف المقابل ؛ فتراكض كثير من المارة باتجاه المصاب ، كل شخص تدفعه رغبة ما ! كان مدرس اللغة العربية بالثانوية أحد الأشخاص الذين قُدر لهم رؤية المشهد ؛ فأسرع ـ دونما تلكؤ ـ إلى غرفة الإدارة ، أمسك بسماعة الهاتف ، وركب رقم الإسعاف .. بينما كان طنين الهاتف يتردد في أذنه اعتورت جسده رجفة ، لم ينقذه منها إلا صوت على الطرف الآخر :
ـ نعم .. إسعاف المشفى الوطني .
ـ سيارة مسرعة صدمت دراجة ... قرب الثانوية المختلطة .. والسائق ينزف .. الضربة قوية ...
قاطعه الصوت بهدوء :
ـ كيف الجو عندكم ؟
ـ كأنَّ الجوّ من كمد عليلُ ...
حين وصلت سيارة الإسعاف كان سائق الدراجة قد لفظ أنفاسه ؛ فتركت جُثَّته بحراسة عيون المارة ، وأسعفت الجو العليل .
الجمعة 9 نيسان 2010
