
عاصفة هادئة لإيمان كيالي

قصة
عاصفة هادئة
إيمان كيالي
شيءُ ما تغيّر .. لم يعد مثلما كان .. شعورُ الزوجةِ قلّما يخطئُ .. شعورُ بالفتور ينتابُ حياتها .. لم تعد تنظُرُ إلى ساعتها كلما عاد َإلى المنزلِ .. لم تعد تَرقُبُ الوجه الذي أحبّتهُ من النافِذَةِ ... لم تعد تبحثُ بين القادمين في الشارعِ, عمن كانت تبحثُ عنهُ دائماً .. لم تعد تسمعُ صوتَ مفتاحِ البابِ يدورُ .. ولم تعد تُسرِعُ للقاِئهِ كما تعوّدَت ...
أما الآن فيدخلُ البتَ بهدوءٍ, ويَذهَبُ فوراً إلى غرفةِ طِفلَيهِ الصغيرين, ويقضي معهم بِضعَ دقائق .. ثم يتوجه إلى غرفةِ الجلوس لتناولِ الغداءِ, حتى الطعامٌ أصبحِ لهُ مذاقُ آخرُ ... الأطباق ُ الشهيّةُ التي يحبُها, لم تعد تتوسّطُ المائدةَ .. حتى حديثٌه عن عملِهِ ومشاكلِهِ التي كان ينهمكُ في سردِها تغيَرَ, صمتُ غريبُ أصبحَ يلفّ الدقائقَ القصيرةَ التي يٌمضيها الزوجان في تناولِ الغداءِ بسرعةٍ ...يقرأُ الصحيفة’ بهدوءٍ ... ماذا حدثَ..؟
غريبان تحتَ سقفٍ واحدٍ, بينَ أربعةِ جدرانٍ, وراء بابٍ مغلقٍ ..؟!
سبعُ سنواتٍ من الزواج السعيد, ثم نصلُ إلى خيبةِ أملٍ!
لا خلافاتٍ .. لا منازعاتٍ .. خزّنَت عواطِفَها وكظمت غيظَها تماماً, كما تفعلُ الأتربةُ التي تُعطّي أرضَ الغرفةِ, فهي بدلاً من أن تجمعها وتُلقي بها في صندوقِ القمامةِ, تكتفي بإزاحتها مؤقتاً تحت السِجّادةِ, التي تتوسطُ غرفتها .. ويبقى التوتّرُ متراكماً, ويمتلئ جوّ الغرفةِ برائحةِ الترابِ المكتومِ ... إنها رائحةُ الغَضَب التي تُسمّم حياتها مع زوجها ..!
والزوج يهرُبُ أمامَ العاصفةِ, دونَ أيّةِ مناقَشةٍ حولَ أيّ موضوعٍ يختلفانِ عليهِ!
أصبحَ يأتي متأخّراً ليلاً بعد أن يقضيَ نهارهُ خارجَ البيتِ, عائداً ليضَعَ رأسه المتعبَ المثقلَ بالهمومِ على الفراشِ.
هذا الرجلُ الطيبُ الذي يُحبُ بيتهُ وأولادهُ, ولا يرفضُ طلباً لزوجتهِ .. أصبحَ غريبَ الأطوارِ .. لا يعترضٌ .. لا يثورُ .. لا يغضبُ .. تتعمّدُ إغاظتهُ لإخراجهِ عن برودهِ وصمتهِ .. ولا يتحرّكٌ .. حتى ابتسامتهٌ أصبحت في هدوءٍ .. أصبحت تحسٌدٌ جارتَها على شجارها مع زوجِها, وتحطيمِ الأواني الجمليةِ أثناءَ الشجارِ ..
أين الأُكسيرُ الذي يُطيلُ عُمرَ الزواجِ, الذي يَصنعُ بالزوجينِ ما يصنعُهُ الشهيقُ بالرئتينِ, عندما تطردانِ الهواءَ الذي فسدَ, وتمتلِئانِ بالهواءِ النقي!
لم يعد يمنعٌها من الذهابِ إلى الحفلاتِ كما كانَ, لم يعد يٌبدي أيّ إعجابٍ أو رأيٍ في تسريحةِ شعرها, يحققُ لها كلَ ماتتمنّاه, ولكن بصمتٍ وهدوءٍ, احتواها شعورُ بالمللِ وأصبحت تتساءَلُ عن حيَوّيةِ الحياةِ لهفةِ الحبِ!
لابدّ أن أبحثَ عن شيءٍ جديدٍ, يُعيدُ الشبابَ إلى حياتنا, حاولت أن تعاتِبهُ عن تجاهُلهِ لها, كان يهٌربُ من هذه المواقفِ, حاولت لقاء صديقاتها في النوادي الرياضيةِ والاجتماعيةِ, لتستطيعَ أن تكتشِفَ جوانِبَ أخرى من شخصياتهنَ, ولكن عبثاً, عادت إلى منزلها, وهي تشعرُ ببرودٍ, احتَسَت كوباً من الشاي لتشعرَ بدفء الحياة, ولكن عندما عادَ الزوجُ إلى منزلهِ, وجدَها متجمّدةً في جلستِها دونَ حراكٍ, فقد توقفت حياتُها مع وقفةِ نبضِ الحبِ في أسرتها.
إيمان كيالي
