الفنان سعيد الطه إضاءة الثقافة العميقة ومشعل الخبرة الوسيعة. فنان مثقف، عرف كيف يحافظ على نقاوة الاحساس الداخلي بقلم الفنان والناقد التشكيلي عبد القادر الخليل

                                         الفنان التشكيلي السوري سعيد الطه

الكاتب الفنان والناقد التشكيلي عبد القادر الخليل
بلباو. اسبانيا. 21/11/2016

متابعة نوح حمامي

الفنان سعيد الطه إضاءة الثقافة العميقة ومشعل الخبرة الوسيعة. فنان مثقف، عرف كيف يحافظ على نقاوة الاحساس الداخلي, ورفض المحافظة على الأشكال السهلة المفهومة التي جاءت في منجزات الكلاسيكية. لم يغادر التوازن في تكوين الهيكل الذي يطرحه بأسلوب خاص. …. تابع التغيرات التكتيكية في مطالعة الفن العالمي ووقف معجبأ بمعظمها لكن لم يخرج عن أُسلوبه الفردي.

عظمة الفنان سعيد الطه تأتي في صداقته وانحيازه إلى كثرة التجارب، ومن كل تجربة أخذ الألوان التي تليق لذوقه وأخلاقه. تجارب الأستاذ سعيد منذ 1968 حتى اليوم، تختلف بين حين وأخر وبين لوحة وأخرى حتى وإن جاءت بشيء من الإعادة.

لقد قيل عن أسلوب الفنان سيزان أنه حقل كبير للإعادة. علمآ أن منتجات الفنان سيزان هي مناظر طبيعية. لكن إذا نظرنا في لوحات الفنان سيزان نرى أن إبداع سيزان كان يأتي في الأبعاد الخلفية التي يضع بها احتفال الجاذبية للمتلقي. بينما الفنان سعيد يضع الجاذبية في محور دائري يدعو المتلقي للدخول, أم يضع الجاذبية في النقاط المتطرفة ويستخدمها كأدوات استفسار، أو يطرح فيها بعض الاسئلة.. ليس هناك تأثير بين الطرفين لكن أشير هنا كيف نستطيع الدخول في مفهومية الموضوعية عند الاستاذ سعيد.

يحافظ على متانة الألوان والتوازن البصري مهما جاءت بعض المواضيع في التعقيد الفكري, ويجعلها أنيقة للتمتع في استخدام ألوان سطحية مبسطة. وفي تجارب أخرى نراه يُعبّر عن أفكار مأخوذة بعد دراسات كثيرة يطرح بها سعادة روحية أمام رؤية الجمال. في هذه اللوحات يظهر دافع تعبيري يبحث به عن توازن العواطف الداخلية. مع كل هذه الصفات الهامة أرى أن الفنان سعيدالطه لم يُعطى العناية التامة, بل أقل بكثير مما يجب. وهناك نسيان مقصود به كي يبقى بعيدآ وكي لا نراه في طليعة الفنانين على مستوى القطر. فلماذا؟ هل تواضع الفنان سعيد الطه يُطلي الظلام على مسيرته الخاصة؟ أم لأنه لا يرفع صوته على الآخرين؟ وهناك أفراد يصرخون بأصوات عالية كأصوات الطبول؟ وكلنا يعرف أن صوت طبل واحد له صدى اكثر من 100 نغم العود. وهكذا تبقى نجوم الفن محجوبة.

الفنان الكبير الاستاذ سعيد الطه يأتي في طليعة الفن السوري في حلب. فنان التراث والحروف العربية. الباحث في التاريخ, الباحث العلمي, الباحث البصري والباحث في التجارب الفنية. ومنذ أن كان تلميذ في الاكاديمية, ظهرت عليه ملامح كبيرة في تجاربه المختلفة. وتأثر به الزملاء منذ الزمن. لم يترك شيء للعفوية في منجزاته بل وقف دائمآ مشرفا على إضافاته وهكذا أثبت وجوده في المكان والزمان.

الفنان سعيد من أوائل الفنانين الذين أدخلوا الحروف في أسلوب التجريد وبهذا كان تعظيم للتراث والحضارة, وفيها يقول أن الحرف فيه شفاء الروح والبصر, وفيه متعة الأخلاق المثقفة. لم يستخدم التجريد لإضاءة الحروفية, بل استخدم الحروفية في إضاءة المنجزات التجريدية التي يهرب مفهومها عن أكثرية المجتمع. ومن جهة أخرى تقول أعماله: الفن التشكيلي هو ملتقى جميع الحواس الذوقية والروحية, وهي الماء التي تشرب منها كل أنواع الحداثة في أي تصميم كان. لقد سار في مدارس عديدة, وتأثر في مفهومية المدارس المختلفة دون أن يكون منحازا لفنان واحد. وهو من الأقلاء السوريين الذين لهم أسلوب خاص, فنان كبير، حافظت أعماله على التعمق في أفكار المدارس العالمية وأدخل المدرسة السيريالية الصوفية إلى سورية، واستخلص منها اُسلوب فردي خاص في مفهوم التكوين. أرى له تقارب مع الفنان الاسباني خوان ميرو في مفهوم الموضوعية، ثم تآلفه مع المدرسة التكعبية في التكوين التجريدي. معظم تصميم الفنان يأتي في إطار اللغة وتراث الوطن. ومفهوم كون الخالق وأعماق الفضاء. ثم يعود إلى نقاط الأرض التي يلمسها ويضع أصابعه في تراب الوطن ويضغط عليها بكثرة حتى يصل إلى الجذور. جذور أصالة الحضارة التي يرغب أن تظهر من جديد.

مهما حاول الكاتب أن يعطي شرحا كافيا عن الفنان سعيد الطه فلن يستطع حصر مسيرة الفنان الطويلة. هو كاتب ومؤلف, نشرعددا من الكتب في البحث التشكيلي. مارس التعليم في مركز فتحي محمد للفنون الجميلة, كما مارس التعليم في جامعة حلب, وتخرج كثير من الفنانين على يد زميلي الفنان سعيد.معارضه كثيرة في داخل الوطن وخارجه. الفنان سعيد من مواليد حلب 1951 , ويمكن القول أنه منذ الولادة كان فنانا, ومنذ أن تعرفت عليه حين كنا زملاءا في مركز الفنون في 1968 كان فنانا ماهرا بين زملائه.
لقد كان الفنان الانكليزي هوجرذ يجسد مسرحيات حقيقية في لوحاته, بينما الفنان سعيد الطه يعطي قصائد مختلفة في الفلسفة, في الفكرة الصوفية, وفي السسيريالية ليدخل مفهوم التراث الحضاري. الحروف التي هي الارض واللغة هي مسرح الحياة البصرية وجمال الحواس الروحية. الأرض والكواكب والسماء تفصل بينهم الإضاءة المشتقة.

كثيرا ما نقول أن عهد الظلام في الغرب كان في القرون الوسطى حيث لم يهتموا بعلماء الفن آنذاك. كما حال للفنان فيرمير والفنان فان جوج في هولندا, وتارنير الانكليزي والفنان ميليه الفرنسي وغيرهم أنا أرى أننا نرتكب نفس الأخطاء وننسى علماء الثقافة ونحتفل بالجهلاء والنسيان يأكل أبناء التقدم والإبداع؟


الفنانين التشكيليين طاهر البني عبد القادر الخليل وسعيد الطه

abdulkaderalkhalil@gmail.com